الحكومة التونسية تعلن قانون المالية لسنة 2022 وجدل بشأن الإجراءات التي تضمنته

أسدلت الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن الستار أخيرا عن تفاصيل قانون المالية الجديد لسنة 2022، وسط جدل في الأوساط السياسية والاقتصادية بشأن الإجراءات الواردة فيه.
Sputnik
وأكدت وزيرة المالية التونسية سهام بوغديري نمصية، خلال ندوة صحفية واكبتها "سبوتنيك"، أن موازنة الدولة لسنة 2022، قدرت بنحو 57.2 مليار دينار، أي بزيادة 3.2% عن الميزانية الواردة بقانون المالية التعديلي لسنة 2021.
وقالت إن تونس ستسجل بذلك عجزا في الموازنة بـ 9.3 مليار دينار دون احتساب الهبات، أي ما يعادل 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي، موضحة أن الدولة التونسية ستكون في حاجة إلى قروض إضافية بقيمة 19.9 مليار دينار في السنة المقبلة، من بينها 12.6 مليار دينار ستتأتي من الخارج و7.3 مليار دينار من الداخل.
تونس تتوقع عجزا في الميزانية 9.3 مليار دينار عام 2022
وقالت نمصية إن إعداد قانون المالية للسنة الجديدة لم يكن بالأمر الهيّن، وأن الحكومة سعت إلى عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين من خلال عدم الترفيع في المواد المدعمة، أو في سعر الغاز والكهرباء.
إجراءات اجتماعية واقتصادية
ولفتت وزيرة المالية إلى أن القانون الجديد يراعي الجوانب الاجتماعية من خلال إجراءات جديدة تم اتخاذها لفائدة الفئات الهشة، وذكرت منها الترفيع في المنحة المسندة إلى العائلات المعوزة، وإسناد منحة شهرية لفائدة أبناء العائلات محدودة ومتوسطة الدخل.
وفي إطار التقليص من كتلة الأجور، قالت نمصية إن الحكومة ستتوجه ابتداء من العام المقبل وإلى حدود سنة 2024 إلى تطبيق برنامج خصوصي للإحالة على التقاعد بالنسبة للأعوان الذين بلغوا 57 سنة واستمروا في النشاط لمدة لا تقل عن 15 عاما، مع تمتيعهم بالجراية الفورية.
وأضافت "سنمكّن أيضا الموظفين العموميين من التمديد في عطلة بعث المؤسسة من سنة إلى 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة مقابل الانتفاع بنصف الأجر، كما سنحدث صندوقا خاصا لتمويل صناديق الضمان الاجتماعي التي تحتل نصيبا كبيرا من ميزانية الدولة".
كما تضمّن قانون المالية لسنة 2022 إجراءات لمساندة المؤسسات الاقتصادية التي تضررت من جائحة كورونا، من خلال إحداث خط تمويل خاص بها وتمكينها من الحصول على قروض ميسرة بفوائد رمزية، إلى جانب إجراءات أخرى لمساندة المؤسسات السياحية والصناعات التقليدية والعاملين بها.
اتحاد الشغل التونسي يتوعد الحكومة بالإضراب في هذه الحالة
قانون لا يرتقي إلى صعوبة المرحلة
ووصف الخبير في المحاسبة والقيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، في حديثه لـ "سبوتنيك" قانون المالية الجديد بأنه "مرسوم ضعيف ولا يرتقي إلى تحديات المرحلة وحِدّة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي الذي تعيشه البلاد".
وأضاف أن الحكومة بَنَت هذا التقرير على فرضيات منقوصة، "فقد اقتصرت على ذكر نسبة النمو المتوقعة التي حددت بـ 2.6% وعلى سعر برميل النفط في حدود 75 دولارا، دون أن تذكر سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية أو نسبة التضخم أو نسق التوريد والتصدير".
وقال العجبوني إن الحكومة اعتمدت كذلك على فرضية إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتعبئة الموارد والقروض الخارجية التي بلغت 12.6 مليار دينار، في وقت لم تتمكن فيه إلى حد هذه اللحظة من غلق موازنة 2021 التعديلية ولم تجب فيه عن الأسئلة المتعلقة بكيفية جلب الموارد اللازمة لسد هذه الثغرة المالية.
وأوضح أن الحكومة عولت في قانون المالية التعديلي لسنة 2021 على التعاون الثنائي مع الدول الشقيقة والصديقة لجلب موارد بقيمة 1.5 مليار دولار، بينما لم تحصل سوى على 0.3 مليار دولار من الجزائر.
واعتبر العجبوني أن الحكومة اعتمدت أرقاما غير مسبوقة في علاقة بنفقات التأجير التي حددت بـ 21 مليار دينار وكذلك بالنسبة لنفقات الدعم التي ناهزت 7.3 مليار دينار أي ما يفوق نفقات الاستثمار.
