أزمات اقتصادية وشلل في القطاع العام... ما تداعيات إضراب البنوك على لبنان؟

وسط أزمات اقتصادية طاحنة، واستحقاقات سياسية مهمة على الأبواب، أعلنت جمعية المصارف اللبنانية أن البنوك ستبدأ إضرابا عن العمل اعتبارا من يوم الاثنين المقبل الموافق 8 أغسطس/ آب، بسبب ما وصفته "بالمواقف المضرة والشعبویة على حسابها وحساب الاقتصاد اللبناني".
Sputnik
وقالت جمعية المصارف في بيان لها، اليوم الجمعة، إنه تم عقد اجتماع أمس، تداول فيه ملف الدعاوى الكيدية التي تتعرض لها ​المصارف​، والتي تصدر فيها بعض الأحكام الاعتباطية والشعبوية عن مرجعيات يتم اختيارها مسبقا من المدّعين.
وطرح البعض تساؤلات بشأن خطورة هذه الخطوة وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني وعلى حياة المواطنين، لا سيما في ظل استمرار إضراب القطاع العام، والذي يشل لبنان.

إفلاس البنوك

اعتبر زياد ناصر الدين، الباحث الاقتصادي اللبناني، أن إضراب البنوك اللبنانية بالتزامن مع التقارير الصادرة عن البنك الدولي، ومع الواقع الاقتصادي المحطم يفيد بأن هذه البنوك أفلست، وكل تقارير الأداء للواقع المصرفي في لبنان تعطي هذه النتيجة.
لبنان يرد على تقرير صحيفة فرنسية عن بيع آلاف جوازات السفر مقابل مبالغ مالية
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "لا نعلم إن كان إضراب البنوك "مكابرة" أم للضغط ععلى الدولة وعلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي اللبناني في ظل الأزمة القائمة لصالح أبعاد قد تكون سياسية"، مؤكدًا أن المصارف اللبنانية لا يمكنها أن تأخذ المبادرة في هذا الاتجاه.

وتابع: "القول بأن البنوك ليست محمية، أو هناك ضغوط تمارس عليها، كل هذا يأتي في إطار الصراع الذي يجري اليوم ما بين النقد والاقتصاد على المستوى التقني، حيث يأتي الإضراب في إطار هذا الصراع والذي يدخل من ضمنه الصراع السياسي".

ويتخوف الباحث الاقتصادي من توقيت الإضراب، والذي يأتي في وقت يستعد لبنان لاستحقاقات مهمة، مثل انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة، مؤكدًا أن الإضراب على المستوى التقني لن يعالج الوضع الاقتصادي السيئ، لا سيما في ظل احتياج لبنان إلى خطوات إصلاحية وهيكلة مصارف، وأن يكون لديه خطة اقتصادية لا خطة خسائر وتحميل المودعين أداء الواقع المصرفي في لبنان، والذي كان متحالفًا مع الواقع السياسي والحكومات وبالتالي تم تبديد أموال المودعين بطريقة سلبية.
وأوضح أن لبنان يعيش في صلب الإفلاس والانهيار، وأي مبادرات اليوم لا تنفع، ولا بد من وضع خطة إصلاحية إنقاذية اقتصادية مالية اجتماعية، مع الوضع في الاعتبار الاهتمام بجانب النفط والغاز والتخطيط لإدخالهم ضمن الاقتصاد الوطني اللبناني، وكذلك تحديد نوع الاقتصاد والواقع المصرفي الذي يجب أن يكون عليه لبنان.

تأثير محدود

بدوره اعتبر الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، أن الإضراب الذي تمارسه معظم المصارف هو إضراب ظرفي مؤقت لا يعطل عمل هذه المصارف، والذي أصبح مقتصرًا بشكل كبير على سحب السيولة من مصرف لبنان المركزي وتعبئة ماكينات الصراف الآلي، وهي بمعظمها إضرابات لا تتعدى اليوم في الأسبوع.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الإضراب الذي يمكن أن يضر الاقتصاد والمواطن اللبناني هو إضراب مصرف لبنان، كون وظيفة هذا المصرف اليوم تمويل منصة صيرفة من ناحية، والتي تقوم بدورها بتمويل التجار المستوردين بالدولار على سعر المنصة، وبالتالي عدم تمويل هذه المنصة قد يؤدي إلى تخبط في سعر الدولار وفي أسعار السلع الاستهلاكية.
إعلام: من المتوقع أن يتم السماح لـ "سفينة الحبوب" المحجوزة في لبنان بالإبحار اليوم
وتابع: "إضافة إلى تأمين السيولة للمصارف لتطبيق تعاميم مصرف لبنان لناحية السحوبات النقدية، ولناحية تأمين رواتب القطاع العام وبعض القطاع الخاص، لذلك فإن أي إضراب بالمصرف المركزي ستكون انعكاساته كبيرة جدا على الواقع الاقتصادي وعلى النشاط الاقتصادي الذي يعتمد على هذه السيولة التي يؤمنها هذا المصرف".
ويرى عكوش أن كل ما يجري اليوم من إضرابات واحتجاجات في القطاع العام، لن يؤدي إلا لمزيد من الخسائر، ولن يحل المشكلة، والمطلوب المضي باتجاه اقتراحات القوانين، وإقرار الخطط المطلوبو كبداية أولى للمعالجات.
وقال بيان جمعية مصارف لبنان: "إذا كان القانون قد سعى بهدف تحقيق عدالة واعية، إلى إيلاء النظر بدعاوى تتطلب حدا أدنى من الإلمام بقوانين خاصة كالقوانين المصرفية والمحاسبية، فإن المصارف تقف باستغراب أمام تجاهل البعض من المكلفين باحترام القانون ومضمون أحكامه، وكأن تطبيق القانون أصبح اختياريا لهم وليس إلزاميا".
وأوضح أن المخالف لا يعني أن الشركة المعنية أو المصرف المعني يحاول إخفاء الأرباح، بل على العكس، لو كان تطبيق معايير المحاسبة الدولية ممكنا، لكانت الخسائر زادت ولم تنقص.
وأضاف أن الجمعية لا تفهم أسباب توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي بسبب ورود شكوى جزائية بحقه أمام ​النيابة العامة​ الاستئنافية في ​جبل لبنان​، من قبل صاحبة أسهم تفضيلية تعيب عليه أنه لم يوزع لها أرباحًا في وقت لم يحقق المصرف أرباحًا ليوزعها.
وأكد البيان أن هذه الأوضاع الشاذة التي حاولت المصارف قدر الإمكان التعامل معها بمرونة ولو على حسابها، بلغت حدا لم يعد مقبولًا، وهي لم تعد تستطع أن تتحمل المواقف المضرة والشعبوية على حسابها وحساب الاقتصاد.
وأشار البيان إلى أن الجمعية تجد نفسها مضطرة إلى إصدار إنذار عام يكون دعوة للجميع للتعامل بجدية ومسؤولية مع الأوضاع الراهنة، بهدف السير نحو التعافي الحقيقي.
ويأتي إعلان المصارف في وقت ينفذ فيه موظفو القطاع العام إضرابًا طويلًا، قال عنه وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هيكتور الحجار، أنه يحدث شللا عاما في الدولة اللبنانية.
مناقشة