تونس: ما حقيقة ضلوع قياديين من حركة النهضة في تبييض الأموال والإرهاب تحت غطاء "جمعية نماء الخيرية"؟

أثارت ما بات يعرف بـ"تحقيقات جمعية نَماء الخيرية" زوبعة من الجدل في تونس، خاصة وأن القضية تهم شخصيات حزبية بارزة على غرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي طرح اسمه في شبهات "تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".
Sputnik
ففي التاسع من شهر فبراير/ شباط الماضي، أطلت هيئة الدفاع عن المعارضيْن اليسارييْن شكري بالعيد ومحمد البراهمي (تم اغتيالهما في 2013)، في مؤتمر صحفي تابعته "سبوتنيك"، أعلنت فيه أن جمعية تدعى "نماء تونس" تأسست سنة 2013 "تدعي ظاهريا دعم الاستثمارات الأجنبية بينما تدير باطنيا معركة التسفير مقابل مبالغ مالية كانت تضخ في حسابات قطرية على علاقة برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقيادات أخرى في الحركة".
وبحسب الهيئة، فُتحت الأبحاث في هذا الملف سابقا، ولكنها توقفت بتعليمات من وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي (من ضمن القضاة الـ 57 المعزولون) وحركة النهضة التي تتهم هيئة الدفاع عددا من قياداتها باستغلال التمويلات التي تتلقاها "جمعية نماء" لصالحها.
وفي السابع والعشرين من يونيو/ حزيران 2022، قرر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب فتح تحقيق قضائي ضد مسؤولين في جمعية نماء من أجل جرائم تتعلق "بتبييض وغسيل الأموال والاشتباه في تمويل أشخاص أو تنظيمات مرتبطة بالإرهاب".
وشملت التحقيقات لاحقا 33 شخصية من بينها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي سيمثل أمام التحقيق يوم 19 من الشهر الجاري، ونجله معاذ الغنوشي، وابنته سمية الغنوشي، وصهره رفيق عبد السلام (وزير داخلية سابق)، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي سيتم التحقيق معه يوم 20 يوليو/ تموز الحالي بعد أن تم إيقافه ثم إطلاق سراحه مؤخرا. وجمدت أموال هؤلاء ومنعوا من السفر بقرار قضائي.
وكانت المتحدثة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قدّاس أكدت في وقت سابق أن جمعية نماء تحصلت على تمويلات بقيمة 20 مليون دينار (6,5 ملايين دولار) بين سنتي 2011 و2021، مشيرة إلى أن أعضاءها يواجهون "شبهة قوية متعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

محاولة لتصفية خصم سياسي

غير أن هيئة الدفاع عن جمعية نماء فندت كل هذه التهم، مؤكدة أن لا علاقة لها بأي قيادات من حركة النهضة. واعتبرت أن تحريك الملف كان لغايات سياسية بحتة.
وقال عضو هيئة الدفاع عن جمعية نماء المحامي مختار الجماعي، لـ "سبوتنيك"، إن
"الهدف من هذه القضية هو تصفية خصم سياسي وليس متابعة جرائم مرتكبة".
ونفى الجماعي وجود شبهات إجرامية في الملف، قائلا إن ما يؤكد ذلك هو إبقاء قاضي التحقيق على جميع المتهمين في حالة سراح وهو ما يتنافى مع طبيعة الجريمة التي أحيلوا عليها والتي تصل عقوبتها أحيانا إلى الإعدام، بحسب قوله.
وأضاف "الدليل الثاني على الصبغة السياسية هو أن جمعية نماء لم تخرج عن النظام القانوني للجمعيات، فهي تخضع لرقابة رئاسة الحكومة التي لم تتخذ ضدها أي إجراء من قبيل الإيقاف الوقتي أو النهائي أو مصادرة أموالها".
إعلام: الغنوشي يمثل أمام القضاء التونسي بتهم تتعلق بالإرهاب وغسيل الأموال
وتابع "معنى ذلك أن الجمعية أصبحت في حالة ازدواجية، فهي جمعية صحيحة وشفافة ومطابقة للقانون بالنسبة لرئاسة الحكومة، وعلى العكس فهي جريمة تحوم حولها شبهات فساد ويساهم أعضاؤها في ارتكاب جرائم إرهابية بالنسبة للسلطة القضائية وتحديدا النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب".
وأكد الجماعي أن التحقيقات لم تفضي إلى إثبات التهمة على أي من المتهمين في هذه القضية والبالغ عددهم 33 شخصا من بينهم أعضاء في الجمعية وسياسيون ومدونون ونشطاء في المجتمع المدني.
وقال:
"من يحرك هذه القضية هم طرفان اتفقا على نفس المكاسب السياسية، أولا هيئة الدفاع عن الشهيدين التي نتهمها مباشرة بالوقوف وراء الشائعات والتي تسعى بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية لشيطنة عدوها السياسي الأبرز".
وأضاف "وثانيا السلطة السياسية التي حاولت التدخل بواسطة وزارة العدل في مسار التحقيق"
واتهم الجماعي الناطقة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بمحاولة التأثير على مسار التحقيق من خلال نشر معلومات وصفها بالزائفة، في إشارة إلى حديثها عن تلقي الجمعية مبالغ مشبوهة بقيمة 20 مليون دينار، قائلا "أتحداها أن تثبت هذا الرقم لأن أرقام معاملات جمعية نماء منشورة في المواقع المتخصصة ووقع التصريح بها لدى المصالح الجبائية وجلساتها العامة وتقاريرها المالية لدى رئاسة الحكومة".