تونس تخطط لرفع أسعار الوقود والكهرباء وفرض ضرائب جديدة العام المقبل
وتابع "تجنبت الحكومة الترفيع في سعر المحروقات سنة 2021 خوفا من ردة فعل الشارع، ولكنها أكدت في قانون المالية الجديد أنها ستعتمد على آلية التعديل الآلي للمحروقات، وهو ما يعني الزيادة في سعرها".
إجراءات مُسكنة وأخرى تقليدية
وعلّق العجبوني على البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد ومنح عطلة إنشاء المؤسسة للموظفين العموميين في إطار التقليص من كتلة الأجور التي اشترطها صندوق النقد الدولي، بالقول إنها "إجراءات تقليدية"، منتقدا إحداث خط تمويل لأصحاب المشاريع والمهن الصغرى ولمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني اعتمادا على مبالغ زهيدة تتراوح بين 25 و30 مليون دينار لا تُسهم في دفع النمو الاقتصادي، وفقا لقوله.
ويرى العجبوني أن مسألة اقتراض مبالغ بـ 7.3 مليار دينار من الداخل صعبة جدا، مشيرا إلى أن طاقة السوق المالية التونسية لا تسمح بتعبئة هذه الموارد الضخمة، منبها من خطورة هذا الإجراء على تمويل الاقتصاد التونسي والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
واعتبر المتحدث أن الحكومة اعتمدت على إجراءات "مُسكّنة" وذات تأثير محدود على الاقتصاد التونسي، مضيفا "حين ترفع الدولة في سعر المساكن ذات معلوم التسجيل القار من 300 إلى 500 ألف دينار، وحين تخفض في نسبة المعلوم على الاستهلاك بالنسبة للعربات المجهزة بمحرك مزدوج وفي المعاليم الديوانية على السيارات الكهربائية، فنحن نتساءل من سيقدر على شراء هذه السيارات أو العقارات الباهظة في ظل هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش؟".
واعتبر العجبوني، أن الاجراء المتعلق بالعفو الجبائي يكرس لغياب العدالة والمساواة بين المواطنين ويشجع الأشخاص على التهرب من دفع الضريبة طمعا في العفو الجبائي، مشيرا إلى أن قانون المالية لسنة 2022 سيؤدي إلى ضرب التصدير، من خلال الإجراء الجديد الذي فرضته الحكومة والذي يقضي بإلغاء امتياز عدم دفع الأداء على القيمة المضافة بالنسبة للشركات التجارية الدولية التي تسهم بشكل كبير في تسويق المنتجات الاقتصادية التونسية.
لماذا لم تستفد تونس من قرض صندوق النقد
قانون واقعي
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي، محمد الصادق جبنون، أن قانون المالية الجديد واقعي جدا بالنظر إلى الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد والأزمة المالية التي عمّقتها جائحة كورونا.
وأضاف لـ "سبوتنيك": "لأول مرة قدّم تقرير المالية توقعات حقيقية مبنية على سعر معقول لبرميل النفط ونسبة نمو واقعية، خلافا لتلك التي كانت تتضمنها تقارير المالية السابقة والتي بنيت على نسب نمو متفائلة للغاية وبعيدة عن الواقع الاقتصادي تصل إلى 4% وسعر برميل لا يفوق 40 دولار، وهو ما يفرض في كل سنة إعداد قانون مالية تكميلي".
وقال جبنون إنه من الطبيعي أن يتضمن قانون المالية الجديد بعض الإتاوات نظرا إلى الحاجة الملحة لتمويل المالية العمومية، مضيفا "لكن تبقى المعضلة الرئيسية في التداين، خاصة وأن تونس ستحتاج إلى اقتراض 6 مليار دولار في السنة المقبلة مع نسبة الدين الخارجي التي بلغت 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام".
هل ستنجح خطة سعيد في إنعاش الاقتصاد التونسي؟
ويرى جبنون أن هذه المعضلة تتجاوز قانون المالية، وأن المطلوب حاليا هو إعداد خطة اقتصادية متكاملة، معتبرا أن قانون المالية لسنة 2022 هو خطوة أولى نحو الحل، مستحسنا الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي التي تضمنها قائلا "رغم الإعتمادات المتواضعة إلا أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة لمجهود استثنائي نظرا لصعوبة الوضع المالي للبلاد".
وشدد جبنون على أن قانون المالية لا يمكن أن يلخص الحل الاقتصادي وأن يحوي جميع الاصلاحات المطلوبة، قائلا إن الحكومة حاولت من خلال هذا القانون التماهي مع متطلبات صندوق النقد الدولي والتي تحتاجها أيضا البلاد.
مناقشة