مسألة إيجابية اتفاق الفاعلين الدوليين والإقليميين على أنه لا يمكن إطفاء الحروب في سورية واليمن وليبيا، إلا من خلال حلول سياسية تراعي وتلبي مصالح جميع المكونات المجتمعية في تلك البلدان، والحالة العراقية تشترك مع البلدان الثلاثة في أن توحيد الجهد الوطني في مواجهة (داعش)، وكذلك في النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية، يحتاج إلى توافق سياسي بين العراقيين، على أرضية مصالحة وطنية للأسف تأخرت كثيراً.
ورشة العمل الدبلوماسية — إن صح التعبير — الواسعة والمكثفة التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيريه الأميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير، واللقاءات الثنائية التي شملت وزير الخارجية القطري خالد العطية ومسؤولين خليجيين آخرين، أكدت على أولوية الحلول السياسية، وعبثية المراهنة على الحلول العسكرية. إلا أن ورشة العمل لم تنتج عنها توجهات مشتركة، لو صدرت يمكن دعمها بخطط وروافع وأدوات لتنفيذها، وبالتالي من الصعب الحديث عن ترجمة عملية لاتفاق وجهات النظر على تسوية الأزمات بوسائل دبلوماسية.
ورغم اختلاف شدة ونوعية الأزمات، في سورية والعراق واليمن وليبيا، وبالتالي فرص الحلول الممكنة لكل أزمة على حده، والفتح لاحقاً على المشترك فيها لاسيما سورية والعراق في مواجهة تنظيم (داعش) والتطرف بكل أشكاله، لم يحصل أي تقدم عملي يذكر على صعيد أي ملف من الملفات الأربعة، واقتصرت النتائج على إعلان مواقف عامة غلب على الكثير منها طابع المداورة، في تصريحات يفهم منها الشيء ونقيضه.
حقيقة تستدعي أن تغير الأطراف الداخلية للصراعات من سلوكها، والحال نفسه ينطبق على أطرف دولية وإقليمية فاعلة، فإعلان أي طرف عن دعمه لتسوية سياسية لا قيمة له على أرض الواقع دون إبداء استعداد للانخراط في التسوية، وما يترتب على ذلك من مرونة للوصول إلى قواسم مشتركة، مدخلها تقديم تنازلات مؤلمة، لكنها في المحصلة أقل إيلاماً من الاستمرار في حلقة مفرغة من العنف الدموي.
وليس من الصعب على أي طرف من أطراف الأزمات أن يدرك أهمية المرونة في مواقفه، فنتيجة الحروب يجب أن تقاس من بوابة الإجابة على سؤال: ماذا بشأن اليوم التالي للحرب؟ فكسب المعركة في الميدان لا يعني دائماً أن من كسبها قد انتصر، خاصة في الحروب الأهلية، التي يكون الجميع فيها خاسرين، لأن الوطن يخسر، وربما يخسر الجميع وطنهم ووحدتهم كشعب، بتقسيم البلاد إلى مجموعة دويلات متحاربة، وتحويل أبناء الوطن الواحد إلى ضحايا لعداوات مفتعلة.
تغير السلوك يتطلب الاستثمار في الحقل الدبلوماسي، وتوحيد القوى خدمة لجهد مشترك، وتوقف المنخرطين في الحروب والصراعات عن الدور السلبي الذي يمارسونه فيها، باحتكام الأطراف الداخلية للمصلحة الوطنية، واحترام الأطراف الخارجية لالتزاماتها وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية، وفي المقدمة من تلك الأطراف الولايات المتحدة الأميركية، التي تلعب على حبال الأزمات في سورية والعراق واليمن وليبيا على حد سواء، كما يقول المثل الشعبي بـ"بصب الزيت على النار"، وتقوم بعملية خداع متواصلة منذ أعوام، تجعل من المتعذر تصديق ما تقوله إدارة أوباما، فالخطاب السياسي والدبلوماسي الأميركي، تجاه الصراعات المحتدمة في البلدان الأربعة، يتسم بالتناقض المقصود، لأن واشنطن لا تريد الانخراط في مبادرات بناءة لتسوية الصراعات بوسائل دبلوماسية.
وبانتظار تغير سلوك الأطراف الداخلية، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، سيبقى الغموض سيد الموقف في الأزمات العربية الساخنة، وسيطول انتظار قطار التسويات السياسية، التي نأمل أن لا تصل إلى محطاتها قبل فوات الأوان… ومن مسؤولية الجميع العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووقف الحروب المدمرة، وهو معطى لا يبدو أنه سيكون بمتناول اليد في المدى المنظور.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)