عمل درامي يتناول قضية الزواج العرفي يثير جدلا واسعا في تونس

أثار عمل درامي تونسي بعنوان "براءة" الذي تبثه قناة "الحوار التونسي" جدلا واسعا في الأوساط التونسية على خلفية تناوله موضوع الزواج العرفي بشكل وُصف بأنه يشجّع على هذه الممارسة المرفوضة في تونس قانونيا ومجتمعيا.
Sputnik
يتناول المسلسل قضية رجل ستيني ثري استغل فقر العاملة المنزلية التي لا يتجاوز عمرها 18 سنة للزواج بها عرفيا أي خارج الأطر القانونية رغم كونه متزوجا، متعللا بأن الدين يشرّع له الزواج بأربعة نساء.
وزير تونسي سابق يكشف سبب الأزمة المالية في بلاده
وتفرض التشريعات التونسية عقوبات على المخالفين للصيغ القانونية للزواج، حيث تنص مجلة الأحوال الشخصية على منع تعدد الزوجات، "فكل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك".
وتونس هي أول دولة عربية تبطل تعدد الزوجات بقانون أساسي صدر سنة 1957، وهي لا تزال إلى اليوم إحدى الدول الإسلامية القلائل التي تمنع الزواج بثانية أو الزواج خلافا للصيغ القانونية.
خلّف طرح قضية الزواج العرفي في الدراما الرمضانية زوبعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من اعتبره تطبيعا مع هذه الممارسة وتهيئة للناس للقبول بها، وبين من يرى فيه انعكاسا للواقع وإثارة لظاهرة مسكوت عنها.
ودوّن منير الشرفي، وهو رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة "عن أي ظواهر من مجتمعنا يتحدّثون؟ كم تعرفون من تونسي عقد مع خادمته زواج عرف وبقيت تسكن مع زوجته في نفس البيت؟ كم تعرفون من امرأة تونسية ذليلة وقابلة لهذا الحد من الإهانة حتى ترضى بأن تتقاسم زوجها مع امرأة أخرى.. هذا المسلسل لا يُعالج ظواهر في مجتمعنا، وإنما يندرج ضمن برنامج جهنّمي ليبثّ رسائل سامّة وظلامية وليخلق ظواهر غريبة عن مجتمعنا، بتواطؤ مع الهايكا".
تطبيع مع الزواج العرفي
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، اعتبرت المكلفة بملف المرأة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سامية سلامة، أن المسلسل يطبّع مع الزواج العرفي ويروّج له.
ولفتت إلى أن طريقة تناول هذه القضية تتضمن سعيا إلى تهيئة الفكر التونسي لتقبل الزواج العرفي وتعدد الزوجات تدريجيا، من خلال التحجج بالدين وتأويل الآيات القرآنية وإيجاد تبريرات لها ومنها اشتراط قبول الزوجة بالزواج العرفي.
واعتبرت سلامة أن هذا الطرح الدرامي يسهم في إفساد عقلية المجتمع التونسي وزعزعة مكتسبات النساء التونسيات التي ناضلن من أجلها طويلا، مشيرة إلى أن المسألة ليست عفوية وإنما هي ممنهجة حتى ينظر للمسألة على كونها عادية.
وترى الحقوقية أنه رغم وجود حالات للزواج العرفي فإنها تبقى معزولة ولا ترقى لأن تكون ظاهرة مجتمعية، مشيرة إلى أن هذا النوع من الزواج دخيل على عقلية المجتمعات التونسية التي ترعرعت على الزواج الأحادي وعلى التنظيم العائلي وعلى دولة القانون وعلى احترام المرأة واعتبارها شريكة.
وزير تونسي سابق يكشف سبب الأزمة المالية في بلاده
وأضافت "قبل سنة 2010 كان من النادر أن نسمع بالزواج العرفي، ولكن منذ صعود التيار الإسلامي و"حركة النهضة" إلى الحكم صرنا نجد هذه الممارسات الخارجة عن القانون في صفوف الطلبة تحت غطاء الدين والشرع، ولكنها حالات شاذة وزائلة".
