هل بلغت الدولة التونسية مرحلة العجز عن صرف أجور موظفيها؟

تزايدت حدّة المخاوف في تونس خلال الآونة الأخيرة، من عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مواطنيها، بعد التأخير القياسي الحاصل في صرف أجور الموظفين العموميين، وسط تحذيرات من هشاشة الوضع المالي للبلاد واقترابها من حافة الإفلاس.
Sputnik
ورغم تأكيد وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، أمس على أن الحكومة قادرة على دفع أجور الموظفين في القطاع العام، إلا أن خبراء الاقتصاد دقوا ناقوس الخطر وحذروا من مغبة اللجوء إلى حلول ترقيعية لتأمين نفقات الدولة ومنها الأجور، على غرار استخدام المساعدات الخارجية أو التعويل المفرط على الاقتراض الداخلي.
حركة النهضة التونسية تدعو للتظاهر السبت المقبل تضامنا مع البحيري الموجود في الإقامة الجبرية
واشتكى المئات من الموظفين العموميين في تونس من تأخر صرف أجورهم لشهر يناير/ كانون الثاني المنقضي، وهو ما قاد البعض منهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية وسط العاصمة. بينما اجتاحت التعليقات الغاضبة وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #سيب_الشهرية.
ضريبة على التأخير
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي، أحمد المهوك، إن ما أصاب الجرايات جعل الموظفين العموميين في حالة من الحيرة والقلق، خاصة وأن التأخر في صرف الأجور بلغ مستوى غير مسبوق، بعد أن تجاوز عشرة أيام.
وانتقد المهوك السياسة الاتصالية غير الموفقة للحكومة، مستنكرا عدم تقديم وزارة المالية أي توضيح للموظفين الذين لم يتم إعلامهم بشكل مسبق بالتأخر في صرف جراياتهم (رواتبهم). واعتبر أن ظهور وزيرة المالية كان متأخرا ويندرج في إطار التبرير.
ولفت المهوك إلى أن الموظفين يتكبدون خسائر هامة نتيجة تأخر الحكومة عن صرف أجورهم، مشيرا على أن العديد منهم مرتبطون بالتزامات مالية مع البنوك التي تقتطع منهم مبالغ هامة بسبب تأخرهم عن سداد أقساط القروض، قائلا "صرنا نقتسم أجورنا مع البنوك".
وأضاف "هذا التأخير المتكرر هو دليل قاطع على عمق الأزمة التي بلغتها تونس نتيجة السياسة الخرقاء للعشرية السوداء وما تعرضت له البلاد من تدمير ممنهج للاقتصاد وللمالية العمومية".
ودعا المهوك رئاستيْ الجمهورية والحكومة ووزارة المالية إلى عدم البقاء مكتوفي الأيدي وإيجاد الحلول التي تحول دون تجويع المواطن.
وتابع "هذه السلطة التي بشرت الناس في 25 يوليو/ تموز بإنقاذهم وتحسين معيشتهم عليها أن تفي بوعودها وأن تحولها إلى واقع ملموس بعيدا عن الشعارات التي لا تطعم الجوعى ولا تشفي المرضى".
حلول ترقيعية
ولفت الخبير الاقتصادي معز الجودي في حديثه لـ "سبوتنيك"، إلى أن الدولة أصبحت تواجه صعوبات كبيرة جدا في تجميع جرايات الموظفين في القطاع العام.
مسؤول تونسي: إشغال العناية المركزة قفز من 100 مصاب كورونا إلى 1200 والوضع تحت السيطرة
وقال: "إن حجم الأجور في الوظيفة العمومية يساوي تقريبا 1.8 مليار دينار شهريا، وما يعادل 21.5 مليار دينار سنويا، وهو مبلغ ضخم جدا يفوق طاقة خزينة الدولة، ولذلك فإن الحكومة أصبحت تلتجأ كل شهر إلى الاقتراض الداخلي والخارجي".
وأضاف أن الحكومة التجأت إلى حلول ترقيعية لتأمين أجور شهر يناير/كانون الثاني، أولا عن طريق إعادة تمويل البنوك الداخلية بشراء سندات الخزينة بضغط من البنك المركزي، وثانيا من خلال استخدام القرض الذي تسلمته تونس من الجزائر بقيمة 300 مليون دولار.

وشدد الجودي على أن القروض مخصصة بالأساس لتمويل المشاريع والتنمية ولدفع الاستثمار وليس لسداد الأجور، قائلا إن الدولة أصبحت تقترض إما لسداد أجور قديمة أو لصرف الجرايات، وهو أمر خطير، وفقا لقوله.

وبيّن أن الحكومة استخدمت أيضا مدخرات البريد لتأمين الجرايات، موضحا "صحيح أن جزء من أموال البريد تذهب شهريا لخزينة الدولة على اعتبار أنه مؤسسة مالية عمومية، ولكن سحب 700 مليون دينار من البريد لتمويل الأجور هو أمر غير طبيعي، لأن الأصل هو أن تصرف هذه الأموال لتمويل التنمية الجهوية والاستثمار".
ويرى الجودي أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو إجراء الإصلاحات المطلوبة، وأولها خفض كتلة الأجور إلى مستوى يتلاءم مع إمكانيات الدولة، مشيرا إلى أن القطاع العام يشغل عددا من الموظفين يتجاوز 650 ألف موظف عمومي بكلفة 6 مليار دينار في السنة.
مساعي لتوحيد المعارضة التونسية ضمن جبهة وطنية... هل تكون بديلا لمشروع الرئيس؟
وأضاف أن الإصلاح الثاني يجب أن يشمل المؤسسات العمومية التي تسجل خسائر هامة. وبيّن أن الدولة تخصص 8.9 مليار دينار أي ما يعادل 8.9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لتغطية هذه الخسائر.
خطر التعويل على الاقتراض الداخلي
وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، أوضح وزير المالية الأسبق، سليم بسباس، أن الحكومة تعاني صعوبات غير مسبوقة في تعبئة الموارد اللازمة للإيفاء بأهم نفقة من نفقات الدولة وهي الأجور.
وقال، "تدبرت الحكومة أمر جرايات شهر يناير بطرق غير تقليدية، ومن ضمنها اللجوء إلى القرض الجزائري، والتعويل المفرط على الاقتراض الداخلي في غياب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
ونبه بسباس من خطورة هذا الأمر على الاقتصاد، مشيرا إلى أن توجيه تمويلات البنوك إلى الدولة، جعل هذه الأخيرة تدير ظهرها عن المؤسسات الاقتصادية، وهو ما أخّر التعافي الاقتصادي بسبب صعوبة نفاذ المؤسسات الاقتصادية للتمويل البنكي.
ولفت بسباس إلى أن الاشكال الحقيقي يكمن في عدم قدرة الدولة على تأمين مواردها المتأتية من القروض الخارجية، وهي في حدود 12 مليار دينار.
وأكد أن تجميع هذه الموارد سيكون مستحيلا في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وضع عدة شروط من بينها التوصل إلى توافق مع الأطراف الاجتماعية، فضلا عن جملة من الإصلاحات القديمة المتجددة.
مناقشة