تونسيات يحرمن من الإجهاض رغم كفالته بموجب القانون منذ 5 عقود

تعتبر تونس أول دولة عربية مسلمة تمنح النساء الحق في الإجهاض وتكفله بموجب القانون منذ سنة 1973، غير أن شهادات عدّة لتونسيات تؤكد أن هذا الحق ليس مكفولا للجميع.
Sputnik
"حُرمت من ممارسة حقي في الإجهاض القانوني رغم أنني أعيش في بلد يحمي هذا الحق بالقانون منذ قرون"، بهذه الكلمات لخّصت التونسية رانية (اسم مستعار) لـ "سبوتنيك" رحلة كفاحها من أجل إجهاض جنينها الذي تقول إنها لا تريد أن تظلمه في ظل ضيق ذات اليد والوصم الاجتماعي الذي يلاحق الأمهات العازبات.

الإجهاض السري... ورحلة الخطر

تؤكد محدثتنا الثلاثينية أنها التجأت إلى 3 مراكز صحية حكومية وقوبلت بالإجابة التالية "أدوية الإجهاض نفدت، عودي في وقت آخر". في هذه الأثناء تجاوزت رانية المدة المسموح بها للإجهاض القانوني وهي ثلاثة أشهر، وهو ما قادها إلى طريق "الإجهاض السري" التي لا تخلو من مخاطر صحية واستغلال مادي.
يكفل القانون التونسي الإجهاض للنساء الراشدات ولكن يقيّده بشروط، أولها عدم تجاوز عمر الجنين 3 أشهر إلا في حالات استثنائية يشكل فيها الحمل خطرا على صحة الأم، أما الشرط الثاني فهو إجراء الإجهاض في مؤسسة صحية مرخص لها.
نيويورك تعزز حماية حق النساء بالإجهاض في دستورها
كما يُمنع على النساء التونسيات إجهاض الجنين بواسطة الأطعمة أو المشروبات أو الأدوية أو غيرها من الوسائل الأخرى، حتى وإن كان القرار صادرا عن الأم.

تضيف رانية: "اضطررت إلى الإجهاض في مركز خاص غير مرخص له، طلب مني الطبيب تناول حبوب طيلة أسبوع، لكن الإجهاض لم ينجح رغم أنه تسبب لي في آلام حادة على مستوى الرحم ليبقى الحل الوحيد هو إجراء العملية... فرض علي الطبيب سداد مبلغ بقيمة ألف دينار (حوالي 325 دولار) رغم أن العملية لا تتجاوز 400 دينار في المصحات الخاصة".

وتابعت "يجب أن تحمي الدولة حقوق النساء وتمكنهن من حقهن في الإجهاض فعلا لا قولا.. نحن النساء نطالب برفع القيود عن هذا الحق، فالجسد جسدنا ولا يمكن لأحد أن يتخذ قرارا مصيريا عوضا عنا".

قابلات تنصحن بعدم الحمل

"فاطمة" (42 سنة) امرأة متزوجة وجدت هي الأخرى صعوبة في إجهاض جنينها، ولكن ليس بسبب فقدان أدوية الإجهاض وإنما بسبب رفض الأطباء.
وتخبر فاطمة "سبوتنيك" أنها اتخذت وزوجها قرار الإجهاض بالتراضي، فهما لم يكونا مستعدين لاستقبال مولود جديد في مرحلة عمرية تقول إنها "متقدمة وتصعب فيها رعاية طفل على النحو المستوجب".
وأكدت محدثتنا أن طبيبا رفض إجهاضها متعللا بأسباب دينية وبأن قتل النفس حرام، فيما حاولت "قابلة" (مولّدة) إقناعها بالعدول عن قرارها متحججة بأن الإجهاض يسبب مشاكل صحية للأم قد تصل أحيانا إلى الوفاة.
تونس... ارتفاع حالات العنف ضد المرأة بنسبة 77% سنة 2021
وقالت فاطمة إنها لجأت إلى مصحة خاصة لإجراء الإجهاض بتكلفة أعلى، مشيرة "لا أفهم لماذا يستمر البعض في فرض وصاية على النساء وفي عدم احترام قراراتهن الشخصية رغم أن القانون واضح!".
وتقر "لمياء" وهي "قابلة" في أحد المستشفيات في حديثها لـ "سبوتنيك"، أنها كثيرا ما تنصح النساء اللاتي تطلبن الإجهاض بالعدول عن آرائهن والاحتفاظ بمولودهن، ولكنها تحترم في النهاية قرارهن.

