لا تنتظروا شيئاً من زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسالة علنية وجهها مسؤول كبير في البيت الأبيض لرئاسة السلطة الفلسطينية ولكل الحكومات العربية المعنية بالملف الفلسطيني، فالجولة التي بدأها بايدن ليس من الوارد أن تؤدي إلى انفراجة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأن نائب الرئيس الأميركي لا يحمل معه أي مقترحات أو توصيات يمكن أن يقدمها للحكومة الإسرائيلية أو السلطة الفلسطينية أو الحكومة الأردنية، ووفقاً لما صرح به مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحفيين سيركز بايدن خلال جولته على "زيادة التعاون في عدد من القضايا من بينها القتال ضد تنظيم "داعش" والصراع السوري…". كما سيبحث في "مصالح أميركية تتعلق بالاقتصاد والطاقة… والقضايا الأمنية المتعلقة بإيران…".
جولة بايدن ستشمل دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل ورام الله، وبالنظر إلى الأهداف المعلنة للجولة يبدو أن زيارته لرام الله، ولقاءه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لن تكون أكثر من رفع عتب ومجاملة، لكن ثمة تقديرا بأن سلبية الإدارة الأميركية تجاه الفلسطينيين لن تقف عند هذا الحد، فليس من المستبعد أن يعمد بايدن للضغط على عباس لمنع السلطة من التوجه إلى الأمم المتحدة مرة أخرى، أو التفكير بتنفيذ تهديدها بمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، ولن ينسى نائب الرئيس الأميركي إعادة التأكيد على موقف واشنطن المعادي للمصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
في المقابل لن يبخل بايدن على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتشديد قولاً وعملاً على متانة العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، وانحياز واشنطن المطلق إلى جانب تل أبيب، ودعمها عسكرياً لضمان تفوقها، وتوفير غطاء سياسي لها لمنع محاسبتها من قبل المجتمع الدولي، ناهيك عن الدعم الاقتصادي. وعدم مناقشه مع نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين الذين سيلتقي بهم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واقتصار ما سيبحثه معهم على "الصراع السوري والحرب ضد تنظيم داعش" فقط، مما يعكس توجهاً خطيراً في السياسات الأميركية تجاهر فيه واشنطن بالتجاهل التام للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والسعي مرة ثانية لإدماج إسرائيل في المنطقة، دون شرط تسوية الصراع معها، من خلال الأزمة السورية والحرب على تنظيم "داعش".
وبقراءة ما خلف سطور تصريح المسؤول الأميركي، المشار إليه، يريد البيت الأبيض التذكير بأن إسرائيل مازالت مخلباً للولايات المتحدة في المنطقة، يستخدمها ضد أعدائها وحلفائها على حد سواء، ورغم ما يشاع عن خلافات حادة وعميقة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، أو بين الأخير شخصياً والرئيس أوباما، يظل الدور الإسرائيلي في المنطقة في خدمة الاستراتيجيات الأميركية، التي يرى صانعوها أن الحفاظ على إسرائيل قوية إحدى ركائزها في الشرق الأوسط.
النتائج المتوقعة من زيارته للعاصمة الأردنية عمان ليست بأفضل حالاً، فالأردن هو الأكثر تأثراً بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والصراع في سورية والعراق، ومن المرشحين بقوة للاستهداف من قبل تنظيم "داعش"، كما يواجه ظروفاً اقتصادية سيئة، بالإضافة إلى ما يترتب على استقباله لعدد كبير من اللاجئين السورين. وفي كل الملفات المذكورة لا يحمل بايدن معه جديداً ذا طبيعة ايجابية يمكن للأردن أن يستفيد منها.
عدم امتلاك بايدن لمقترحات أو توصيات، أو على الأقل رؤية خاضعة للنقاش والتشاور، تحول جولته إلى مجرد نزهة شرق أوسطية، المحطة الأقل إحراجاً فيها زيارة دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنها لن تساهم في تقليل التوتر بين دول الخليج العربية وإيران، ولا البحث عن تسوية سياسية للحرب في اليمن، ولا في تهدئة من المخاوف الاقتصادية والأمنية التي تواجهها دول المنطقة، بل من شأن زيارة بايدن أن تكون لها مفاعيل عكسية، لأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة حل أزمات المنطقة، بل من مصلحتها الإبقاء عليها لنهب ثروات شعوبها، عبر تحويل بلدانها إلى سوق للسلاح الأميركي، وإلى زبون دائم لدى واشنطن لتأمين حمايتها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)