أحكام عسكرية بسجن برلمانيين سابقين تثير جدلا في تونس ومخاوف من تطويع القضاء

تعيش تونس على وقع جدل واسع أثارته أحكام عسكرية تقضي بسجن برلمانيين سابقين عن حزب ائتلاف الكرامة المعارض بينهم محامون، مع التأكيد على النفاذ العاجل.
Sputnik
وأصدرت الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف العسكرية بتونس أحكاما تقضي بسجن رئيس حزب ائتلاف الكرامة والمحامي سيف الدين مخلوف سنة وشهرين، والنائب السابق بالبرلمان نضال السعودي 7 أشهر، و5 أشهر لكل من البرلمانيين السابقين محمد العفاس وماهر زيد.
كما حكمت على المحامي مهدي زقروبة بالسجن 11 شهرا مع النفاذ العاجل إلى جانب حرمانه من ممارسة المحاماة 5 سنوات. فيما قضت بعدم سماع الدعوى بالنسبة للنائب السابق عبد اللطيف العلوي.
ووُجّهت لهؤلاء تهم بالاعتداء على رجال الأمن في القضية المعروفة إعلاميا بحادثة "اقتحام المطار" التي جدت في 15 مارس/ آذار 2021. حيث نشب شجار بين أعوان أمن المطار ونواب ائتلاف الكرامة المذكورين ومحامين على خلفية تدخلهم لفائدة مسافرة تم منعها من مغادرة البلاد بسبب حملها لملاحظة "اس 17" الأمنية.
وعززت هذه الأحكام السجنية مخاوف المعارضة من استخدام القضاء لاستهداف الخصوم السياسيين، خاصة وأنها تتزامن مع سلسلة محاكمات لوجوه سياسية وحقوقية بارزة شملت السياسي المستقيل مؤخرا من أمانة التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والحقوقي ورئيس لجنة الدفاع عن القضاة المعزولين العياشي الهمامي، وقيادات من جبهة الخلاص الوطني على غرار أحمد نجيب الشابي وشيماء عيسى ورضا بالحاج وجوهر بن مبارك.
تونس… مطالبات لقيس سعيد بالوقف الفوري عن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري
لكن الرئيس التونسي ينفي هذه الاتهامات عنه ويؤكد في أكثر من مناسبة على ضرورة تفعيل المحاسبة ضد من تورطوا في انتهاك مؤسسات الدولة وتجاوز القانون من طرف أشخاص يقول إنهم استغلوا الحصانة البرلمانية للإفلات من المحاسبة.

خروقات قضائية واضحة

بالعودة إلى الأحكام السجنية، يؤكد عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية المطار سمير ديلو لـ"سبوتنيك"، أن محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري تمثل في حد ذاتها خرقا للقانون.
وأشار إلى أن جميع المواثيق الدولية تمنع محاكمة أشخاص في القضية ذاتها مرتين، مؤكدا أن قضية المطار كانت محل متابعة من القضاء المدني الذي أصدر قبل أشهر أحكاما بالسجن لثلاثة أشهر مع تأجيل التنفيذ، وقع استئنافها لاحقا.
وأضاف "لقد قدمنا للمحكمة العسكرية شهادة تفيد بأن الملف محل متابعة من القضاء المدني الذي بت في القضية، ولكن وقع تجاوز الأمر لأن الأحكام كانت جاهزة، والهدف منها هو الترويع".
بدورها أشارت المحامية إيناس الحراث إلى وجود خروقات قضائية واضحة في هذا الملف، مؤكدة أن القانون يمنع تطبيق النفاذ العاجل على حكم استئنافي، معتبرة أن هذا الإجراء ينم عن عدم احترام لمهنة المحاماة.
ولفتت الحراث إلى أن الجلسة كانت خالية من المرافعات ولم تتضمن معطيات دقيقة، قائلة "لم تحترم الجلسة ضمانات المحامي الذي من المفترض أن يقع إعلامه من قبل فرع المحامين ثم تحديد موعد للاستماع، ولكن مع حصل مع سيف الدين مخلوف هو الإيقاف مباشرة".
وكانت الشرطة التونسية قد اقتادت رئيس حزب ائتلاف الكرامة والمحامي سيف الدين مخلوف من منزله فجر السبت تنفيذا للحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف العسكرية.

