الحكومة التونسية تقرر ترحيل مهاجرين... ومنظمات تصف ذلك بالسابقة الخطيرة

أثار قرار السلطات التونسية ترحيل عشرات المهاجرين الأجانب إلى بلدانهم انتقادات حقوقية واسعة، خاصة وأن جلّهم من طالبي اللجوء الذين فرّوا قبل سنوات من أوضاع خطيرة في بلدانهم.
Sputnik
أعلنت رئاسة الحكومة التونسية في بلاغ نشرته بصفحتها الرسمية أواخر الأسبوع الماضي، أنها قررت "الشروع في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين" المقيمين بالمركب الشبابي في المرسى "نظرًا لوضعيتهم غير القانونية"، مشيرة إلى أن إجراءات ترحيلهم ستبدأ في أقرب وقت.
جاء هذا القرار عقب انعقاد مجلس وزاري مصغر أشرفت عليه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وحضره وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية والشباب والرياضة.
وقالت الحكومة إن هؤلاء المهاجرين "يقيمون في المركب الشبابي بالمرسى منذ أكثر من خمس سنوات بصفة غير قانونية مما تسبب في تعطيل نسق عمل المركب بسبب رفضهم التام مغادرة المكان".
واعتبرت منظمات حقوقية عدّة أن ترحيل طالبي اللجوء سابقة خطيرة تندرج ضمن سلسلة الانتهاكات التي تُمارس في حق المهاجرين بمشاركة السلطات الرسمية.
ومنذ نحو 5 سنوات، يستوطن عشرات المهاجرين من جنسيات مختلفة المركب الشبابي بالمرسى (شمال العاصمة)، بعد أن تم إغلاق مخيّم الشوشة (الجنوب التونسي) الذي خصصته سابقا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإيواء الآلاف من المهاجرين الفارين من الحرب الليبية، قبل أن يتحول إلى منطقة عسكرية مغلقة.

مهاجرون في وضعية لا إنسانية

آدم سليمان بشير (30 سنة) واحد من عشرات المهاجرين الذين يقطنون في هذا المركب الشبابي، قال لـ "سبوتنيك"، إنه فوجئ بقرار السلطات التونسية ترحيلهم إلى بلدانهم.
ويؤكد آدم وهو تشادي الجنسية، أنه هرب مثل المئات من طالبي اللجوء إلى ليبيا، ولكن الحرب هناك أجبرتهم على الانتقال إلى مخيم الشوشة الواقع على الحدود التونسية الليبية.
وتابع "سنة 2017، أقفلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيم الشوشة وقررت إخلائه بالقوة.. بعضنا رحل إلى البلدان الغربية مثل كندا وإيطاليا، وبعضنا عاد إلى بلده بعد أن استقر فيه الوضع. أما نحن الباقون ممن تشكل عودتنا إلى وطننا خطرا عى حياتنا فوعدتنا السلطات التونسية بتسوية وضعياتنا".
يقول آدم إن نقلهم إلى المركب الشبابي بالمرسى كان إجراءً وقتيا وبطلب من السلطات التونسية نفسها، وأنه منذ سنة 2017 وهم ينتظرون ترحيلهم إلى بلد آخر.
وأضاف:
"عددنا اليوم لا يتجاوز 25 شخصا من 6 جنسيات هي التشاد والسودان وغانا ونيجيريا وليبيا ومصر، وأعمارنا تتراوح بين 30 و51 سنة".
ويؤكد المهاجر التشادي أن ظروف إقامتهم في المركب الشبابي طوال هذه السنوات كانت سيئة، مضيفا "قدمت لنا الدولة التونسية الأكل في الأشهر الأربعة الأولى ثم انقطع عنا كل شيء. ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش على الهامش، ممنوعون من العمل ونقتات مما يقدمه لنا السكان. حتى أن المرض ذهب بأرواح اثنين منا".
ولفت آدم إلى أن السلطات التونسية اقترحت عليهم سابقا الانتقال إلى محافظة أخرى من محافظات الجمهورية ولكنهم رفضوا ذلك، على اعتبار أن وجودهم في العاصمة كان حلا وقتيا في انتظار فتح ملفاتهم.

