هل ذاب الجليد بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

بعد أن سيطرت الخلافات والتوترات والاتهامات على علاقتهما وانقطع بينهما اللقاء لمدة زادت عن الستة أشهر، اجتمع مجددا رئيس الجمهورية التونسية والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في لقاء رسمي أثار الكثير من التساؤلات.
Sputnik
فقبل يوم واحد من اتهامه له بالتفرد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالملفات الحارقة وخاصة منها قانون الموازنة والمفاوضات مع الدوائر المالية العالمية، التقى السبت الماضي، الرئيس التونسي قيس سعيد بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي.
وذكرت المركزية النقابية على صفحتها الرسمية أن هذا اللقاء تناول الوضع العام في البلاد، في وقت أعلن فيه الرئيس قيس سعيد بأنه مستعد للعمل المشترك مع الاتحاد اعتمادا على "الثوابت والقناعات الوطنية".
تونس... هيئة الدفاع عن نور الدين البحيري تؤكد أن حالته الصحية "بلغت مرحلة الخطر الشديد"
وقال سعيد إن اتحاد الشغل هو "أقوى نقابة عمالية في تونس ولها قدرة كبيرة على تعبئة الشارع"، مؤكدا على أهمية الدور النقابي والوطني الذي لعبه الاتحاد في عدة مناسبات سواء على المستوى الوطني أو الخارجي.
واعتبر سعيد أن هذا اللقاء دليل على عدم وجود جفاء أو برود بين الطرفين، وأن اللقاءات بينهما مستمرة سواء بصفة مباشرة أو عبر المكالمات الهاتفية.
من جهته، ذكر الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي بأن هذا اللقاء فرضته طبيعة المرحلة واستحقاقاتها، معتبرا بأن تجاوز الظروف الصعبة يكون "عن طريق التضامن الوطني الحقيقي واعتماد الهدوء والحكمة والتعقل والمشاركة".

لقاء المصارحة

واعتبر الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن هذا اللقاء مهم على اعتبار أنه يأتي في ظرف دقيق ارتفع فيه منسوب التجاذب السياسي في البلاد أكثر من أي وقت مضى.
وقال الطاهري إن هذا اللقاء قد يفضي إلى إذابة الجليد بين الطرفين، مضيفا بأنه تضمن مصارحة حول أسباب الخلاف وانقطاع التواصل بين الاتحاد والرئاسة طيلة الفترة السابقة.
محكمة عسكرية تونسية تفرج عن نائبين من البرلمان المجمد
وأكد أن "الأمين العام للمنظمة الشغيلة قام بتوضيح موقف الاتحاد من جملة القضايا المطروحة في علاقة بالوضع العام بالبلاد وبقرارات رئاستي الجمهورية والحكومة التي وصفها بـ "الانفرادية" سواء في إعداد قانون الموازنة لسنة 2022 أو في العلاقة بمشروع التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وتابع: "أكدنا أيضا تحفظاتنا في علاقته بالاستفتاء الإلكتروني الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية وفيما يتعلق بغياب المشاركة وانعدام الحوار"، مشيرا إلى أن الرئيس قيس سعيد أبلغ الاتحاد برغبته في خوض حوار وطني دون أن يوضح شكله وآلياته والأطراف المعنية به.
وقال الطاهري إن الاتحاد متمسك بعقد حوار يمس الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا يقتصر على ملفات دون أخرى، مضيفا: "نأمل أن تنعقد جلسات مستقبلية مع الرئاسة وأن يستمر التواصل وأن نلمس تغييرا في السياسة التي يتبعها الرئيس سواء مع اتحاد الشغل أو مع المجتمع المدني والسياسي الذي نرى أنه يتعمد إقصائه".

