بسبب عزل 57 قاضيا... شلل في محاكم تونس والقضاة يهددون بالتصعيد

تتواصل حالة الشلل في المحاكم التونسية لليوم الثالث على التوالي على خلفية الإضراب الذي يشنه القضاة احتجاجا على القرار الرئاسي الأخير القاضي بإعفاء 57 قاضيا وقاضية بتهمة "الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين بقضايا الإرهاب".
Sputnik
ومنذ يوم الاثنين الماضي، توقفت حركة المحاكم في تونس تنفيذا لقرار المجلس الوطني للقضاة الذي أقر نهاية الأسبوع المنقضي تنفيذ إضراب بأسبوع قابل للتمديد في جميع محاكم الجمهورية بمختلف فروعها من قضاء عدلي وإداري ومالي.
رئيس جمعية القضاة التونسيين يرد على سعيد ويؤكد استمرار الإضراب لحين التراجع عن قرار عزل القضاة
ويرفع القضاة المضربون مطلب التراجع عن إعفاء القضاة الـ 57 من مناصبهم، ورفع اليد عن السلطة القضائية والحفاظ على استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، متهمين الرئيس قيس سعيّد بمحاولة إخضاع القضاء.
وفي خطوة تصعيدية، توجه اليوم قضاة ومحامون إلى محيط قصر العدالة في العاصمة تنديدا بعدم تفاعل رئيس الجمهورية مع مطالبهم واحتجاجا على ما وصفوه بـ "هتك أعراض القضاة"، على خلفية نشر محضر قاضية (من المعزولين) متهمة بقضية زنا.

إضراب ناجح 100%

وصرّح عضو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين رضا بونينة لـ "سبوتنيك"، بأن نسبة نجاح الإضراب ناهزت الـ 100 في المئة، مشيرا إلى أن القضاة سيستمرون في الدفاع عن حق زملائهم في المحاكمة العادلة.
وأضاف: "القضاة التونسيون ينتفضون في جميع المحاكم ويقولون لرئيس الجمهورية كفا ظلما كفا قهرا ويتمسكون باستقلاليتهم وبالتطبيق السليم للنصوص القانونية".
وأوضح بونينة أن "القضاة يخوضون محطة نضالية أخرى من أجل التأسيس لاستقلالية السلطة القضائية ومن أجل الانتصار للقضية العادلة المتمثلة في إعفاء 57 قاضيا وقاضية دون تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم ومن حقهم في الولوج في القضاء وفي الطعن أمام القضاء الإداري".
1 / 2
بسبب عزل 57 قاضيا... شلل في محاكم تونس والقضاة يهددون بالتصعيد
2 / 2
بسبب عزل 57 قاضيا... شلل في محاكم تونس والقضاة يهددون بالتصعيد
ولفت بونينة إلى أن القضاة المعزولين حرموا حتى من حقهم في الدفاع عن مصالحهم أمام التفقدية العامة للشؤون القضائية أو حتى سماعهم، معتبرا أن "المظلمة" المسلطة على زملائه خلفت إحساسا بالقهر والضيم لدى القضاة.
وأشار إلى أن المجلس الأعلى للقضاء هو السلطة الوحيدة المخولة بعزل القضاة وبمتابعة المسار التأديبي، معتبرا أن رئيس الجمهورية استولى على هذه الصلاحية الخطيرة في تجاوز واضح للسلطة.

وقال بونينة: "نحن ندعو من خلال هذا الإضراب رئيس الجمهورية إلى التراجع فورا عن قرار الإعفاء الذي شمل 57 قاضيا وقاضية، كما ندعو الزملاء القضاة إلى عدم الترشح إلى عضوية فروع هيئة الانتخابات والوكلاء العامين ووكلاء الجمهورية إلى عدم تنفيذ التعليمات الصادرة عن وزيرة العدل التي تخالف أحكام الفصل 23 من مجلة الاجراءات الجزائية".

وأكد المتحدث أن الإضراب سيتحول إلى إضراب مفتوح وسيتجه إلى التصعيد في حال لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قراراته، مشيرا إلى أن القضاة سيستميتون في الدفاع عن استقلاليتهم مهما كانت العواقب.

