تونس... جدل بشأن إحالة 19 سياسيا للمحاكمة واتهام الرئيس قيس سعيد بالاحتماء بالحصانة

يتواصل الجدل في تونس بشأن قرار إحالة 19 شخصية سياسية إلى المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية على خلفية جرائم انتخابية وردت في تقرير محكمة المحاسبات، وسط انتقادات لاذعة وجهت للرئيس قيس سعيد بالاحتماء بالحصانة.
Sputnik
وأعلنت المحكمة الابتدائية في تونس مؤخرا إحالة 19 شخصا إلى المجلس الجناحي بشبهة ارتكاب "أفعال من شأنها أن تشكل جرائم انتخابية"، تتمثل في "مخالفة تحجير الإشهار السياسي والانتفاع بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي".
ومن بين الشخصيات التي وردت في القائمة، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، ورئيس الجمهورية الأسبق محمد المنصف المرزوقي، ورؤساء حكومات سابقين بينهم يوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ ومهدي جمعة وحمادي الجبالي، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي.
وذكرت المحكمة أنه تعذر عليها إحالة بعض الأسماء الأخرى "لأسباب تتعلق ببعض الإجراءات الخاصة بإثارة الدعوى العمومية المرتبطة بصفة المخالف واستكمال بعض الأبحاث".
وانتقدت عدة شخصيات سياسية وحقوقية استثناء بعض الأسماء من القائمة على غرار رئيس الجمهورية قيس سعيد رغم وجود مخالفات في حقه في تقرير محكمة المحاسبات، متهمين إياه بالاحتماء بالحصانة للتهرب من التتبع القضائي.
النيابة التونسية تحيل الغنوشي والقروي والشاهد إلى القضاء
عقوبات مالية
وقال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عادل البرينصي، لـ "سبوتنيك"، إن قرار الإحالة على المجلس الجناحي خطوة هامة يجب تثمينها، مضيفا: "لأول مرة منذ سنة 2011 تتم إحالة مثل هذه الملفات على النيابة العمومية بعد أن كانت حبيسة التقارير التي تعدها دائرة المحاسبات".
ولفت إلى أن الجرائم الانتخابية المذكورة تتعلق بالأساس بـ"جنح" مثل خرق يوم الصمت الانتخابي أو إغراء الأشخاص بالمال، موضحا أن القانون الانتخابي يعاقب مرتكبي هذه المخالفات بخطايا مالية تصل إلى 20 ألف دينار (نحو 6940 دولار أمريكي)، وليس بأحكام سجنية.
ودعا البرينصي إلى التسريع في النظر في بقية الجرائم الانتخابية الخطرة التي تصل عقوبتها إلى السجن، قائلا: "إذا لم يتم النظر في هذه الملفات قبل يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول القادم فإنها ستسقط بالتقادم، لأن الجرائم الانتخابية تسقط بعد مرور 3 سنوات على ارتكابها".
ويرى البرينصي أن المحاسبة خطوة مهمة نحو تنقية المناخ الانتخابي، مشددا على وجوب اقترانها بخطوات أخرى، أولها تنقية المناخ السياسي والحد من حالة الاحتقان التي تطغى على الساحة السياسية حاليا وتجنب تصفية الخصوم.
الرئيس التونسي: لا أحد فوق الدولة ويجب محاسبة كل من أجرم في حق الشعب
لبنة أولى نحو بناء تونس الجديدة
وتعتقد عضو حراك 25 يوليو، نايلة بن رحومة، في حديثها لـ "سبوتنيك"، أن محاسبة المرتكبين للجرائم الانتخابية هي لبنة أولى في بناء تونس الجديدة، وشددت على ضرورة محاسبة كل من "زوّر" عقول التونسيين و"خان" إرادة الشعب مهما كان انتماؤه وموقعه.
وأضافت أن القانون هو الفيصل في مثل هذه القضايا، "فمن يثبت القانون عدم ارتكابه بهذه الجرائم الانتخابية فستتم تبرئته، أما إذا كان الأمر عكس ذلك فلا بد من محاسبة مرتكبي هذه الجرائم".
وترى بن رحمومة أن مشوار الميل يبدأ بخطوة، وأن إحالة الشخصيات السياسية المذكورة على المجلس الجناحي خطوة أولى نحو القطع مع محاولات طمس الجرائم التي ارتكبت.
وأضافت: "لم ينسَ الشعب التونسي يوم بثت قناة تلفزة خاصة تصريحا لمسؤولة عن لجنة الانتخابات في محافظة بن عروس تؤكد فيه أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قدم إلى مقر الانتخابات مصحوبا بأشخاص مدججين بالأسلحة، قبل أن يتم حذف هذا المقطع من اليوتيوب، دون الحديث عن الأموال التي وزعت على الناس والأخرى المتأتية من الخارج وعقود اللوبينغ".
