تونس... "الاستشارة الإلكترونية" بين الترحيب والانتقاد والدعوة إلى المقاطعة

لم يتوقف الحديث في تونس عن الاستشارة الشعبية الإلكترونية التي طرحها الرئيس قيس سعيد بهدف تجميع مقترحات التونسيين حول الاصلاحات المستوجبة في البلاد عبر منصة رقمية كان من المنتظر أن تفتح للعموم يوم أمس وفقا للموعد الذي حددته الرئاسة.
Sputnik
لكن الأمر اقتصر على البدء في عملية بيضاء في دور الشباب في مختلف الجهات، وصفتها وزارة تكنولوجيات الاتصال في بيان لها بأنها "عملية تجريبية وتوعية" انطلقت في 24 محافظة، مؤكدة أن المنصة ستكون مفتوحة للجميع ابتداء من يوم 15 كانون الثاني/ يناير وإلى حدود 20 آذار/ مارس المقبل.
وبحسب البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية فإن المواطنين سيتمكنون من "إبداء آرائهم في الداخل والخارج في أمهات القضايا المتعلقة بالشأن السياسي والانتخابي، والشأن الاقتصادي والمالي، والشأن الاجتماعي، والتنمية والانتقال الرقمي، والصحة والتعليم، والشأن التعليمي والثقافي".
حزب تونسي يصف مرسوما للرئيس قيس سعيد بأنه "أكبر خطر على البلاد"
وتزامنا مع انطلاق المرحلة التجريبية لهذه المنصة، تباينت الآراء في تونس بشأن اعتماد الاستشارة الشعبية الإلكترونية كوسيط لترجمة إرادة الشعب، بين من اعتبرها خطوة أولى نحو تصحيح أخطاء الماضي وبين من يرى فيها انقلابا على الشرعية الانتخابية.
فرصة لتصحيح الأخطاء
ويرى الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي، محسن النابتي، في حديثه لـ "سبوتنيك"، أنه لا ضير من اعتماد الاستشارة الإلكترونية على اعتبار أنها قادرة على بسط رؤى شرائح مهمة من المجتمع التونسي ونقل اقتراحاتهم للاصلاحات المستوجبة في مختلف الميادين.
وأشار إلى أن نحو 45% من الشعب التونسي قادر على استخدام الوسائط الإلكترونية، وهو ما سيفتح المجال لشرائح متنوعة للتعبير عن آرائها، على غرار الطلبة وأصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل والتونسيين المقيمين بالخارج الذين بامكانهم الولوج بسهولة إلى المنظومة الإلكترونية.
وتابع "بالنسبة لنا، سندعم ونساند أي وسائط تتوفر فيها الشفافية وتُمكّن الشعب التونسي من دخول العملية السياسية والتعبير عن آرائه، لأن العشرية الفارطة لم تنطوي سوى على مزيد من الفساد والنهب والتدخل الأجنبي والريع السياسي، بحيث أن مجموعة من الأشخاص هي التي تسيطر على المشهد السياسي وتديره لصالح المافيا المالية والدوائر الخارجية، في حين أُخرج الشعب التونسي من المعادلة السياسية وتحول إلى مجرد صوت انتخابي يستدعونه كل خمس سنوات ويشترونه بالمعطيات المغلوطة أو بالاعلام الموجه أو الرشاوى".
واعتبر النابتي أن الاستشارة الإلكترونية الشعبية هي فرصة لتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها البلاد في السنوات الفارطة، وفرصة أيضا للشعب التونسي حتى يتحمل مسؤوليته ويشارك في القرار السياسي على أعلى مستوى.
واستطرد "ولكن، لا يجب أن تكون الاستشارة الإلكترونية بديلا عن الحوار الوطني المباشر الذي وعد به رئيس الجمهورية في خطابه الذي وجّهه إلى الشعب يوم 13 كانون الأول 2021، عندما أكد أن الحوار سيكون في المحافظات والمعتمديات".
وطالب النابتي رئيس الجمهورية بتحديد رزنامة الاجتماعات الجهوية والمحلية المخصصة للتحاور بشأن الاصلاحات المتعلقة بالنظام السياسي والقانون الانتخابي والمنوال التنموي والهيئة التي ستشرف عليها، مشيرا إلى أن جزء كبيرا من المواطنين ومن النخب يريدون أن يُبدوا آرائهم بشكل مباشر في إطار نقاش مفتوح مع المسؤولين سواء على المستوى المركزي أو الجهوي.
دعوة للمقاطعة
ودعت حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، التي يخوض أعضاؤها إضراب جوع منذ 11 يوما رفضا لقرارات الرئيس قيس سعيد، إلى مقاطعة الاستشارة الإلكترونية ووصفتها بأنها "غير شرعية وغير شفافة وتنطوي على تحيّل على الدستور"، وأنها "لا يمكن أن تعكس إرادة الشعب"، خاصة وأنها تخضع إلى رقابة وإشراف السلطة تقنيا ومضمونيا.
