نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة

بدأب النحلة وصمتها، عملت مجموعة من السيدات السوريات على تدوير أقمشتهم القديمة ونفخ الحياة في خيوطها التي هتكتها الحرب وآلام النزوح، ولفحها الحصار الغربي على بلادهن، ليصنعن من تلك البقايا الميتة، لوحات قماشية تفيض بالحب وذكريات السنين الآفلة.
Sputnik
في مشهدية تستبطن حنينا جارفا إلى ما كان، تنكب السيدات اللواتي يصفن أنفسهم بـ "نحلات سوريا" على أعادة التدثر بأقمشتهن التي كانت رفيقا لهن ما قبل الحرب، وعبر خيوط من الحب وإبر الآمل، تجهدن لبث الحياة في روح الأقمشة المطفأة لعلها تستعيد أنفاسها فتعيد معها ما ذهب ولم يعد.
نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة
في خضم هذه اللحظات التي تتمظهر كمحاكاة لإنتاج "العسل" من رحيق الأيام المستهلكة، تنبلج لوحات فنية وقطع مزركشة ودمى مزينة بنقوش المربعات والمثلثات التراثية، لينطق القماش بالفن والحب والحنين، بعد إعادة تدوير ما يختزنه من ذكريات مضت، وآمال لعلها تتحقق.
تقول (النحلة) المدربة، ابتسام المصري، لـ "سبوتنيك": "النحلات السوريات تخرجن من مشروع خلايا النحل الذي تدربن فيه على حرفة إعادة تدوير الأقمشة وفق منهج تدريبي وضع خصيصا لهن، ليصنعن شيئا من لا شيء وبتكلفة صفرية، وينتجن قطعهن الخاصة بالتدوير فيستخدمنها في بيوتهن أو يبعنها لعشاق هذا الفن، فتكون مصدر دخل للنحلات المعيلات لعوائلهن في زمن الحرب".
وتضيف المصري: "نحلات سوريا أصبحن اليوم يعملن على قطع حرة خارجين عن قواعد المربع والمثلث، كالرسام الذي يخرج عن القواعد الفنية لينتج ابداعه الخاص، فيحكن بإبرتهن وخيطهن منتجات قابلة للاستعمال في البيوت ولوحات قماشية فنية تتزين بها".
نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة
النحلات السوريات اللواتي نظمن معرضاً خاصا لأعمالهن في مجمع دمر الثقافي غرب العاصمة السورية دمشق، يتطلعن إلى تسويق منتجاتهن وايصال فنهن إلى شرائح أوسع من الناس، تقول المصري "منتجات نحلاتنا وصلت إلى دول عديدة حول العالم ومنها استراليا ماليزيا بريطانيا إيرلندا وروسيا.. هذه قوة لنا، تؤكد أننا كسيدات سوريات قادرات على صنع المستقبل لهذه البلاد".
الدكتور سحر البصير، صاحبة مبادرة "مشروع نحلات سوريا"، تحدثت لـ "سبوتنيك" عن تأسيس المشروع مشيرة إلى "الفكرة ولدت في العام 2011 مع دخول الحرب إلى البلاد، ومن داخل مراكز الإيواء التي سكنتها النساء المهجرات عن بيوتهن، بدأت التجارب على تدوير بقايا الأقمشة وفقاً للطريقة التراثية التي قمت بتطويرها وإدخال أسلوب الحداثة إليها، وبالتالي أعدنا إحياء حرفة تدوير الأقمشة من جديد".
نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة
تضيف البصير "مشروعنا يحمل أيضاً معنى اجتماعيا في ظل خوفنا على مجتمعنا وعلاقاتنا داخله خلال الحرب، إذ نشعر وكأننا نقوم بإعادة حياكة مجتمعنا بعلاقات قوية غير قابلة للفصل، حيث رفعنا في مشروعنا العديد من الشعارات التي تبنتها السيدات، وأصبح لدينا قرار نسائي سوري لحماية المكون الاجتماعي السوري والإعلان عن تشابه أفراده كعناصر مكونة أساسية وارتباطها من جديد على أرضية ثابتة، وهو ما عكسناه داخل المنتج المادي للسيدات، كما استعدنا الرموز والآثار السورية في هذه القطع".
نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة
مع ازدياد عدد النحلات بشكل متسارع بدأ مشروع خلايا النحل في العام 2018 بتعظيم مؤهلات السيدات المشاركات بشكل مهني، حيث عملت الدكتورة البصير على وضع منهج وحقيبة تدريبية موثقة بشكل رسمي لصالح المشروع، وأصبحت هناك معايير معتمدة لتخرّج السيدات كنحلات يتقن إعادة تدوير الأقمشة.
نساء سوريات ينسجن حنينهن إلى الحياة من بقايا الأقمشة الميتة
واليوم، يصل عدد (النحلات) إلى 60 سيدة، ناهيك عن النحلات اللواتي استقلن عن المشروع وأصبحن يملكن مشاريعهن الخاصة، ويتحولن من الادخار لأجل الضمان إلى الادخار من أجل امتلاك مشروعهن.
تختم البصير حديثها لـ سبوتنيك "أصبح مشروعنا بمثابة كائن مكون من 60 عقل يتفاعل لإنتاج كل ما هو جميل، من أبسط المقومات المتاحة حولنا، ليكن بمثابة أرضية قوية لمجتمع سليم".
مناقشة