من بينها السعودية ومصر.. لماذا توسع مجموعة "البريكس" قواعدها وما فوائد انضمام الدول العربية للتكتل؟

منذ العام 2009، وتحديدًا منذ تدشين مجموعة البريكس (تضم حاليًا دول الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا)، تسعى الصين إلى تطوير نموذج اقتصادي جديد ينهي هيمنة القطب الواحد، ويفتح الباب أمام استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب.
Sputnik
وفي خضم التحولات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، تحاول بكين توسيع قاعدة هذا التكتل الاقتصادي، عبر توجيه الدعوة إلى عدة دول من بينها السعودية ومصر والإمارات للانضمام إلى مجموعة البريكس، وشغر مكانة مميزة بداخله.
الخطوة الصينية أثارت الكثير من التساؤلات حول ماهية مجموعة البريكس، وأهميتها في الوقت الراهن، والأسباب التي دفعتها لتوجيه هذه الدعوة لهذه البلدان، لا سيما مصر والسعودية، وعن فوائد هذا الانضمام سواء للتكتل أو للدول أنفسها؟.
ما هو تكتل بريكس؟
بريكس هو مختصر للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة المكونة للمنظمة وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وعقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ، روسيا في يونيو/حزيران 2009، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، ويعد التكتل صاحب أسرع نمو اقتصادي في العالم، حيث تسهم دول "بريكس" بنحو 22% من إجمالي الناتج العالمي، وتحتل قرابة 26% من مساحة الأراضي في العالم.
دول "البريكس" تبني نظاما ماليا جديدا
ما الهدف من ضم دول جديدة للمجموعة؟
اقترحت الصين بدء عملية توسيع مجموعة "بريكس"، حيث انضم إلى مشاورات "بريكس بلس" ممثلون عن الأرجنتين ومصر وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسنغال وتايلاند، وهي الدول التي تعتبر أعضاء محتملين في "بريكس".
والأسبوع الماضي، ترأس عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي جلسة حوار عبر تقنية الفيديو بين وزراء خارجية دول بريكس واقتصادات السوق الناشئة والدول النامية، ولفت وانغ إلى أن الحوار له أهمية كبيرة في تعزيز التعاون بين دول بريكس واقتصادات السوق الناشئة والدول النامية الأخرى، وفقا لوكالة "شنخوا".
وأكد وانغ أهمية التمسك بالتعددية الحقيقية وأساسها هو التمسك بالمشاورات المكثفة والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة وتدعيم الانفتاح والشمول ومعارضة الانغلاق والإقصاء، ودعا إلى التمسك بقوة بالنظام الدولي وفي القلب منه الأمم المتحدة، ومعارضة تشكيل "تكتلات صغيرة" وإجبار البلدان الأخرى على اختيار طرف معين، مضيفا أن الصين تعتزم زيادة الاستثمار في التعاون في مجال التنمية والعمل مع الدول الأخرى للمضي قدما في تطبيق مبادرة التنمية العالمية وجعل إنجازات التنمية تعود بالنفع على عدد أكبر من الدول النامية.
الخارجية الروسية: دول البريكس ستكون في قلب النظام العالمي الجديد
ما أهمية ضم السعودية؟
اعتبر ماجد بن أحمد الصويغ، المستشار المالي والمصرفي الاقتصادي السعودي، أن دعوة الصين للمملكة العربية السعودية للانضمام إلى تكتل "بريكس"، يؤكد على أن المملكة تسير بخطى واثقة وعالمية نحو رؤية 2030، في جميع المجالات والقطاعات، وتسجيل تقدم ملحوظ في الجوانب الاقتصادية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذا النظام يهدف إلى إنهاء الحالة المركزية وتغيير نمط الحوكمة الاقتصادية وضعفها التي تشكلت في السنوات الماضية في الاقتصاد العالمي، والتي باتت واضحة للعيان منذ عام 2009، وجاءت الدعوة نظرًا لدور المملكة الفعال وتطبيق الحوكمة على الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة والنتائج التي أظهرتها هذه الشركات من أرباح ونمو وفكر إداري مبني على استراتيجيات وخطط واضحة يضمن لها الاستدامة، ليعود بالنفع على الناتج المحلي، ويعكس صورة الاقتصاد الحقيقي للسعودية.
ويرى الصويغ أن انضمام المملكة لهذا التكتل من شأنه أن يساعد على تحويله إلى نظام اقتصادي قوي بمفهوم ومعايير حديثة تواكب تحديات الاقتصاد العالمي، حيث أن المملكة بقوتها العالمية والاقتصادية وموقعها الجغرافي بين القارات الثلاث يدعمها لوجستيًا من أجل تفعيل هذا الحراك الاقتصادي، مؤكدًا أنه سيعود بالفائدة على المشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وكذلك يخدم قطاع المشاريع الكبرى، خاصة مع تحديث وتسريع الأنظمة والإجراءات الحكومية عن طريق الرقمنة، والاستفادة من التطور التقني والإلكتروني على مستوى المملكة كافة.
وتابع: "هذا الانضمام في حال تم، سيكون له وزنه وثقله خاصة وأن المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وهذا يدعم أي حراك اقتصادي لها، من أجل خوض التحديات والمنافسة في أي مجال، ما يجعلها محط أنظار العالم للتعاون والشراكة، فالمملكة باتت لاعبًا أساسيًا في أي حراك قادم لتغيير الخارطة التجارية والاقتصادية في العالم".