التصعيد مستمر

بدورها قالت القاضية والرئيسة الشرفية لجمعية القضاة روضة القرافي لـ "سبوتنيك"، إن "القضاة لن يقبلوا بعزل زملائهم بجرة قلم وبقرار أحادي وظالم دون الإطلاع على ملفاتهم أو تمكينهم من حق الدفاع".
وذكرت: "هؤلاء القضاة فوجؤوا بقرار إعفائهم من مناصبهم بعد منتصف الليل، وهي خطوة لم تحدث في أكثر الدول تخلفا"، مشيرة إلى أن التصعيد سيستمر.
الرئيس التونسي يلوح بعقوبات ضد القضاة المضربين عن العمل ويطلب من الحكومة خصم أجورهم
وأشارت القرافي إلى أن العملية تضمنت "تلبيسا" بالترويج لها على أنها محاربة للفساد، مضيفة: "لسنا ضد محاربة الفساد، إذ سبق وأن دفعنا مع المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في اتجاه حل الملفات وتطبيق العقوبات ضد القضاة المخالفين للقانون ولكن وفقا لإجراءات المحاكمة العادلة".
وقالت القرافي إن الإجراء الرئاسي الأخير ينبئ بتطور خطير في المشهد القضائي، وهو ما يفسر ردة الفعل الجامعة من القضاة الذين نطقوا بصوت واحد أمام الرئيس للكف عن الانحراف غير المسبوق بالسلطة، وفقا لتعبيرها.
وأشارت القاضية إلى أن رئيس الجمهورية قد خرق القانون الذي سنه بنفسه، معتبرة أن الرئيس تخطى مرحلة التشريع بسن قانون منفرد إلى ممارسة الاستبداد بعد أن داس على المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ثم المؤقت.
واستنكرت القرافي توجيه الرئيس التهم إلى القضاة دون وجود ملفات قضائية في حقهم، مشيرة إلى أن الرئيس بات يسلّط العقوبات ثم يبحث عن الجريمة التي تتلاءم معها.
وتابعت: "اليوم، حُرم القضاة من أبسط حقوقهم وهو حق الدفاع المكفول لكل مواطن تونسي.. بات من الواضح أن الرئيس يبحث عن تصفية مناصب بعينها في السلسلة الجزائية وفي النيابة العمومية أساسا وفي قضاة التحقيق ورئاسة المحاكم".
وترى القرافي أن نية الرئيس كانت واضحة منذ البداية حينما قرر يوم 25 يوليو/ تموز ترؤس النيابة العمومية قبل أن يتراجع عن ذلك بعد ضغط المجتمع المدني، مشيرة إلى أن رئيس الدولة بلغ اليوم مبتغاه بعزل القضاة الذين لم يستجيبوا لتعليمات وزيرة العدل في القضايا ذات الخلفية السياسية المطروحة الآن في الصراع السياسي.

لا لتوظيف القضاء

وفي تصريح لـ "سبوتنيك" قال المحامي غازي الشواشي الذي حضر لمساندة القضاة، إن الحقوقيين في تونس لن يسمحوا بتوظيف القضاء وبالتنكيل بالقضاة المعارضين الذين رفضوا تنفيذ تعليمات وزيرة العدل القاضية بإيقاف مجموعة من النواب والمحامين والشخصيات الوطنية والحزبية.
الغنوشي يعلن مقاطعة الاستحقاقات القادمة في تونس ويؤكد أن نهاية "الانقلاب" باتت وشيكة
وأضاف: "بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وتشكيل مجلس مؤقت موالي للسلطة، الرئيس توجه اليوم إعفاء القضاة، ويبدو أن قائمة الـ 57 لن تكون القائمة الأخيرة".
واعتبر الشواشي أن قرارات العزل ستكون بمثابة سيف مسلط على رقاب القضاة، وهي بمثابة تنبيه مفاده أن القاضي الذي سيرفض التعليمات سيكون مآله العزل والتنكيل والتشهير، مشيرا إلى أن الهدف من تسريب المحاضر من المحاكم على شبكات التواصل الاجتماعي هو تخويف القضاة.

وقال الشواشي: "صحيح أن قائمة الإعفاءات تضمنت قضاة محل شبهات حقيقية وبعضهم موجود في السجن وتم رفع الحصانة عنه، ولكنها تضمنت أيضا قضاة نزهاء ممن رفضوا تطبيق التعليمات والتوصيات الصادرة من السلطة التنفيذية".

ولفت الشواشي إلى أن شهادات القضاة التي أدلوا بها في الاجتماع الطارئ للمجلس الوطني للقضاء كشفت عن محاولات جدية لترويض القضاء وتحويله غلى آلية لتنفيذ مشروع رئيس الدولة والتنكيل بالمعارضين.
وفي تعليق على إضراب القضاة، دعا الرئيس سعيد وزيرة العدل ليلى جفال إلى اقتطاع أيام العمل من المضربين و"اتخاذ جملة من الاجراءات الأخرى المنصوص عليها بالقانون حتى لا يتكرر المساس بمصالح المتقاضين"، وفقا لبلاغ الرئاسة.
ومطلع الشهر الجاري، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مناصبهم، على خلفية اتهامات متعددة من بينهم الفساد المالي والأخلاقي وتعطيل التتبع في 6268 ملف إرهاب وتهديد القضاة.
مناقشة