قرار قمعي خطير

ويرى الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أن قرار ترحيل هؤلاء المهاجرين هو قرار "قمعي وخطير" في حق فئة مستضعفة تجاوزت وضعيتها الاستثنائية العشر سنوات.
وأضاف في تعليق لـ "سبوتنيك"، "حتى البلاغ الذي نشرته رئاسة الحكومة تضمن الكثير من الوصم والتمييز، ولا أفهم كيف لها أن تصفهم بالمهاجرين غير الشرعيين وتتهمهم بالاستحواذ على المركب بالقوة، وهي التي أعطتهم الموافقة الكاملة للإقامة فيه وأمرت باستقبالهم إلى حين إيجاد حل نهائي لوضعيتهم، بشهادة المسؤولين الذين تداولوا على إدارة هذا المركب".
غضب حقوقي من حملات تحريض تستهدف المهاجرين الأفارقة في تونس
ويؤكد بن عمر أن الدولة التونسية تعهدت منذ 2013 بتسوية الوضعية الإدارية لهؤلاء المهاجرين وتمكينهم من وثائق إقامة وإدماجهم في المجتمع التونسي، قبل أن يتم نقلهم إلى المرسى سنة 2017.
وتابع "عايش هؤلاء المهاجرون ظروفا إنسانية صعبة طوال السنوات التي قضوها في المركب الشبابي بالمرسى دون أي خدمات أساسية أو متابعة صحية أو نفسية، وهو ما تسبب في وفاة اثنين منهم. وعوض أن تلعب السلطات التونسية دورا في إيجاد حل جذري لهم، ها هي تفاجئنا بطردهم من البلاد".
ونبّه الحقوقي إلى أن قرار الترحيل ينتهك الاتفاقيات الدولية ويشكل خطورة على حياة هؤلاء المهاجرين، خاصة وأن بعضهم لهم مشاكل سياسية مع الأنظمة الحاكمة في بلدانهم.

المهاجرون... ضحية اتفاقات أوروبية جائرة

بدوره، استنكر رئيس جمعية الأرض للجميع التي تعنى بملف المهاجرين، عماد السلطاني، قرار السلطات التونسية القاضي بترحيل هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم.
وقال لـ"سبوتنيك"، "مثلما رفضنا ترحيل المهاجرين التونسيين من الدول الأوروبية بطريقة قسرية، نحن نرفض أيضا طرد هؤلاء من بلدنا، ونطالب بتسوية وضعياتهم خاصة في ظل غياب قانون يحميهم".
ويرى السلطاني أن السلطات التونسية استغلت الفجوة القانونية لترحيل هؤلاء المهاجرين واستغلتهم سياسيا للضغط على إيطاليا والاتحاد الأوروبي، قائلا إن "المهاجر تحول إلى سلعة تباع وتشترى".
وأوضح:
"تنص الاتفاقية الجائرة التي وقعتها تونس مع إيطاليا على قطع الطريق أمام المهاجرين وخاصة منهم الأفارقة للوصول إلى السواحل الأوروبية، وهو ما حوّل تونس إلى حارس أمني للحدود اللأوروبية".
وتساءل السلطاني: "كيف للدولة التونسية التي منعت هؤلاء المهاجرين من العبور إلى أوروبا وأدخلتهم إلى ترابها أن تصفهم لاحقا بالمهاجرين غير الشرعيين وتطعن في شرعية إقامتهم؟".
ويرى الحقوقي أن الدولة التونسية مطالبة بوضع ملف هؤلاء المهاجرين على الطاولة، مشيرا إلى أن الحل الجذري لوضعيتهم لا يمكن أن يكون تونسيا فقط، بل يجب أن يبنى على أساس التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وإيقاف الاتفاقيات القديمة.
وفي وقت سابق، دعت بعثة منظمة الهجرة الدولية في تونس إلى وضع خطة حكومية
وفي وقت سابق، دعت بعثة منظمة الهجرة الدولية في تونس لتقبل الوضع الجديد للمهاجرين المقيمين على أراضيها والمساعدة على التمكين الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة.
وتشهد تونس في السنوات الأخيرة توافدا مكثفا للمهاجرين خاصة من دول جنوب الصحراء (لا توجد أرقام رسمية بشأن عددهم)، غالبيتهم ينظرون إلى تونس كنقطة عبور نحو أوروبا.
مناقشة