قانون على الورق

يرى حقوقيون، أن لجوء النساء التونسيات إلى الإجهاض ليس مهمة سهلة رغم وجود قانون يشرّع ممارسة هذا الحق منذ 5 عقود، معتبرين أن القانون ظل في أحيان كثيرة حبرا على ورق.
وتشير مُؤسِسة جمعية توحيدة بالشيخ سلمى الرجبي في تصريح لـ "سبوتنيك"، إلى أن المرأة في تونس تواجه صعوبة في التمتع بحقها في تقرير مصير جنينها، مضيفة "تفاقم هذا الإشكال بعد الثورة بسبب انتشار الفئات المتدينة التي أثرت على الإطارات الطبية وشبه الطبية التي ترفض أحيانا إجراء عملية الإجهاض لأسباب دينية".
وتخشى الحقوقية من أن يقلص الدستور الجديد في حال تمريره من الحقوق الجنسية والإنجابية للنساء، موضحة "الاحتكام إلى الشريعة في الدستور المعروض على الاستفتاء قد يحد من هذه الحقوق خاصة ونحن نعلم أن للشريعة موقف مغاير للقانون في علاقة بالحقوق الجنسية وخاصة الإجهاض".
وقالت الرجبي إن العائق الثاني هو نقص الإمكانيات وارتفاع تكلفة الإجهاض سواء عن طريق الحبوب أو العمليات الجراحية، مشيرة إلى أن السلطات التونسية تراجعت عن دورها عن ضمان الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، بعد أن قلصت في الميزانية المخصصة للتنظيم العائلي.
الصحة العالمية: إلغاء حق الإجهاض بأمريكا "نكسة" ستكون لها تكلفة في الأرواح
وأضافت "ممارسة حق الإجهاض تكاد لا تذكر في المناطق الريفية، فالنساء تتنقلن مسافة كيلومترات للوصول إلى مراكز التنظيم العائلي أو المصحات الخاصة، بينما تعجز معظمهن عن سداد تكاليف الإجهاض، ناهيك عن الضغوطات الاجتماعية التي تحيط بالنساء هناك".

عقوبات سجنية تلاحق المجهضات

تتعرض النساء اللاتي تخالفن الشروط المنصوص عليها في القانون المنظم للإجهاض إلى السجن مدة عامين وغرامة مالية قدرها 650 دولارا، سواء استخدمت وسيلة منزلية للإجهاض أو توجهت إلى مركز مجهز.
كما يعاقب بالسجن مدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 3500 دولار "كل من ساعدها على ذلك من أهل وأقارب والطبيب الذي أجرى العملية أو الصيدلي الذي باع دواء الإجهاض". وتتضاعف هذه العقوبة إلى 10 سنوات "لمن ساعد على الإجهاض وله سلطة طبية بأداء الإسقاط أو إعطاء أدوية تساعد فيه".
هذه العقوبات يعتبرها حقوقيون مجحفة في الحق المرأة، حيث دعت 14 جمعية و15 ناشطة حقوقية في بيان نشرته حديثا إلى ضمان الحق في الإجهاض القانوني والآمن بالدستور.
وطالبت هذه المنظمات المؤسسات الحكومية بأن "تحفظ لنساء تونس حقوقها الجنسية والإنجابية، خصوصا حق الإجهاض القانوني والآمن في رعايته والدفاع عنه وتطبيقه"، مشيرة إلى تسجيل ارتفاع في نسب الامتناع عن القيام بعمليات الإجهاض وتقليص الحكومة من الميزانية المرصودة للصحة الإنجابية والجنسية التي لا تعتبرها من أولوياتها، وفقا لنص البيان.
وترى مؤسسة جمعية توحيدة بالشيخ إحدى الجمعيات الموقعة على البيان، أنه يجب تغيير القانون المنظم للإجهاض، وأن يتم سحب العقوبات من الدستور وتضمينها كعقوبة صحية تخضع إلى تقييم الطبيب المباشر.
وأضافت "تلقينا العديد من الشهادات من نساء تلتجئن إلى الإجهاض بطرق غير قانونية وفي ظروف غير آمنة لأن القانون يمنعه بعد بلوغ 3 أشهر من الحمل، في حين أن العلم تطور وأصبح بالإمكان إجراء الإجهاض في تلك المرحلة".
ونبّهت الرجبي إلى أن الصعوبات التي تحيط بعملية الإجهاض سواء كانت مادية أو قانونية أجبرت العديد من النساء على مواصلة الحمل قسرا ثم التخلي عن مولودها ورميه في الشوارع، مؤكدة أن عمليات ترك الرضع قد تفاقمت أكثر.
وتسجل تونس سنويا 17 ألف حالة إجهاض وفقا لأرقام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، غير أن جمعيات حقوقية تؤكد أن العدد أعلى من ذلك في ظل انتشار حالات الإجهاض غير القانوني
مناقشة