أصوات "المسحراتية" تملأ أزقة دمشق القديمة بعد 13 عاما على الغياب... صور وفيديو

"يا نايم وحد الدايم.. يا نايم وحد الله"، بهذه الدعوة الشهيرة في رمضان التي يصدح بها صوته الرنان، يبدد أبو محمد المسحراتي صمت ليالي أحياء دمشق القديمة، معلنا استئناف أحد الطقوس الصميمية التي افتقدتها العاصمة السورية خلال شهر رمضان المبارك، منذ الأشهر الأولى للحرب على سوريا.
Sputnik
قرب منتصف ليلة كل يوم من شهر رمضان، يخرج أبو محمد "المسحراتي" من باب منزله في حي "ساروجة" على أطراف المدينة القديمة، لينقر بعصاه الخيزران بضع نقرات فوق طبله الصغير، إيذانا ببدء جولته الرمضانية اليومية لإيقاظ الصائمين على "السحور".
يجوب أبو محمد قطاع عمله في حي "ساروجة"، كواحد من 42 "مسحراتيا" تم اعتمادهم رسميا من قبل محافظة دمشق هذا العام، للقيام بجولاتهم التراثية في أزقّة دمشق القديمة.
البسمة التي تعلو فم المسحراتي العائد إلى عمله بعد غياب، تفصح عما يساوره من شغف وحنين إلى الأزقة التي هجرها مرغما خلال الحرب.
أصوات "المسحراتية" تملأ أزقة دمشق القديمة بعد 13 عاماً على الغياب
يشعر مسحراتي حي "ساروجة" بسعادة غامرة وهو ينطلق في جولته الليلية اليومية، مفصحا لـ "سبوتنيك": "أشعر بالفخر لأنني أول مسحراتي يعود للعمل في حي ساروجه بعد توقف دام 13 عاماً نتيجة ظروف الحرب التي فرضت علينا التوقف عن جولاتنا".
ثمة دوافع كثيرة تفسر التعلق الشديد لأبي محمد بهذه المهنة الموسمية، فقد "ورثها عن أجداده، وبدأ العمل بها منذ أربعين عاماً"، كما أنها مفعمة بالمحبة "التي يكنها سكان الأحياء له ولأقرانه من (المسحراتية)"، مضيفا: "رغم وجود الهواتف المحمولة وأجهزة التنبيه الإلكترونية، إلا أن الناس يحبّذون الاستيقاظ على أصواتنا التي اعتادوها خلال الشهر الكريم".
قديمًا، كان للمسحراتية في أحياء دمشق القديمة ثلاث جولات، ولا يزال بعضهم يؤديها حتى يومنا هذا.
يحدثنا "أبو محمد" عن سابق عهد هذه المهنة: "الجولة الأساسية هي جولة السحور اليومية، أما الثانية فهي جولة المسحراتي في يوم العيد لتلقي (العيديات) من أهالي الحي، فيما الثالثة اندثرت مع الزمن، وكانت جولة يقوم المسحراتي على منازل أغنياء الحي، لجمع المساعدات لفقرائه".
تبدلت الأزمان، وبقيت مهنة (المسحراتي) حيّة كروح متجددة تأبى مغادرة أحياء دمشق القديمة، فبالرغم من أنها لم تعد حاجة عملية لا يمكن الاستغناء عنها للاستيقاظ على "السحور"، وخاصة بعد انتشار وسائل التنبيه البديلة، إلا أن بقاءها يختزن ويستمد نسغه من جعبة عاطفية تتشابك فيها ذكريات الأزمنة العزيزة على قلوب السوريين ما قبل الحرب، مع حكايا الشرق الساحرة التي تراكمت عبر تاريخه التراثي الطويل.
أصوات "المسحراتية" تملأ أزقة دمشق القديمة بعد 13 عاماً على الغياب
أبو رياض، أحد أهالي حي ساروجة يقول لـ "سبوتنيك": "صوت المسحراتي طقس من طقوس رمضان، نتوق إلى سماع نداءه المتمم لأجواء الشهر الفضيل، هو ذكرى محفورة منذ الطفولة حين كنا نستيقظ على صوته".
ويضيف الرجل الخمسيني: "نحن أهالي دمشق القديمة ما زلنا نحافظ على تراث الأجداد حتى في ملابسنا"، مبيناً أن تاريخ المسحراتي من قِدم مدينة دمشق، ينشر البهجة والسرور في قلوب الأطفال الذين ينتظرون قدومه مطلقين عليه لقب (أبو طبلة)".
في أيام الحرب، كانت القذائف التي يطلقها الإرهابيون من الريف القريب للعاصمة السورية، تنهال على أحياء دمشق بشكل عشوائي وبأزمنة غير متوقعة، ما اضطر المسحراتية للتوقف عن قرع طبولهم في ليالي دمشق، قبل أن تبدأ عودتهم تدريجيا هذه الأيام.
يتوسم أبو رياض خيرا بعودة "المسحراتي" إلى حيّه كتلميح إلى نهاية أيام الخوف، مختتما حديثه بالقول: "سنوات الحرب حدت من استمرار عمل المسحراتي لِما كان هناك من خطورة في عمله".
أصوات "المسحراتية" تملأ أزقة دمشق القديمة بعد 13 عاماً على الغياب
ليس للمسحراتي في سوريا مردود مادي ثابت لقاء مهنته في إيقاظ الناس على "السحور"، فقط ينقر على طبلته طوال شهر رمضان المبارك، وفي الليلة التي تسبق عيد الفطر، يقوم بمعايدة الأهالي منتظرا إكراميته منهم.
يقول عضو المكتب التنفيذي لمحافظة مدينة دمشق، قيس رمضان: "مهنة المـسحراتي يجب أن تحصل على ترخيص لمزاولتها خلال الشهر الفضيل".
وبين قيس رمضان في تصريح لـ "سبوتنيك" أن "المحافظة استقبلت هذا العام 42 طلبا لمزاولة مهنة المسحراتي خلال الشهر الكريم، وقد تم إرسالها جميعا إلى قيادة الشرطة لاستكمالها ومنح التراخيص اللازمة لمزاولتها".
وأشار رمضان إلى أن المـسحراتي "ليس له أجر شهري فعمله خلال شهر واحد فقط، واعتماده يكون على ما يقدمه له أهل الحي من عيديات وإكراميات لقاء تعبه طيلة شهر رمضان".
مناقشة