هل أصبحت المواجهة حتمية بين الخصوم السياسيين في العراق؟

لا يزال الغموض والتعقيدات تحيط بالمشهد السياسي في العراق بعد أكثر من 9 أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة التي جاءت عقب احتجاجات جماهيرية كبرى.
Sputnik
لماذا غابت كل الحلول السياسية والتوافقات بين الأطراف وأصبح الصراع والعناد هو سيد الموقف في البلاد؟
يرى مراقبون أن خلط الأوراق وخلخلة المشهد السياسي الذي أوجده الصدر بعد خطوة الانسحاب من البرلمان كانت مخططة من جانب التيار، وعندما دخلت الأوضاع مرحلة جديدة لتشكيل الحكومة من جانب الإطار، خرج التيار ليبعث برسائل إلى خصومه السياسيين بأنه لن يمر أحد دون أن يسمحوا له بالمرور. وهي رسائل قوية لخصومه بأنه انسحب من المشهد الرسمي، لكنه يستند للشارع صاحب الحق في الاختيار، لذا فإن المشهد أو السيناريو القادم غير واضح المعالم، بل يتسم بالتشابك وشدة التعقيد.
الحلبوسي يعلق على دعوة الصدر لإجراء انتخابات مبكرة
بداية يقول المحلل السياسي العراقي، عبد الملك الحسيني، إنه بات من الصعوبة الخروج باتفاق سياسي في ظل التناحر في المشهد السياسي الحالي الذي نستطيع أن نطلق عليه مصطلح "الانسداد السياسي".
اللغة الأقرب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن عدم الاتفاق هي اللغة الأقرب إلى الفهم حتى هذه اللحظة رغم التصريحات التي كررها الإطار التنسيقي في أكثر من موقف وأعلن فيها رغبته في الحوار والتي جوبهت برفض تام من قبل مقتدى الصدر، الذي قد أوصد باب الحوار على ما يبدو.
وتابع المحلل السياسي الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة هو مطلب الجميع وربما هو الإجراء الذي صار عليه إجماع وطني، لكن الاختلاف حول الآليات يجعل الأمر معقد للغاية، إن لم يكن شبه مستحيل، فقد وضع الإطار التنسيقي شروطا لذلك مثل" تعديل قانون الانتخابات وإعادة ترتيب الدوائر الانتخابية، وآلية التصويت الإلكتروني …الخ"، وهذا الأمر من وجهة نظرهم لا يتم إلا من خلال تشكيل حكومة جديدة، وكذلك يرفض الإطار الانفراد بالرأي ويطالب بالاحتكام إلى الأطر الدستورية التي تحافظ على النظام السياسي.
انقسام الإطار
وأوضح الحسيني أنه يجب الإشارة هنا إلى وجود انقسام داخل الإطار، بخصوص التعامل مع دعوة الصدر لإجراء انتخابات مبكرة، فنجد أن العامري مرحبا بها، بينما الفياض يرى بأن القضية تحتاج إلى مفاوضات، فموعد الانتخابات القادمة من وجهة نظره لا تحدده حكومة تصريف الأعمال، بل يتطلب وجود حكومة جديدة، وكذلك يرى أن هناك إشكالات فنية وقانونية في المنظومة الانتخابية يجب حسمها.
وتابع الحسيني، أما قضية حل البرلمان والذهاب إلى الانتخابات المبكرة التي دعا إليها الصدر، فهناك عقبة تعترض طريقها وربما تزيد من تعقيدها تخص تطبيق المادة 64 من الدستور العراقي، فإن آلية حل مجلس النواب تكون بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث الأعضاء، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء، وبموافقة رئيس الجمهورية أي (166) صوتا، وهذا يتطلب موافقة الإطار التنسيقي والمتحالفين معه، ناهيك عن توفر القناعة الحقيقية لدى نواب البرلمان في ذلك، إضافة إلى الإشكالية الدستورية التي تتعلق بعدم استطاعة رئيس الجمهورية الدعوة إلى انتخابات عامة بعد حل البرلمان كونه منتهي الولاية، وفاقدا للشرعية الدستورية.
‎الإطار التنسيقي في العراق يدعم إجراء انتخابات مبكرة في البلاد ‏بعد تحقيق إجماع وطني
متطلبات الحل
وأشار المحلل السياسي إلى أنه في ظل كل هذا التعقيد، فإن الحل لهذه الأزمة غير وارد على الأمد القريب وربما سيحتاج الوضع في العراق إلى تدخل طرف محايد، من أجل إيجاد توافق سياسي وهذا يحتاج تنازلات من قبل الطرفين المتصارعين "الإطار والتيار".