حق درامي... ولكن
وتعتقد رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، في حديثها لـ "سبوتنيك"، أنه لا يمكن الحكم على عمل درامي دون انتظار النهاية التي يمكن من خلالها تبيّن المعالجة الدرامية لظاهرة الزواج العرفي.
وتابعت "من حق الدراما أن تتناول مختلف المواضيع المجتمعية ولكن بطريقة لا تفضي إلى التشجيع على الممارسات السلبية الخارجة عن القانون والتي تضر بالمرأة وبالمجتمع".
وأكدت الزغلامي أنه لا يمكن نفي وجود الزواج العرفي في تونس الذي ساهم المد السلفي في دخوله إلى عقلية المجتمع سنة 2013، مشيرة إلى وجود 1700 قضية زواج عرفي في المحاكم في السنوات الأخيرة.
بدورها، شددت المناضلة النسوية والحقوقية، نجوى بكار، في تعليق لـ "سبوتنيك"، على أن الزواج العرفي وغيره من القضايا المجتمعية التي يمكن أن يمر بها المجتمع قابلة للطرح والنقاش في مختلف الوسائط.
وتابعت "لكن مسألة الزواج العرفي في تونس تم حسمها قانونيا منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 التي ألغت تعدد الزوجات"، مشيرة إلى أن الإرث الثقافي التونسي يدعو إلى إلغاء هذه الممارسات منذ ثلاثينات القرن الماضي.
وأضافت "كان من الأجدى أن يتم تناول هذه المسألة بطريقة نقدية مختلفة من خلال تبيان تبعاتها السلبية على المجتمع وليس أن تطرح من زاوية دينية فقط.. وما حسم بالقانون والسنوات لا يمكن التراجع عنه".
شرعنة للعلاقات الجنسية غير المقننة
وفي غضون الخمس سنوات المنقضية، سجلت المحاكم التونسية أكثر من 1700 قضية زواج خارج الصيغ القانونية، بمعدل يتراوح بين 280 و380 حالة في السنة.
وسنة 2019، أقرّ وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك محمد الطرابلسي بوجود 1200 حالة زواج عرفي في تونس، منها 900 حالة في صفوف الطلبة. غير أن التوقعات تشير إلى أن العدد أكثر من ذلك على اعتبار أن المتزوجين عرفيا يحيطون زواجهم بالسرية المطلقة خوفا من التتبعات القانونية أو من الوصم الاجتماعي.
وزارة الثقافة العراقية تعلق على الجدل المثار بشأن الأعمال الدرامية الرمضانية
ويرى الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن الزواج العرفي ظاهرة سبقت الثورة، قائلا "لم يكن الإعلام يتحدث عن هذه المسألة قبل الثورة لأنه كان خاضعا لهيمنة النظام الذي يرى في هذه المواضيع مساسا بالصورة التي يريد أن يبثها للعالم".
وأضاف عز الدين في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن دمقرطة المعلومة بعد الثورة ودخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط ساعدت على خروج هذه الظواهر إلى العلن وأصبح من المسموح الحديث عنها.
ولفت إلى أن المجتمع التونسي شهد بعد الثورة انفلاتا على مستوى السلوك والتصورات فأصبح هناك استسهال واسع النطاق للعلاقات الجنسية غير المقننة، مضيفا "المتزوجون عرفيا يبحثون عن غطاء شرعي لهذا النوع من العلاقات الذي انتشر بشكل واسع في المجتمع التونسي، حيث أن 56 بالمائة من الشباب لديه علاقات جنسية غير مؤطرة وغير محمية".
ولفت إلى أن هذا النوع من الظواهر يتحول من ظاهرة اجتماعية موجودة في المجتمع إلى ظاهرة إعلامية كلما وقع الحديث عنها في الإعلام أو في الأعمال التلفزيونية أو عند حدوث جريمة.
مناقشة