ويجسد المشهد في الجمهورية العربية السورية كل هذه الحقائق، حيث تنتشر عناصر "اللا دولة" بدعم من الولايات المتحدة التي خصصت 500 مليون دولار، وتقاعس التحالف الدولي الذي تقوده وحلفائها في المنطقة عن وقف تدفق العناصر الإرهابية إلى الداخل السوري، ووقف توسع التنظيم في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وعجزهم عن احتواء الملايين من المهاجرين والنازحين بسبب الممارسات الوحشية للإرهابيين.
ومعلوم أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول هو من المبادئ الأساسية العامة في القانون الدولي، والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق جامعة الدول العربية. ومفهوم التدخل طبقاً للقانون والمواثيق الدولية يعني تعرض دولة لشؤون دولة أخرى باستعمال القوة أو تمويل ودعم النشاطات المسلحة والإرهابية لتغيير نظام الحكم فيها. وبالتالي فهو يؤدي إلى تقييد حريتها والاعتداء على سيادتها واستقلاها السياسي، وهو أمر يتنافى مع قواعد القانون الدولي.
وطبقاً لقواعد القانون الدولي المعاصر، فإن حالة التدخل تكتسب شرعية قانونية وتتفق مع مفهوم القانون الدولي المعاصر في حال تمت استجابة لطلب من حكومة شرعية، وهذا ما ينطبق على قرار روسيا إرسال قواتها الجوية إلى سوريا بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد، الذي تحظى حكومته بشرعية دولية، حيث تمارس بعثة الجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة عملها ممثلة للشعب السوري في المنظمة الدولية ولا تزال العلاقات السياسية تتفاعل مع العشرات من الدول حول العالم باستثناء القليل من الدول التي تسير في ركب الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل كل هذه الأجواء، تأتي الجهود الروسية السياسة والعسكرية، في إطار استراتيجية حقيقية لمكافحة الإرهاب، بما يتفق وقواعد القانون الدولي المعاصر، وميثاق الأمم المتحدة، لمواجهة الخطر الذي يهدد مستقبل شعوب المنطقة التي ترتبط بروابط تاريخية مع الشعب الروسي، حفاظاً على السلم والأمن الدوليين، وذلك على خلاف تلك الإجراءات والعمليات العسكرية والممارسات التي ينتهجها التحالف الذي تقوده واشنطن بحجة محاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.
ومعلوم أن كافة القرارات التي تم من خلالها فرض عقوبات وقطع العلاقات مع الدولة السورية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج وأوروبا، جاءت منفردة ولم يصدر بها قرار من مجلس الأمن الدولي المعني بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة وملزم لكافة الدول الأعضاء.
وبناء على ذلك، فإن ما يجري من ضربات جوية للتحالف الأمريكي لضرب ما قالت عنه "مواقع لتنظيم داعش" في العراق وسوريا، فإنه يتم دون تفويض مجلس الأمن، وبالتالي فهو يعتبر انتهاكاً للسيادة السورية، ومخالف لميثاق الأمم الشرعية الدولية.
تستهدف الضربات الجوية الروسية في سوريا أماكن تجمع العناصر الإرهابية والبؤر المتطرفة، وأن أي محاولات تشويش على دقة العمليات يأتي في إطار ردود الفعل على التحرك الروسي الذي كشف الخديعة الكبرى التي يمارسها التحالف الدولي في محاربة تنظيم "داعش"
لطالما دعت روسيا إلى توحيد الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب الدولي، محذرة من خطر تلك الجماعات على خطط التنمية المستدامة التي تتبناه الأمم المتحدة للنهوض بالاقتصاد الدولي، كما أنها طرحت مبادرة تدعو إلى تجفيف منابع الإرهاب ومعالجة الأسباب الحقيقية لتنامي هذه الظاهرة، ووقف تدفق العناصر التي تنضم إلى هذه الجماعات، بالتعاون مع الحكومات الشرعية للدول وفي ضوء احترام سيادتها.
