تعديل قانون هيئة الانتخابات في تونس... خطوة للإصلاح أم ضرب لاستقلاليتها؟

احتدم الجدل في الأوساط التونسية بشأن المرسوم الذي أصدره الرئيس قيس سعيد أخيرا، وعدّل بمقتضاه القانون الأساسي لهيئة الانتخابات قبل 3 أشهر على الاستفتاء الشعبي.
Sputnik
وقوبلت هذه الخطوة برفض واسع من غالبية المكونات السياسية والحقوقية التي رأت فيها خرقا للدستور وضربا لاستقلالية الهيئة ومحاولة لوضع اليد على العملية الانتخابية وتزييف إرادة الشعب التونسي.
بينما رأت فيها أطراف سياسية أخرى خطوة نحو الإصلاح والتأسيس لمناخ انتخابي شفاف، معتبرة أن الهيئة الحالية للانتخابات ليست مستقلة ونزيهة وتشكلت على قاعدة المحاصصة الحزبية.
وينص المرسوم الرئاسي الجديد على تقليص تركيبة الهيئة من 9 إلى 7 أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي ويقع اختيار ثلاثة منهم من قبل رئيس الجمهورية، مقابل عضو واحد لكل من مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والمركز الوطني للإعلامية.
حزب العمال التونسي يعترض على تعديل قانون هيئة الانتخابات ويعتبره "تزويرا للإرادة الشعبية"
وتقدم الترشيحات من قبل الهياكل المعنية إلى رئيس الجمهورية الذي سيتولى أيضا بمقتضى هذا المرسوم تعيين رئيس الهيئة من بين الأعضاء الثلاث للهيئات العليا المستقلة للانتخابات السابقة.
كما ينص المرسوم على أنه "لا يمكن تتبع أو إيقاف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو أحد أعضاء مجلسها من أجل أفعال تتعلق بأعمالهم أو بممارستهم لمهامهم، ولا ترفع الحصانة من قبل مجلس الهيئة إلا بأغلبية الأعضاء ويكون ذلك بطلب من رئيس الهيئة أو من العضو المعني أو من أغلبية أعضاء مجلسها أو من الجهات القضائية المختصة".

من هيئة مستقلة إلى هيئة معينة

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي إن رئيس الجمهورية أدخل بهذا المرسوم تحويرا جذريا على مسار الهيئة وحوّلها من هيئة مستقلة تنتخب من أكبر طيف سياسي واجتماعي إلى هيئة معيَّنة من قبل شخص واحد.
ولفت إلى أن تعويض الانتخاب بالتعيين سيطرح العديد من الإشكاليات في علاقة بالاستقلالية وحتى بالتشكيك في نزاهة الانتخابات القادمة، قائلا: "أثبتت التجربة أن ولاء الشخص المعيّن يكون للجهة التي عيّنته".
وأضاف البرينصي: "هذا المرسوم هو انتكاسة في المسار الديمقراطي سيعود بنا إلى سنوات ما قبل 2011 حينما كان الحكام بأمر يقرر نتائج الانتخابات مسبقا، وهذه التعديلات ستؤثر على نسب المشاركة وعلى الثقة في العملية الانتخابية".
وقال البرينصي إن اتهام رئيس الجمهورية للهيئة الحالية بعدم الاستقلالية مردود عليه، مشيرا إلى أن الانتخابات التي نظمتها الهيئة طيلة العشرية الماضية اتسمت بدرجة عالية من الحرفية والنزاهة باعتراف دولي، بما فيها انتخابات 2019 التي صعد من خلالها الرئيس قيس سعيد إلى الحكم.
وتابع: "لم يُصدر القضاء حكما واحدا يثبت إدانة الهيئة الحالية، والاتهامات الموجهة لها بعد الحياد لم تخرج من دائرة شعب الفيسبوك الذي تقف خلفه أجندات خاصة".
الأمم المتحدة تحذر من ابتعاد تونس عن المسار الديمقراطي
ويرى البرينصي أن إصلاح هيئة الانتخابات لا يجب أن يشمل الجانب القانوني ولا يمكن أن يكون في خارج فترة السبات الانتخابي، مضيفا: "لا يمكن تغيير قوانين اللعبة أثناء اللعبة، فحسب المعايير الدولية لا يسمح بتعديل القانون الانتخابي في سنة الانتخابات كما لا يمكن تغيير هيئة دستورية بمرسوم، لأن الدستور يعلو على المراسيم التي ليس لها سند قانوني، وبالتالي هذه التعديلات مخالفة للقانون".

