ارتفاع أسعار الحبوب والجفاف يهدد موازنة تونس... خبراء يكشفون مصير المخزون الغذائي

تصاعدت مخاوف التونسيين من تداعيات العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، وإمكانية انعكاسها على بلدهم الذي يعوّل بشكل أساسي على هذين البلدين في تأمين حاجياته من الحبوب والنفط، وانعكاس ذلك على الأسعار.
Sputnik
وتعدّ تونس من بين أكثر البلدان استهلاكا للحبوب، حيث تستهلك سنويا ما يزيد عن 30 مليون قنطار، بينما لا يغطي إنتاجها المحلي من هذه المادة سوى 30 في المئة من حاجياتها، وهو ما يدفعها إلى استيراد الكميات المتبقية من الأسواق الخارجية، وبالأساس من روسيا وأوكرانيا اللتين توفران 80 في المئة من واردات تونس من الحبوب، وفقا لديوان الحبوب.
بسبب أحداث أوكرانيا... ارتفاع غير مسبوق لأسعار القمح في الأسواق الأوروبية
ويحذّر خبراء ومهنيون في تونس من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على تونس، من ناحية تزودها بالحبوب والنفط، ومن ناحية انعكاس ارتفاع أسعار النفط والمواد الأساسية على المالية العمومية، وسط مخاوف حقيقية من لجوء الحكومة إلى الرفع في الأسعار.
أزمة في التزود بالحبوب
ويرى وزير التجارة السابق، محمد المسليني، في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن تونس لن تكون بمعزل عن تداعيات التوتر الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وقال: "رغم أن المبادلات التجارية التي تربط تونس بهاذين البلدين ليست ضخمة إذ لا تتجاوز 350 مليون دينار في السنة بالنسبة لأوكرانيا، إلا أن تونس، الجزء الأكبر منها يرتبط بالحبوب وبالأساس القمح، ثم بدرجة ثانية المواد النفطية".
وأشار المسليني إلى أن تونس ستواجه مستقبلا صعوبة في التزود بالحبوب، على اعتبار أنها تستورد ما بين 70 و80 بالمئة من حاجياتها الاستهلاكية من القمح من الشمال، مضيفا أن العملية العسكرية الروسية ستؤثر أيضا على نقل حاويات النقل الكبيرة.
وشدد المسليني على أنه لا يمكن لتونس أن تعوّل على مخزونها من القمح، خاصة وأن الإنتاج المحلي للموسم الحالي سيشهد نقصا بسبب حالة الجفاف الذي تشهده البلاد.
وأشار إلى إمكانية توجه تونس إلى أسواق أخرى على غرار الأرجنتين والبرازيل التي تنتج كميات مهمة من القمح والذرة، مضيفا: "سيكلف ذلك تونس ميزانية إضافية بالنظر إلى ارتفاع أسعار الحبوب".
المخزون كاف ولكن..
بدوره، أكد عضو اتحاد الفلاحين المكلف بملف الزراعات، محمد رجايبية، لـ "سبوتنيك"، أن المشتريات التي اقتنتها السلطات التونسية من مادتي القمح اللين والصلب للأشهر الحالية تمت المصادقة عليها.
وأضاف "أتمت تونس طلباتها من القمح منذ شهر كانون الأول المنقضي، وقد تم التعهد بجلب الكميات المطلوبة، فضلا عن أن تونس ستبدأ في جمع محاصيلها بداية من شهر يونيو القادم".
العملية العسكرية الروسية لحماية دونباس
وزير الاقتصاد اللبناني: احتياطي القمح يكفي لمدة شهر واحد على الأكثر
ولفت رجايبية إلى أن المخزون المتوفر حاليا القمح يكفيها لسد حاجياتها الحالية، قائلا: "ولكن إذا طالت العملية العسكرية الروسية لن يكون الأمر مطمئنا، ومن الضروري أن تدرس الحكومة التونسية الاحتياطات الناجمة عن اضطرابات السوق".

وأشار رجايبية إلى أن الإنتاج المحلي من القمح محتشم ولا يمكن أن يغطي حاجيات البلاد السنوية، مؤكدا أن تونس تستورد 90 في المئة من حاجياتها من القمح اللين وقرابة 50 في المئة من حاجياتها من القمح الصلب من السوق الخارجية.

وبيّن رجايبية أن العملية العسكرية، ستكون لها تداعيات كبيرة خاصة على مستوى الأسعار والأعمال المينائية، قائلا إن البلدان المغاربية وخاصة تونس والمغرب والجزائر ومصر وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ستتحمل تكلفة باهظة للتضخم في الأسعار.
خلل في التوازنات المالية
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، أكد الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، أن العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط التي تجاوزت 100 دولار للبرميل الواحد.
وأشار إلى أن ذلك سينعكس مباشرة وبشكل سلبي على المالية العمومية التونسية، خاصة وأن الدولة اعتمدت على فرضية 75 دولارا سعر البرميل الواحد في إعداد موازنتها للعام 2022، مضيفا أن كل ارتفاع بدولار واحد في سعر برميل النفط يكبد تونس تكلفة مالية بـ 129 مليار في موازنة الدولة، ما يعني أن التكلفة الاجمالية الإضافية ستفوق 3 آلاف مليار.
مسؤول مصري: العقوبات على روسيا ستعطل واردات القمح وأوكرانيا لن تكون قادرة على التصدير
ولفت الشكندالي إلى أن هذه الوضعية تترافق مع عدم توصل تونس إلى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي حول إصلاحات اقتصادية، وهو ما سيجبر الحكومة التونسية على التسريع في تشغيل الآلية التعديلية للأسعار الداخلية للمحروقات، وترفيعها كل شهر عوضا عن 3 أشهر.
وشدد الشكندالي أن هذا الأمر سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعارا كل المواد التي تستخدم المحروقات كمادة أولية.
وأضاف: "الانعكاس الثاني يتعلق بالمواد الأساسية وخاصة الحبوب، على اعتبار أن هذه العملية العسكرية، ستولّد ضغطا على مستوى الطلب واضطراب على مستوى التزود بهذه المادة، وهو ما سيؤدي إلى فقدان المواد التي تستعمل الحبوب كمادة أولية، مثل الدقيق والعجين، فضلا عن ارتفاع أسعارها".
ولفت الشكندالي إلى أن تونس تستورد الحبوب من الشمال وتدعمها، وبالتالي فإن تكلفة الدعم سترتفع بصورة كبيرة على مستوى ميزانية الدولة، وهو ما سيؤدي إلى الترفيع في أسعار المواد الأساسية.
وانتقد الشكندالي عدم استعداد السلطات التونسية لهذه الأزمة، قائلا: "عندما نستمع إلى تصريحات وزيرة المالية عندما سئلت عن فرضية عدم توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي فأجابت بالقول لكل حادث حديث، فهذا يبين أن الحكومة التونسية ليس لديها استشراف أو رؤية واضحة تمكن من إعداد سيناريوهات ممكنة لتغير الأسعار العالمية للنفط وللمواد الأساسية".
مناقشة