ودعت بن رحومة إلى النظر في بقية الجرائم الانتخابية التي أثرت على المشهد السياسي والانتخابي واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة ضد مرتكبيها.
استهداف للخصوم السياسيين
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، علّقت الأمينة العامة لحزب "حراك تونس الإرادة" ومحامية الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي، لمياء الخميري، بالقول: "مرة أخرى ترسي سلطة الانقلاب تقاليد جديدة وغريبة عن الاجراءات القانونية المتبعة في تونس، ففي كل مرة يردنا خبر إحالة أو تتبع شخص أو مجموعة من الأشخاص عن طريق الإعلام وليس عن طريق استدعائهم بصورة رسمية كما ينص على ذلك قانون الاجراءات الجزائية".
وأكدت الخميري أن موكلها المنصف المرزوقي الذي ورد اسمه ضمن القائمة المعنية بالإحالة على المجلس الجناحي لم يرده أي استدعاء رسمي في الصدد، كما هو الحال بالنسبة لبقية الشخصيات المذكورة.
وحول ملف المرزوقي (مترشح رئاسي سابق)، أوضحت الخميري أن دائرة المحاسبات اتصلت في وقت سابق بموكلها لإيضاح نقطة وحيدة تتعلق بوثيقة استخلاص مالي، مؤكدة أنه قام بتقديم جميع الحجج والمؤيدات التي تثبت أنها تعود إلى منخرط في الحزب الذي يديره، وقد تم تأكيد غلق الملف نهائيا على أساس انتفاء الشبهة، قبل أن يتفاجأ بأن اسمه ورد في قائمة المشمولين بالتتبع في الجرائم الانتخابية، وفقا لقولها.
واعتبرت أن الرئيس قيس سعيد سعى من خلال هذه الإحالات إلى استهداف جملة المترشحين المهتمين بالانتخابات القادمة، وأنه يريد أن يقطع الطريق أمام خصومه السياسيين في دخول السباق الانتخابي المقبل، منتقدة التشهير بهذه الشخصيات رغم عدم وجود حكم قضائي يثبت ارتكابهم للجرائم المذكورة.
حركة النهضة تكشف حقيقة إحالة الغنوشي للقضاء
استقواء بالحصانة الرئاسية
واستنكرت الخميري عدم ورود اسم الرئيس قيس سعيد في إلى قائمة المشمولين بالتتبع، قائلة: "لقد رفع سعيّد الحصانة عن النواب في البرلمان وطعن في حصانة القضاة والمحامين بينما أبقى على حصانته الرئاسية التي يمنحها له الفصل 78 من الدستور الذي ألغاه بنفسه بمقتضى المرسوم عدد 117"، مشيرة إلى أن الرئيس يحتمي بالحصانة تهربا من التتبع القضائي.
من جانبه، قال الخبير في القانون الدستوري شاكر الحوكي: "لا اعتراض على تطبيق القانون مهما كان الشخص المعني بذلك، وإحالة الشخصيات التي طالتها تهمة ارتكاب جرائم انتخابية هو أمر تهمة ارتكاب جرائم انتخابية هو أمر عادي".
واستطرد في تعليق لـ "سبوتنيك": "لكن ما يعاب في هذه المسألة هو استثناء شخصيات بعينها من التتبع على غرار رئيس الجمهورية الذي وجدت ضده أكثر من قرينة تدل على ارتكابه لجرائم انتخابية واستفادته من المال الخارجي على غرار بعض المترشحين الرئاسيين".
وقال الحوكي إن سعيّد يتمتع بالحصانة نظرا لكونه رئيسا للدولة وقائدا أعلى للقوات المسلحة، طبقا لما جاء في دستور 2014، "غير أن هذا الدستور الذي يمنح الحصانة لرئيس الدولة كما يمنحها للنواب أصبح ملغى في عرف رئيس الجمهورية".
ودعا المتحدث الرئيس قيس سعيد إلى الطعن في حصانته خاصة وهو الذي دائما ما كان يطرح قضية الحصانة كقضية للنقاش وينتقد تخفي النواب وراء الحصانة البرلمانية.
وقال الحوكي: "إن القانون الذي ينظم مهنة المحاماة يمنح أيضا الحصانة للمحامين، وهو ما يفسر عدم توجيه النيابة العمومية أي اتهام للمترشحين الذين يشتغلون في مهنة المحاماة مثل عبير موسي وعبد الفتاح مورو ومحمد عبو".
وفسّر الحوكي وجود اسم رئيس حركة النهضة "راشد الغنوشي" في القائمة رغم أنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية على غرار بقية الشخصيات المذكورة بأن بعض العقوبات التي يضبطها القانون الانتخابي تشمل رئيس الحزب المرتبك للمخالفة.
مناقشة