عودة إلى العصر البائد

بدوره، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن رئيس الجمهورية بالمرسوم الأخير "اغتال الديمقراطية" التونسية.
وقال: "بعد أن جمّد ثم حل البرلمان وألغى هيئة مراقبة دستورية القوانين وجمّد هيئة مكافحة الفساد وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ها هو اليوم يخطو الخطوة الأخيرة في إرساء دكتاتورية جديدة تقوم على العودة من الباب الكبير إلى عصر الانتخابات الصورية وتزوير إرادة الناخبين بمنح نفسه حق تعيين أعضاء الهيئة".
وأضاف: "الأدهى أن أعضاء الهيئة المعيّنون لا يمكنهم حتى انتخاب رئيسهم الذي سيختاره رئيس الجمهورية، ومن مفارقات الدهر أن قيس سعيد الذي أقام حملته على رفض الحصانة وربطها بالإفلات من العقاب ورفض الامتيازات وتقديمها كعنوان للفساد، يمنح اليوم الحصانة المطلقة لأعضاء هيئة الانتخابات ويمنع مؤاخذتهم على الأعمال التي يقومون بها، بل ويقدّم لهم امتيازات وزراء".
وقال الشابي إن رئيس الجمهورية منح لنفسه بهذا المرسوم سلطة تعيين أعضاء هيئة مستقلة حتى تكون طائعة لتنفيذ أجندته الانتخابية، مشيرا إلى أن الرئيس "يخشى" من التقدم للانتخابات لأنه يعلم أنه لن يكون بوسعه نيل ثقة التونسيين مرة أخرى نتيجة فشله الذريع وعدم امتلاكه أي خبرة في إدارة الدولة أو بناء تصورات لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
واعتبر الشابي أن هذا المرسوم "كشف القناع عن مسار 25 يوليو/ تموز وعلى مخطط قيس سعيد، داعيا التونسيين إلى التوحد في أوسع جبهة سياسية "للدفاع عن الديمقراطية ومقاومة مقاومة الانقلاب ووضع حد للمخاطر التي تتهدد البلاد سياسيا واقتصاديا".

خطوة نحو الإصلاح

على الطرف المقابل، اعتبر رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المرسوم الرئاسي المنقح للقانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات خطوة نحو الإصلاح.
وقال الناصري إن حزبه كان أول من طالب رئيس الجمهورية بتنقيح القانون المنظم لهيئة الانتخابات وتغيير التركيبة المشرفة عليها وعلى رأسها رئيس الهيئة نبيل بفون.
قيادي بالتيار الديمقراطي التونسي: قيس سعيد ساهم في ترذيل المشهد السياسي
وأضاف: "الشرط الأساسي لنجاح عمل الهيئة هو أن تكون مستقلة وأن تكون على حياد من جميع الأطراف المشاركة في العمل السياسي، وهو ما لا تتوفر عليه الهيئة الحالية التي اتضح أن لرئيسها وعدد من أعضاءها ميولات سياسية تتقارب حتى مع حركة النهضة ومع أحزاب مرجعيتها الإسلام السياسي وأخرى كانت تهيمن على المشهد السياسي".
وتابع: "كيف يمكن القول إن هذه الهيئة مستقلة ومحايدة بينما ساهم رئيسها نبيل بفون وأحد أعضائها عادل البرينصي في إمضاءات على بيانات تعود إلى مبادرة مواطنون ضد الانقلاب لضرب مسار 25 يوليو؛ هؤلاء ليسوا بمستقلين ولا محايدين".
ويستبعد الناصري رغبة رئيس الجمهورية في السيطرة على هيئة الانتخابات خاصة وأنه لا يحظى بحزب سياسي يتقدم به إلى الانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أن الأطراف السياسية التي تدافع اليوم بشراسة عن الهيئة الحالية وتساند بقاءها كانت من أعلى الأصوات التي طالبت سابقا بتغيير تركيبتها واتهمتها بعدم الاستقلالية.
وقال الناصري إنه لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة وشفافة دون أن يتم تغيير تركيبة هيئة الانتخابات، داعيا رئيس الجمهورية إلى المرور إلى تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات قبل المرور إلى الانتخابات البرلمانية من أجل تنقية المناخ الانتخابي والتأسيس لمشهد سياسي جديد يقطع مع الماضي.
مناقشة