الغنوشي يوجه طلبا عاجلا إلى الرئيس التونسي بشأن البحيري
وفي الإطار، قال عضو حملة "مواطنون ضد الانقلاب" عز الدين الحزقي لـ "سبوتنيك"، إن هذه الاستشارة هي عبارة عن شعوذة الكترونية لا تستقيم لا شكلا ولا مضمونا.
وأضاف أن "هذا الإجراء هو خطوة أخرى يقوم بها الرئيس قيس سعيد في اتجاه الاعتداء على إرادة الشعب وتحويل وجهته ومشاكله من أجل توسيع مناصبه، في تجاهل تام لنضالات الناس التي لم يشارك فيها".
واعتبر الحزقي أن رئيس الجمهورية يدرس القانون الدستوري قولا وليس فعلا، بعد أن داس على كل القوانين والدستور وخان الشعب وناخبيه ومصير الأجيال، وفقا لقوله.
ودعا الحزقي المواطنين إلى عدم المشاركة في الاستشارة الإلكترونية التي قال إنها أظهرت بوادر فشل منذ البداية، بعد أن عجز الرئيس عن الإيفاء بمواعيده عندما أكد أنها ستنطلق في غرة يناير الحالي.
وشدد الحزقي على أن "الشعب يُعبّر عن إرادته بطريقة واحدة وهي صناديق الاقتراع التي أفرزت مجالس برلمانية ومحلية وليس عن طريق الاستشارات الإلكترونية التي لا تتوفر فيها أدنى معايير الشفافية"، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية يتعمد الهروب من صناديق الاقتراع لأنه يعي جيدا حجمه الانتخابي تراجع منذ أن أعلن عن التدابير الإستثنائية ورمى بالدستور.
خطوة خارجة عن الدستور
ووفقا لأستاذة القانون الدستوري، منى كريم، فإن الاستشارة الشعبية الإلكترونية التي أطلقها الرئيس قيس سعيد ليس لها أي أرضية قانونية أو دستورية على اعتبار أنه تم تعليق العمل بدستور 2014.
وقالت في حديثها لـ "سبوتنيك" إن رئيس الجمهورية لم يعد بإمكانه الاستناد إلى الدستور الذي علقه في أي قرار سيتخذه، معتبرة أن الاستشارة هي وسيلة لتطويع الرأي العام أكثر منها استجابة لإرادة الشعب وإرساء لمنظومة دستورية جديدة.
وتابعت "لم يتم إعداد الناس بشأن المسائل التي سيتم استشارتهم فيها، ويبدو أن هذه الاستشارة ستكون موجهة إلى جانب معين وهو إرساء برنامج الرئيس المتمثل في اعتماد نظام رئاسي ونظام انتخابي يعكس توجهاته ويسهل له البناء القاعدي الذي رغب في تطبيقه وتغيير النظام السياسي نحو نظام رئاسي يتقلد فيه رئيس الجمهورية كامل مقاليد السلطة".
وأوضحت كريم أن الاستشارة تتطلب معرف بالقانون والدستور وبالأنظمة السياسية والانتخابية، مضيفة "لا أتصور أن الشعب التونسي الذي سيشارك في هذه الاستشارة لديه الدراية الكافية للإجابة عن الأسئلة المطروحة بكامل الوضوح والموضوعية".
وتساءلت "كيف سيتم استنتاج التوجهات من خلال هذه الاستشارة؟ ومن سيقوم بحوصلتها؟ وما هي المعايير التي سيتم اعتمادها؟ ومن سيضمن أن المشاركين فيها هم تونسيو الجنسية؟".
وترى كريم أن الاستشارة الشعبية المعلن عنها سنطوي على ضبابية كبرى خاصة حول الهدف منها، مشددة على أنها لا تندرج ضمن الوسائل الديمقراطية أو وسائل التواصل المباشر مع الشعب.
دين تونس يمثل 82.6% من الناتج المحلي في موازنة 2022
وقالت إن الدستور التونسي يتحدث فقط عن الاستفتاء وأن عبارة استشارة لم توجد فيه إطلاقا، وبيّنت أن الاستفتاء مشروط بدوره بتصويت البرلمان على مشاريع القوانين التي سيستفتي فيها رئيس الجمهورية الشعب.
وأوضحت أن الاستفتاء هو تعويض لحق الرد الذي يمكن أن يمارسه رئيس الجمهورية، بمعنى عوض أن يرد رئيس الجمهورية مشروع القانون إلى البرلمان يرده إلى الشعب ويستفتيه فيه، وهي الفرضية الوحيدة التي يتحدث عنها الدستور ولا يمكن أن يشمل الاستفتاء تعديل الدستور".
وختمت كريم قولها "اليوم لم نعد تحت سقف دستور 2014 ولا حتى في إطار حالة الاستثناء، حتى وإن برر رئيس الجمهورية الأوامر والمراسيم التي يصدرها بالرجوع إلى الدستور، فما نعيشه اليوم لا أساس دستوري له، وهو يندرج ضمن مرحلة انتقالية نحو إرساء نظام دستوري جديد يعكس تصورات رئيس الجمهورية، وما استشارة الشعب إلا غطاء لإضفاء المشروعية حول ما يقوم به الرئيس".
مناقشة