رئيس معهد مؤشرات الاستدامة بالأمم المتحدة يكشف لـ"سبوتنيك" سبب انصراف الناس عن الاهتمام بالتنمية

أكد الرئيس التنفيذي لمعهد مؤشرات الاستدامة بالأمم المتحدة، رولاند شاتز، أن سبب انصراف الناس عن الاهتمام بالتنمية المستدامة وما يصدر عن الأمم المتحدة بشأنها هو "غياب الأديان" عن جلسات المنظمة الدولية.
Sputnik
وفي حديث لـ "سبوتنيك" أوضح شاتز أن التعامل مع قضايا التنمية المستدامة كان يقتصر على السياسيين، في حين أن الفاعلين الأكثر حضورا مع الناس هم رجال الدين وقياداته.
المسؤول الأممي الذي التقته "سبوتنيك" على هامش مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والذي انعقد في القاهرة في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تحت عنوان "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة"، تحدث كذلك عن مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ، مؤكدا أن الحكومة المصرية تقوم بجهد "فاق التوقعات" من أجل إنجاح هذا الملتقى.
إلى نص الحوار..
بداية كيف ترى من خلال موقعكم في الأمم المتحدة مصطلح التنمية المستدامة وما تم تحقيقه من أهداف المنظمة الدولية؟
للإجابة على هذا السؤال أعود قليلا إلى الوراء، لأسترجع ما قامت به هذه الشخصية التي كان لها دور كبير في غرس بذرة الأهداف التي نعمل جميعا من أجلها الآن، وهو السيد كوفي عنان (الأمين العام السابق للأمم المتحدة من 1997إلى 2006).
عنان صاغ الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، فجاءت حلًّا مناسبًا في وقته المناسب لمشكلات تعاني بسببها الإنسانية، وتضع الأمم المتحدة في مرمى الاتهام بالتقصير.
لكن دعني أيضا أؤكد على أن تلك الأهداف الإنمائية لم تستهدف التنمية المستدامة؛ ففي حين دعا عنان منذ ما يقرب من 22 عاما إلى الحدِّ من الفقر بحلول سنة 2015، فإن الخطط الجديدة للتنمية المستدامة اليوم تستهدف القضاء على هذا الفقر نهائيا بحلول 2030، وفي حين دعا عنان إلى تحسين فرص التعليم، تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق مبدأ "التعليم للجميع".
وهذا ليس انتقادا أبدا لعنان، فيجب أن نلتمس له العذر؛ لأنه أمين عام منظمة تضم عددًا من الدول، أعضاؤها متنفذون، لكنه لا يملك سلطة تنفيذية، بل كان دَوره مقتصرًا على تقديم التوصيات، فجرى صك مصطلحات الأمم المتحدة بصورة تضمن عدم المساءلة على التقصير فيها.
بعد التعديلات الأخيرة لخطة التنمية المستدامة... هل تنجح مصر في تحقيق رؤية 2030
مرحلة الأهداف الـ17 للأمم المتحدة.. هل ترى أن شيئا تحقق منها أو أننا على الطريق الصحيح؟
نعم.. قد أوشكنا على بلوغ منتصف الطريق إلى الهدف، وإنجاز الحلم الذي بدأناه في الـ25 من سبتمبر/ أيلول 2015، وقد حققنا الكثير بالفعل، لكن ما حققناه ليس بكافٍ.
ما زال بإمكاننا رغم ذلك الوصول إلى الهدف، وسوف تنعقد بعد ثلاثة أسابيع من الآن قمة المناخ تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وما يقوم به هو وفريقه إنجاز يفوق التوقعات.
البعض يقول إن الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة أهداف حالمة ولن تتحقق على أرض الواقع كيف ترد على هؤلاء؟
هذه الأهداف السبعة عشر، وما يندرج تحتها من مائة وتسعة وستون بندًا محددة ستصبح مظلَّة جامعة للنظر فيما هو مشترك بيننا وتجاوز نقاط الاختلافات التي تفرقنا.
ويكفي أن قيادات 193 دولة في الأمانة العامة للأمم المتحدة أجمعت- وهي سابقة تاريخية لم تحدث من قبل - على العمل الجاد الدؤوب لتحقيق هذه الأهداف، وحددوا موعدًا زمنيًّا لتحقيقها وهو آخر يوم في عام 2030، حيث ستصبح وقتها تلك الأهداف الـ 17 واقعًا مشاهدًا، من أندورا وكندا حتى مصر وعمان، وصولًا إلى زيمبابوي.
وهناك رؤساء دول أظهروا استعدادهم لتقديم الدعم المادي لتلك الأهداف، ولم تَبْقَ إلا مشكلة تحرير العقول من ضيق الأفق والتشاؤم والسخرية.