ورقة لكسب المفاوضات

وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، كمال بن يونس، إن هذا اللقاء الذي جاء بعد ستة أشهر من لقاء 25 يوليو/ تموز العلني هو "مؤشر إيجابي" من حيث أنه يوحي بوضع حد للقطيعة بين الرئاسة والمركزية النقابية.
وأضاف: "رغم أن الرئيس نفى وجود هذه القطيعة إلا أن تصريحات الأمين العام للاتحاد والقيادات النقابية أكدت جدية الخلاف بين الطرفين، كما أن الرئيس وجه انتقادات لاذعة للاتحاد وأعرب عن رفضه لخياره الثالث بعد أن عطل سابقا مبادرته المتعلقة بالحوار الوطني واستبدلها بمبادرة جديدة".
واعتبر بن يونس أن استئناف الحوار بين سعيد والطبوبي يوحي بتطور إيجابي في العلاقة بينهما، مشددا على أن ذلك لا ينفي المخاوف المتصلة بتوجهات الرئيس التي أعلن عنها منذ 25 يوليو وحتى قبل صعوده إلى سدة الحكم قبيل انتخابات 2019.
وقال: "الرئيس لا يؤمن كثيرا بدور المجتمع المدني والمنظمات والأحزاب التقليدية ويعتبر أن الكثير من قياداتها متورطة في عدة قضايا وهو مصر على إلغاء الوساطة بين الشعب والسلطة المركزية".
وقال بن يونس إن رئيس الجمهورية يسعى من خلال هذا اللقاء إلى كسب ورقة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط بشكل واضح الحصول على التزام كتابي من الأطراف الاجتماعية وفي مقدمتها اتحاد الشغل يتضمن موافقتها على الاصلاحات المستوجبة، بما فيها الموافقة على رفع الدعم وغلق المؤسسات العمومية المفلسة التي تكلف الدولة مليارات سنويا.
ولفت إلى أن رئيس الجمهورية أراد إبلاغ رسالة طمأنة لصندوق النقد الدولي وللجهات الدولية المانحة بأن علاقته مع الأطراف الاجتماعية طيبة، وهو ما يفسر لقائه أيضا برئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة.
وتابع "هذا اللقاء يمكن قراءته أيضا من زاوية الخطوات التكتيكية التي يعتمدها الاتحاد، فالقيادة النقابية الحالية مقبلة على مؤتمر انتخابي منتصف فبراير/ شباط القادم، بينما سيلاحقها حكم قضائي يعتبر أن مؤتمر يوليو غير شرعي، وبالتالي لا يحق للرئيس الحالي نور الدين الطبوبي و9 أعضاء من الاتحاد الترشح للمؤتمر القادم".
ممثل صندوق النقد: تونس بحاجة إلى إصلاحات عميقة
ويعتقد بن يونس أن الطبوبي يسعى من خلال لقائه برئيس الجمهورية إلى الوصول إلى تهدئة مع السلطة من أجل عقد المؤتمر في ظروف عادية، خشية عدم اعتراف الأخيرة بشرعية المؤتمر وبقراراته.

لقاء الضرورة

من جانبه، قال المحلل السياسي بولبابة سالم لـ "سبوتنيك"، إن التوتر بين المنظمة الشغيلة والرئاسة بلغ أشده، خاصة بعد التراشق المتكرر بالاتهامات وتهكم الرئيس على مطالب الاتحاد ونشره للأمر عدد 20 الذي يمنع التفاوض بين السلطة والنقابة دون إذن من الحكومة.
ويرى سالم أن هذه القطيعة التي طالت جعلت الرئيس معزولا خاصة وأن أغلب الأطراف السياسية توقعت في صف المعارضة باستثناء قلة منها، مؤكدا أن اللقاء الأخير بين الطبوبي وسعيد كان نتيجة لوساطة لعبتها حركة الشعب المقربة من الرئيس والاتحاد في آن واحد.
الرئيس التونسي: نرفض كل محاولات التدخل في الشأن الداخلي
ووصف سالم هذا اللقاء بأنه "لقاء الضرورة" بالنسبة لكلا الطرفين، "فمن ناحية يرغب الرئيس في كسب ود المنظمة الشغيلة من أجل الاتفاق على برنامج إصلاحات ليبدأ التفاوض مع صندوق النقد الدولي في شهر مارس/ آذار المقبل، ومن ناحية ثانية يبحث الاتحاد عن تحسين شروط التفاوض مع الرئيس والوصول إلى توافقات في علاقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية وتشريك الجميع في الإصلاحات المنتظرة وتحسين المناخ السياسي، خاصة بعد الاعتقالات الأخيرة والضيقات التي طالت النقابيين أنفسهم من خلال المنشور عدد 20".
ويستبعد سالم أن تقدم المركزية النقابية تنازلات في علاقتها بالإصلاحات التي تمس الأجراء والموظفين، قائلا "لا أعتقد أن القيادة الحالية للاتحاد ستوافق على هذه الشروط خاصة وأن الطبوبي يرغب في تمديد عهدته خلال المؤتمر الانتخابي القادم، وبالتالي فهو لن يقبل بإجراءات ستمس من شعبيته".
مناقشة