تقرير: الولايات المتحدة بدأت في التدمير الذاتي لهيمنة الدولار
ما الفوائد التي ستعود على السعودية من هذا الانضمام؟
اعتبر الدكتور فواز كاسب العنزي، المحلل السعودي، أن نظام بريكس يعتبر من أنظمة التحالف الدولي الاقتصادية، وهو قائم على الدول ذات الاقتصاد الكبير، والدخل القومي المرتفع على المستوى العالمي، وجاء إنشاء هذا النظام لموازنة أحادية القطب على المستوى العالمي للولايات المتحدة الأمريكية وتوسعها.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذا التكتل أعطى للدول الأعضاء نوعا من التوازن ونوعًا من التبادل التجاري السريع، لإنعاش اقتصادياتها، وخلال السنوات الماضية أثبت هذا النظام قوته على المستوى العالمي ودفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى المزيد من التحديات والتحالفات الاقتصادية مع أوروبا.
ويرى أن دعوة الصين أحد الدول المؤسسة للنظام للمملكة العربية السعودية، تأتي في ظل الأهمية الاقتصادية والجغرافية والسياسية للمملكة، فدخول الرياض في هذا التحالف من شأنه أن يقطع شوطًا كبيرًا في عملية التخطيط اللوجيستي والتأمين لمنتجات تلك الدول وتوزيعها على مستوى العالم، لا سيما في ظل التطور اللافت الذي أدخلته المملكة في قطاع الصناعة والنقل وإضافة الكثير من الموانئ، وتقدمها على مستوى مؤشر نظام الملاحة البحرية.
وأوضح أن هذا النظام الاقتصادي هو نوع من التنوع الاستراتيجي لتغيير البوصلة الغربية الأوروبية بقيادة أمريكا إلى تكتل الشرق وفي مقدمته روسيا والصين والهند، وهو ما ينعكس إيجابًا على اقتصاد المملكة، التي تبحث دائمًا عن توسيع دائرة الشراكة وتوسيع المصالح المشتركة مع دول متقدمة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل.
وأكد أن مشاركة السعودية في هذا النظام العالمي هو نوع من التخطيط الاستراتيجي لخطوة الاعتماد على أحادية الشريك الاستراتيجي في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة بقوة، لا سيما بعد الأحداث في أوكرانيا.
سفير روسيا لدى البرازيل: صيغة "البريكس" ستعمل بطرق مغايرة في ظل الظروف الجديدة
ماذا عن مصر؟
يقول النائب أحمد سمير، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ المصري، إن تحالف البريكس اتحاد لقوى ناشئة صاعدة بقوة يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهي القوة الخاصة بالأسواق الناشئة التي تحققق أعلى معدلات نمو حيث تمثل هذه الدول 40% من سكان العالم، وأسواقها ذات أوضاع قوية جدا على معدلات النمو العالمية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذه الدول عقدت اتفاقات فيما بينها داخل التكتل، تتعلق بالإنجازات الداخلية، وتكوين احتياطيات لمعالجة مشكلة السيولة، ووضع خاص في بنك تنمية جديد، وبعض الأفكار لكيفية مواجهة الأزمات التي تحدث من خلال هذه الاقتصاديات التي تعتبر الأكثر والأسرع نموا في العالم.
ويرى سمير أن فكرة انضمام مصر للتحالف جيدة للغاية، وتدل على أن مصر من ضمن الاقتصاديات المرشحة لتحقيق معدلات نمو بشكل كبير، وهي شهادة لرؤية الصين واتحاد البريكس كمؤسسة للدولة المصرية واقتصادها في هذه المرحلة.
وأوضح أن هناك بعدًا سياسًا من هذا التحالف، يتعلق بفكرة تكوين نموذج اقتصادي جديد، متعدد الأقطاب، بعيدًا عن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون بداخلها بعض النواحي السياسية لا سيما في ظل وجود روسيا والصين، في محاولة تكوين استراتيجية اقتصادية جديدة تتعدد فيها الأقطاب بدلا من القطب الواحد.
وزير المالية المصري: انضمام مصر لبنك التنمية الجديد شهادة ثقة من دول "بريكس"
ما الذي سيستفيده التكتل من انضمام مصر ودول الخليج؟
يرى الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن العالم يعيش الآن مرحلة التكتلات بين الدول التي تجمعها المصالح المشتركة والقوية والمؤثرة في محيطها الإقليمي، والولايات المتحدة الأمريكية شريكة في العديد من التكتلات مع دول بعيدة عن جغرافيتها مثل إنجلترا وأستراليا، وكذلك الهند، وهو الأمر الذي دفع الصين للتفكير في خلق تكتلات اقتصادية وسياسية وازنة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الصين تعلم جيدًا أن ضم مصر والسعودية ودول الخليج لهذا التكتل يضيف له قوة كبيرة، من حيث قوة التأثير في أسواق النفط والغاز العالمية، وقوة الموقع الاستراتيجي، في المقابل يسمح التكتل لهذه الدول بالاستفادة اقتصاديًا واستثماريًا، ويصبح قوة مساندة للدول الأعضاء على النطاق الدولي والإقليمي.
وأوضح غباشي أن التكتل يعلم قوة هذه الدول، فمصر دولة اتزان في المنطقة، دولة لها صوت مهم في آليات الحرب والسلم الموجودة، وقطب من أقطاب الشرق الأوسط وتملك جيشًا قويًا، وتعد ساحة جيدة لتسويق المنتجات (100 مليون نسمة)، كما أنها منطقة جاذبة للاستثمار، وسوق واعدة، أما المملكة العربية السعودية تمثل ثلث دول الأوبك، وأكبر الدول المؤثرة في أسعار النفط العالمية، والصين تعد من أكبر مستوردي العالم للنفط والغاز.
وأكد أن هذا التكتل من الممكن أن يقدم خدمات وفرصا استثمارية كبيرة لمصر، إلا أنه من المفروض دراسة الأهداف من وراء محاولة الانضمام للنظام، في ظل التوازنات التي تصنع على المستوى الدولي والإقليمي.
مناقشة