بابا الفاتيكان يدعو لسحب الاستثمارات من الشركات غير الملتزمة بحماية البيئة... فيديو
تحضرون الآن مؤتمرا تنظمه هيئة دينية وهي أحد الجهات الإفتائية بالتنمية المستدامة.. فهل لذلك من دلالات على توجه معين للأمم المتحدة؟
دعني أؤكد لك أننا وقبل خمس سنوات، وتحديدا أثناء مناقشة أهداف التنمية المستدامة في دولة الفاتيكان، بناءً على دعوة من البابا فرانسيس، أدركنا أن السببَ وراء انصراف الناس عن الاهتمام بأهداف التنمية المستدامة حتى هذه اللحظة هو أن الأديان لم تكن تجد لها مكانًا في جلسات الأمم المتحدة في نيويورك.
لقد كان أمرًا غريبًا أن تُستبعد هذه من طاولة المفاوضات والمناقشات التي يمثل مضمونها جوهر القرآن، والكتاب المقدس، والتوراة وجميع النصوص المقدسة الأخرى.
لقد اقتصر التعامل معها على السياسيين والدبلوماسيين بوصفها قضايا دبلوماسية، ولكن، أين دَور قادة الأديان من هذه المناقشات؟ أليس هؤلاء القادة هم من يجتمعون مع الشباب والشيوخ والأطفال والنساء لتوعيتهم وإشباع نَهمهم فيما يخص الأسئلة الكبرى عن علاقة الإنسان بالعالم والله؟
شيخ الأزهر: الأزمة الجديدة التي تضرب عالمنا اليوم هي أزمة البيئة والمناخ
إذن كيف تنظرون إلى الأديان عموما والإسلام على وجه الخصوص في قدرته على خدمة هذه الأهداف التنموية؟
دراسة التاريخ علَّمتنا ولا سيما تاريخ الأديان وسِيَر الأنبياء، كيف أن الدعوة النظرية، ولو كانت مثالية كالنصائح العشر، إن لم تتحول إلى عمل على أرض الواقع، فستظل مسألة نظرية لا ثمرة لها ولا تأثير على حياة الناس.
لقد أصبحنا جميعًا، سواء في أستراليا وكندا والبوسنة والهرسك وكذلك هنا في مصر، نعرف كيف نحقق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالقضاء على الفقر، ونحوله من مسألة نظرية كامنة في خطاب ديني نعرفه جيدًا ونتفاعل معه بقلوبنا وأرواحنا إلى عمل على أرض الواقع نمارسه بأيدينا وأيدي أخواتنا وإخوتنا في كل مكان.
وأكد أنه بإمكاننا أن نبدأ العمل بتعليم الأطفال وإرشاد الشباب والكبار وإشراكهم جميعًا في الإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم في سبيل القضاء على الفقر.
السفيرة ندى العجيزي لـ"سبوتنيك": جائحة كورونا أثرت على عمليات التنمية المستدامة في بعض الدول
هل من مقترحات عملية توضح وجهة نظركم؟
يمكن مثلًا أن نستهدف غرس خمسين شجرة كل عام قبل الحج، لمعالجة مسألة تغير المناخ والحد من انبعاثات الكربون، مع توفير جوائز نقدية أو رمزية لكل مشترك في هذا المشروع.
إننا من خلال اتِّباع هذه المنهجية، لن ننفذ فقط تعاليم النبي محمد عن قيمة الغرس والزرع، الذي يقول: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا؛ فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة"، بالإضافة إلى المنفعة المادية التي تعود مباشرة على الإنسان بتوفير هواء نظيف؛ كون الأشجار هي الرئة الطبيعة للبيئة، ولكنها حتمًا ستوفر عائدًا ماديًّا للمحتاجين بطريقة غاية في الشفافية والمرونة، بتقديم بطاقات التنمية المستدامة، كجائزة للمشتركين في المشروع.
كذلك يمكن تفعيل فكرة بنك إسلامي للتنمية يلعب دَورًا فاعلًا في هذه الفكرة لتوفير بطاقات التنمية المستدامة.
أيضا يمكننا تطوير هذه المشروعات التنافسية لتحقيق التنمية وتفعيلها على أرض الواقع، كأن نطبِّق ذلك في مشروع نظافة البيئة من القمامة والنفايات، فنمنح أولادنا مبلغًا نقديًّا مقابل كل مجهود يبذلونه في تنظيف الشارع أو المنطقة، وتُضاف هذه النقاط إلى بطاقة التنمية المستدامة.
هل تعتقد أن لتلك الأفكار مردودا كبيرا على أهادف تلك التنمية، وعلى اقتصادات الدول التي تعاني مشكلات كبيرة بسبب ما مرت به من جائحة كوفيد وغيرها؟
لقد شاركت شخصيًّا تجربة عملية مع خبير الصحة جاريث بريش، لتنفيذ الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة، بدعوة من البابا فرانسيس، للانضمام إلى لجنة مكافحة كوفيد 19، وقد أسفرت جهودنا عن وضع مجموعة من الحلول العملية حول الصحة الطبيعية والوصفات الاجتماعية، مستعينين بقوة الموسيقى لتعزيز الصحة العقلية والوقاية العامة.
ودعني أؤكد لك أن هذه الجهود وفرت للنظام الصحي في المملكة المتحدة قرابة 300 مليون جنيه إسترليني في العام الأول.
مناقشة