ألقى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خطابه الأخير حول حالة الاتحاد، مساء الثلاثاء الماضي، لكن ورغم أنه حظي بتغطية واسعة وضخمة في وسائل الإعلام الأميركية، خلال فترة الذروة في متابعة الأميركيين للقنوات التلفزيونية عادة، إلا أن الاهتمام بما جاء في الخطاب كان ضعيفاً جداً، وعلى المستوى العالمي لم يتجاوز الاهتمام بالخطاب تغطية فقرات محدودة منه، ليس لأنها مهمة بل لأنها مثيرة للاستغراب.
من تلك النقاط، تأكيد أوباما أن الحديث عن تراجع الاقتصاد الأميركي حديث خيالي "مجرد خيال سياسي"، وأنه لا يوجد ما يدعو الأميركيين للخوف من المستقبل، كما كرر أوباما مقولات أسلافه بأن "الولايات المتحدة الأميركية هي أقوى أمة في العالم"، مغفلاً التغيرات الكبرى التي تجري على المسرح العالمي، وأعاد أوباما تعهده، وبشكل خجول، بإغلاق معتقل غوانتانامو بجزيرة كوبا، غير أن تغييب الشأن السياسي الخارجي كان الملاحظة الأبرز في الخطاب الذي ركَّز على القضايا الداخلية، لكنه لم يخالف التوقعات، لأنه ليس من مصلحة أوباما تقديم كشف حساب عن السياسات الخارجية الأميركية، خلال سبع سنوات قضاها في البيت الأبيض.
العنوان العريض في فشل السياسات الخارجية لأوباما وأركان إدارته، في الولايتين الرئاسيتين له، التخبط في منطقة الشرق الأوسط، على ضوء الموقف من الحراكات الشعبية المعارضة، والصراعات والنزاعات الدموية، التي نشبت في بعض البلدان العربية، واستمرار الخلل التاريخي في مواقف الولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية، والصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، مما شكّل خيبة لكل من بنوا آمالاً كبيرة على أوباما وإدارته في مطلع ولايته الأولى، وأعادوا الرهان على احتمال حصول تغيير في ولايته الثانية، لاعتقادهم أنه سيكون متحرراً من ضغوط الانتخابات، غير أن أداء أوباما وإدارته كان أسوأ في الولاية الثانية، ووفقاً لتقييم أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة تراجع دور واشنطن كثيراً، إلى درجة اقتربت فيها من فك ارتباط غير معلن بخصوص الملفات الكبرى في الشرق الأوسط.
للتذكير، خرجت السياسة الشرق أوسطية لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خالية الوفاض، بعد فترتين ولايتين أعطت فيهما لحل الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي اهتماماً كبيراً، من حيث الحركة الدبلوماسية، لكن موقف كلينتون وإدارته بقي يراوح في مكانه إزاء الصراع وسبل البحث عن تسوية له. وعندما وصلت العملية السياسية والتفاوضية إلى طريق مسدود في الرابع من أيار/مايو 1999، بانتهاء المرحلة الانتقالية دون تنفيذ إسرائيل للاستحقاقات المترتبة عليها، وممانعة الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه في أرضه والسيادة عليها، وتصديه للاستيطان الإسرائيلي الزاحف على ما تبقى من الأرض الفلسطينية بأيدي أصحابها الشرعيين، كرست إدارة كلينتون جُلَّ اهتمامها في عامها الأخير للتحايل على الاستعصاء بمقترحات وحلول تعيد إنتاج المشاريع الإسرائيلية والأميركية بحلة جديدة، وكانت في هذا السياق مقترحات كلينتون في مفاوضات "كامب ديفيد2" تموز/يوليو عام 2000، ومفاوضات "طابا" كانون أول/ديسمبر عام 2001.
وفي الأشهر الأولى من ولايتها الأولى، رفضت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بذل أي جهد لإنقاذ العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، لتحدث نقلة تراجعية كبيرة في مسيرة العملية السياسية، حيث استغلت حكومة شارون (حينها) الاندفاع العسكري الأميركي والحملة الإرهابية الأميركية الشاملة بعد هذه الأحداث، في مسعى لتطويق الانتفاضة الفلسطينية وإخمادها بالقوة، تمهيداً لفرض برنامج تصفوي للقضية الفلسطينية، يتوافق مع الرؤية والأجندة الإسرائيلية للحل النهائي، ولقي هذا التوجه الشاروني دعماً مطلقاً ومعلناً من إدارة الرئيس بوش الابن.
وبقيت إدارة الرئيس بوش الابن مصرة على أسلوب تحريك العملية السياسية في دائرة مفرغة لإعياء الفلسطينيين، لذلك وصل "لقاء أنابوليس" الذي دعت إليه ورعته الولايات المتحدة الأميركية خريف عام 2007 إلى طريق مسدود قبل أن ترى قراراته النور، لأنه نتيجة تعنت المواقف الإسرائيلية، والتواطؤ الأميركي معها، لم يستطع أن يفتح على عملية سياسية جدية، أو امتلاك شروط التحول إلى مؤتمر سلام حقيقي. الأمر الذي وضع العملية السياسية والتفاوضية مجدداً في ذات الظروف التي أفشلتها بعد انطلاقها في مدريد خريف العام 1990.
ولذلك؛ فإن ما وقع في "أنابوليس" قفزة نحو المجهول، وخطوة بلا رصيد، سلطت ضوءا ساطعاً على المعضلة المزمنة لمشاريع وخطط التسوية السياسية والعملية التفاوضية، والتي تتلخص بالاستفراد الأميركي والتواطؤ مع السياسات الإسرائيلية، وهو الذي أصرت عليه لاحقاً إدارة أوباما، فكان من الطبيعي أن تنتهي سياساتها الشرق أوسطية إلى الإفلاس، مثلما انتهت إليه إدارتا كلينتون وبوش الابن، لأنها استندت دائماً إلى مرتكزات عرجاء… وللحديث بقية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)