كيف تسرع أحلام الغرب التوسعية بانفصال الصين عنه وتخلق صراعا جديدا في الشرق؟

على مدى أسابيع، شعر الغرب بالإحباط من المسؤولين والمحللين الصينيين الذين أيدوا مواقف روسيا وأكدوا مشروعية مخاوفها بأن توسع حلف "الناتو" في أوروبا كان سبب تعقد الأزمة الأوكرانية.
Sputnik
لكن بكين تشير الآن إلى مخاوف جديدة تدفعها للتمسك بموقفها الداعم لروسيا، وهو حلف شبه الناتو في منطقتي "المحيطين الهندي والهادئ"، والذي قد يجبر الصين في النهاية على الانفصال عن الغرب وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء من الغذاء إلى أشباه الموصلات، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

مخاوف الصين

منذ أن رفض الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن التزحزح عن تقييماتهما المتعارضة للأزمة الأوكرانية خلال مكالمة هاتفية استمرت ساعتين في 18 مارس/ آذار، شن الدبلوماسيون الصينيون هجوما كلاميا، بحجة أن التحالفات التي تقودها واشنطن تشكل تهديدا كبيرا لبكين كما هو الأمر بالنسبة لروسيا.
وركزت معظم تعليقاتهم على استراتيجية "المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة" التي ورثها بايدن عن دونالد ترامب، والتي تسعى إلى ربط الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند في "جبهة موحدة ضد الصين".
الصين ترد على ادعاءات تحريك جيشها وتعهدها بحماية أوكرانيا من ضربة نووية
فيما قال نائب وزير الخارجية لو يوتشنغ بعد يوم من المكالمة الرئاسية: "الناتو واصل تعزيزه قدراته وتوسعه، وتدخل عسكريا في دول مثل يوغوسلافيا والعراق وسوريا وأفغانستان".
وأضاف: "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ لا تقل خطورة عن استراتيجية الناتو للتوسع شرقا في أوروبا، وإذا سُمح لها بالمرور دون رادع، فسيؤدي ذلك إلى عواقب لا يمكن تصورها ويدفع في نهاية المطاف (منطقة) آسيا والمحيط الهادئ إلى حافة الهاوية".

مواجهة مبكرة

في محاولة لمواجهة "الهدف الحقيقي" لبايدن المتمثل في إنشاء "نسخة المحيطين الهندي والهادئ من حلف الناتو"، التقى وزير الخارجية وانغ يي، بنظيره الهندي في نيودلهي يوم الجمعة.
ويوم الثلاثاء خاطب وانغ منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد، حيث تحدث عن 400 مليار دولار تنفقها الصين في المشاريع التي تقودها في 54 دولة إسلامية.
الصين والهند وباكستان، التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة 3 مليارات نسمة، امتنعت جميعها عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
من جانبها قالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي "ناتيكسيس"، إن الأزمة الأوكرانية جعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقرب إلى بعضهما البعض.
أمريكا تحذر الصين من عواقب دعم روسيا وتبرر تقديم السلاح لأوكرانيا بأنه "دفاعي"
وبالتالي سعت الصين إلى استكمال شراكتها الروسية بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية أقوى مع الدول الكبيرة في جميع أنحاء العالم النامي، والدول الغنية بالموارد في الشرق الأوسط، بحسب هيريرو.
وأضافت: "بينما تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دفع الصين إلى الزاوية، اتخذت بكين تلك الزاوية ووسعتها وتقوم ببناء مجال النفوذ هذا مما يجعل اعتمادها على الذات أكثر مصداقية".
من جهته قال ني ليكسيونج، المحلل العسكري المستقل في شنغهاي، إن الصين بحاجة إلى تبني منظور طويل الأجل عند إجراء تقييمات حول الوضع في أوكرانيا وعلاقتها مع روسيا.
وأضاف ني: "إذا لم نتعامل مع الأزمة الأوكرانية بالشكل الصحيح، فبعد 30 عاما من الآن سوف يعامل الغرب الصين بنفس الطريقة التي يعامل بها روسيا".

الصين تحتاج روسيا

يشعر المسؤولون الصينيون بالقلق بشكل متزايد من أن مثل هذه المعاملة يمكن أن تشمل عقوبات واسعة النطاق مماثلة لتلك التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا. ويروا أن الصين في هذه الحالة ستحتاج إلى دعم روسيا بقدر ما تحتاج روسيا الآن إلى دعم الصين.
قال هو شيجين، المحرر السابق لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، إن شراكة شي "بلا حدود" مع بوتين ستخدم الصين بشكل جيد في أي "مواجهة استراتيجية" مع الولايات المتحدة بشأن تايوان أو نقطة اشتعال مماثلة.
وكتب في عمود: "مع روسيا كشريك، إذا نفذت الولايات المتحدة أقصى قدر من الإكراه الاستراتيجي ضد الصين، فلن تخاف الصين من حصار الولايات المتحدة للطاقة، وسيكون إمداداتنا الغذائية آمنة، وكذلك [إمداداتنا] من المواد الخام الأخرى".
وأردف: "يجب أن نعزز قوتنا باستمرار لجعل الولايات المتحدة تشعر أن خوض صراع مع الصين أمر لا يطاق أكثر فأكثر. روسيا هي الشريك الأكثر أهمية للصين لتحقيق هذا الهدف".
منظمة التجارة العالمية تحذر من تفاقم أزمة الغذاء بسبب قيود التصدير
ألغت الصين قيود الصحة النباتية على صادرات القمح الروسي في 24 فبراير/ شباط، وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه القوات الروسية عمليتها الخاصة في أوكرانيا.
ويمكنها الآن أن تهنئ نفسها على مقاومة مطالب الولايات المتحدة بإصلاح قطاع الزراعة الذي تقوده الدولة، خلال الحرب التجارية بين البلدين في عام 2018، بحسب تقرير "فايننشال تايمز".
وقال دارين فريدريكس من "سيتونيا كونسلتينج"، وهي شركة استشارية زراعية في شنغهاي: "ربما تشعر بكين أن نهجها صحيح للغاية. لقد احتفظوا بمستوى عال من سيطرة الدولة (على القطاع) وأيضا من المخزونات".
وأضاف: "والآن، بينما تتدافع الكثير من الدول الأخرى للحصول على الإمدادات، فإنها معزولة نسبيا. كانت تلك السياسات ناجحة جدا وكانت تستهدف وقتا كهذا".
مناقشة