من جانبه، قال عضو الميثاق الوطني للتغيير في العراق، عبد القادر النايل، إن العراق يتجه إلى نفق مظلم بسبب العملية السياسية الحالية التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلال العراق، بالتنسيق والتعاون مع إيران ومليشياتها وهي مفصلة على مقاسات لا تصلح للعراقيين مطلقا، ولذلك وصلت إلى طريق مسدود بين شركاء العملية السياسية.
وأوضح النايل أن اقتحام الخضراء والاعتصام داخل البرلمان شاهد على انفجار الأوضاع السياسية بينهم، وذلك لأن الدستور لا يمثل العقد السياسي العراقي الواضح، والمرجع القانوني الذي تحتكم إليه الآليات الدستورية في أي نزاع سياسي، ونظرا لهذا الفشل وعدم الوضوح هربوا إلى الأمام لتشكيل محكمة اتحادية وفق رغبة الأحزاب السياسية لتفسير النصوص المختلف عليها، والتي انحازت بقراراتها التفسيرية للنصوص، وكان سببا في النزاع الحاصل في الوقت الراهن.
المواجهة الحتمية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أي سيناريو سيذهبون إليه سينتهي بالنهاية إلى تفجر الأوضاع في العراق، حتى وإن ذهبوا إلى خيارات حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لأن المشكلة الأساسية ليست في ذلك إنما بعدم وجود نظام سياسي وطني يشارك العراقيين في صياغته ويناسب الشعب العراقي، وعلى هذا الأساس فإن المواجهة الحتمية قادمة في العراق، ولا سيما بعد فشل حكومة الكاظمي من تأمين الوفرة الاقتصادية بعد ارتفاع السيولة النقدية، جراء ارتفاع أسعار النفط، مما ينذر بدخول الشعب العراقي كمعادلة قادمة هدفها التصعيد ضد الجميع.
رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق تصف لقاءها مع الصدر بالجيد
وأشار إلى أن "ذهابنا نحو قراءة تفجر الأوضاع الداخلية في العراق، يأتي لأن أطراف النزاع اكتسبت قوتها من السلاح غير الشرعي أو القانوني، ولدى كل طرف ذراع أو أكثر مسلح، وعلى هذا الأساس من فرض نفسه بالسلاح فلابد أن يتكلم السلاح كحل لفرض الإرادات بالقوة".
الانهيار السياسي
ولفت النايل إلى أن"الانتخابات المبكرة التي يروج لها أيضا، تحظى برفض الإطار التنسيقي لأنهم يعلمون أنهم سيكونون أقلية داخل البرلمان، وهذا ما يجعلهم يرفضونها وإن ذهبت الأمور باتجاه حل البرلمان كما أراد التيار الصدري، فالانتخابات لن تقام في العراق، لأن الظروف الحالية والقادمة للبلاد لن تسمح بإجرائها، وهذا ما يعكس تخوف رعاة العملية السياسية الحالية من الذهاب نحوها أو دعمها".
وأوضح النايل أن بلاسخارت، مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة، تلعب دورا وسيطا لإقناع الصدر بالعدول عن المطالبة بحل البرلمان وهذا سيكون صعبا على التيار الصدري، لأنه سيفقد قيمته أمام الشعب إذا تراجع، كما أنه لا يهتم إذا لم تجر انتخابات كون الكاظمي وحكومته تخضع لهم، لذلك نحن انتقلنا من انسداد سياسي إلى انهيار سياسي في العراق.
المنطقة الخضراء
وكان المتظاهرون المؤيدون للتيار الصدري قد نظموا احتجاجات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، اعتراضا على ترشيح تحالف "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الحكومة.
في المقابل، دعا "الإطار التنسيقي" الذي يضم القوى الشيعية في البلاد باستثناء التيار الصدري وقوى متحالفة معه، أنصاره إلى التظاهر السلمي، من أجل مواجهة الضغوط التي يمارسها أنصار التيار، وذلك قبل أن يتراجع ويقرر تأجيل هذه التظاهرات إلى إشعار آخر لإفساح المجال أمام الحوار.
العراق... المتظاهرون يدخلون المنطقة الخضراء في بغداد
ويعد "الإطار التنسيقي" حاليا الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي بعد استقالة نواب "الكتلة الصدرية"، حيث وجّه مقتدى الصدر (الفائز الأول في الانتخابات) الشهر الماضي، أعضاء الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي، إلى تقديم استقالاتهم، اعتراضا على الانسداد السياسي في العراق.
ويعاني العراق منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 من أزمة سياسية حادة، حيث لم تفض المشاورات بين الأطراف السياسية لتسمية رئيس للوزراء إلى نتيجة.
مناقشة