حملة للتلاعب بالرأي العام

وتعليقا على الاتهامات الموجهة لقيادات حركة النهضة، قال عضو الحركة بالقاسم حسن في تصريح لـ "سبوتنيك"، إنه لا علاقة للحركة بجمعية نماء تونس، مكذبا جميع التهم التي وجهت إلى قياداتها سواء المتعلقة بجمعية نماء أو شركة انستالينغو أو ملف اللوبينغ أو الجهاز السري.
وقال "من الواضح أنها حملة للتلاعب بالرأي العام التونسي ولاستجداء مساندي الرئيس الذين يريدون توجيه ضربة لحركة النهضة.. في كل مرة يقوم الانقلاب بهذه العملية والقضاء يؤكد رغم الضغط المسلط عليه أنه لا توجد أمامه حقائق حول هذا الموضوع".
واعتبر حسن أن استدعاء رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يوم 19 يوليو/ حزيران الجاري للتحقيق يدخل في إطار هذه الحملة التي وصفها بأنها استهداف يتعدى حركة النهضة ليشمل المسار الديمقراطي بأكمله.
تونس.. قرار بتجميد أموال الغنوشي والجبالي وعدد من أفراد عائلتهما
وأضاف "نحن متأكدون أن القضاء التونسي العادل والنزيه سوف يتبين عدم صحة هذه الاتهامات، وإذا كان للسلطة معطيات فلتقدمها ولتنشرها للرأي العام لأنه من غير المعقول أن توقف وتتحفظ وتحقق دون قرائن".
وأكد المتحدث أن حركة النهضة دعت إلى تحرك شعبي سلمي احتجاجي يومي 19 و23 يوليو مع جبهة الخلاص الوطني "للتمسك بالديمقراطية ورفض الانقلاب والاستبداد".
وكان رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي قد توقع في ندوة صحفية إيقاف راشد الغنوشي ضمن "حملة قمع قيادات سياسية معارضة"، وفق قوله.

تحوّل إيجابي في عمل القضاء

على الجانب الاخر الآخر، يعتقد "محسن النابتي" المتحدث الرسمي باسم حزب التيار الشعبي الذي كان يترأسه اليساري المعارض محمد البراهمي (اغتيل سنة 2013)، أن تحقيقات جمعية نماء تعبّر عن تحوّل إيجابي في عمل القضاء وفي مسار التحقيقات في قضايا كبرى تطال أمن الدولة والأمن القومي، قائلا "لقد أنصفنا التاريخ بطرح هذه القضايا أمام الرأي العام وأمام العدالة".
وأضاف متحدثا لـ "سبوتنيك":
"هذه القضايا ليست جديدة وإنما تم قبرها من قبل المهيمنين على السلطة وعلى القضاء سابقا، واليوم تم إخراجها من الرفوف لمحاسبة المتورطين فيها".
وتابع "الذين نراهم اليوم يحتجون على فتح التحقيقات ويعتبرونها حملة قمع وتصفية للخصوم وخاصة بعض القوى الليبرالية واليسارية هم أنفسهم الذين احتجوا معنا قبل أشهر خلت على عدم البت في قضايا الإرهاب والاغتيالات السياسية وتبييض الأموال وتزوير الانتخابات واختراق الدولة من الداخل عن طريق التمركز في القطاعات الاستراتيجية".
وعبّر النابتي عن أمله في أن يتوصل القضاء إلى حقائق ملموسة وأن تأخذ التحقيقات مجراها في اتجاه "انصاف طالبي العدالة واسترجاع حقوق الناس المسلوبة وأقدسها دماء الشهداء التي سالت من مدنيين وسياسيين وعسكريين".
وشدد النابتي على أن لا توقيت لتنفيذ العدالة وعلى ضرورة وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، قائلا "نحن على أبواب ذكرى استشهاد محمد البراهمي التي مر عليها حوالي عقد من الزمن وإلى اليوم ما تزال المحاسبة غائبة".
مناقشة