ملاحقة للمعارضين

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، استنكر رئيس جبهة الخلاص الوطني والمعارض البارز أحمد نجيب الشابي تواصل ملاحقة المعارضين وما وصفه بتطويع القضاء ضدهم.
وقال "ما يحدث هو نسف لأسس العدل في تونس، فقضية المطار صدر فيها حكم نهائي بات ولا يوجد أي تشريع في العالم يسمح بإعادة محاكمة أشخاص من أجل نفس الفعل".
الغنوشي: تونس في خطر وندعو إلى حوار وطني ووقفة جادة من الحكماء والعقلاء
ونقل الشابي تخوف المعارضة من الوضعية التي أضحى عليها وضع الحقوق والحريات في تونس في عهدة الرئيس قيس سعيد، في ظل تكرر الملاحقات ومصادرة الحريات الأساسية، وفقا لقوله.
وأضاف "الأحكام السجنية المتعلقة بقضية المطار ليست معزولة، إذ سبقتها ملاحقات عدة شملتني أنا شخصيا وقيادات بارزة من جبهة الخلاص هي اليوم محل تتبع تحقيقي".
ويرى الشابي أن هذه الملاحقات والأحكام السجنية تؤكد وجود "إرادة لحصد رؤوس قيادات المعارضة المدنية والسياسية في البلاد"، مضيفا "صدور أحكام بالسجن مع النفاذ العاجل، إجراء يدل وحده على أن تونس تعيش مرحلة اغتيال الحرية وهدم الديمقراطية".

تطويع القضاء

بدورها، تعتبر عضو الهيئة السياسية لجبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى أن الأحكام الصادرة ضد البرلمانيين السابقين عن حزب ائتلاف الكرامة هي أحكام "ظالمة وجائرة".
وقالت في حديث لـ"سبوتنيك": "هذه الأحكام تكشف الوجه المتوحش لسلطة الانقلاب ومدى وضع يدها على القضاء".
وقبل أيام، مثلت عيسى أمام الفرقة الأولى لمكافحة الإجرام للحرس الوطني، على خلفية تصريح إعلامي أدلت به وتعرّضت في فحواه إلى قيادات الجيش وعلاقتهم بالتعليمات التي تصدر عن رئيس الدولة.
وتابعت:
"أنا أخضع الآن لمحاكمة عسكرية ومحكومة بتحجير السفر، وهو قرار صدر يوم 17 جانفي/ كانون الثاني أي قبل الاستماع لي بيومينن وهو ما يدل على أن تحجير السفر كان قرارا جاهزا مسبقا".
وأكدت عيسى أنها تواجه 6 تهم، من بينها التهجم على رئيس الجمهورية وارتكاب فعل موحش ضده والتحريض على المؤسسة الأمنية والعسكرية.
وترى عيسى أن هذه المحاكمة تستهدف جبهة الخلاص الوطني المعروفة بمواقفها السياسية المعارضة لقرارات الرئيس قيس سعيد، معتبرة أن الهدف منها هو الضغط من أجل تكميم الأفواه وإسكات الأصوات المعارضة.
وتنتقد منظمات حقوقية ومدنية بشدة ما آلت إليه وضعية الحقوق والحريات في تونس وتواصل محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وتطالب بتفعيل المحاسبة في إطار منظومة القانون واحترام أسس المحاكمة العادلة.
في وقت يؤكد فيه الرئيس التونسي أن الشعب وحده القادر على تشخيص الأوضاع وتحديد وصفات الدواء لمواجهة كل التحديات. وشدد خلال اجتماعه الأخير برئيسة الحكومة على ضرورة النظر في ملفات الفساد في العديد من القطاعات و"التصدي لكل المفسدين الذين يعتقدون أنهم فوق القانون".
ويحقق القضاء منذ فترة في العديد الملفات المتعلقة بالفساد والإرهاب، وطالت التحقيقات قيادات بارزة في حركة النهضة من بينها رئيس الحركة راشد الغنوشي ونور الدين البحيري ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض الذي يقبع في السجن بشبهة إرسال شبان تونسيين للقتال في سوريا بين 2011 و2013.
كما قرر القضاء التونسي تجميد أرصدة ومصادرة ممتلكات العديد من المشتبه بهم في قضايا تبييض أموال، من بينهم من هم على علاقة بحركة النهضة.
مناقشة