"الإيد البطالة نجسة"…مثل شعبي، كان أول ما خطر على بال عم حسن ليبدأ حديثه معنا، فهو يرى أن جلوسه بلا عمل هو أمر مشين، لذلك اختار أن يخرج إلى الشارع، ويتاجر في السلعة التي يفهم فيها، فهو منذ صباه محترف "قلي الطعمية"، ولكن سوء حظه والغلاء منعاه من الحصول على محل خاص به يبيع فيه.
حسب عم "حسن"، فإنه اختار أن يبيع "الطعمية" في منطقة المؤسسة، لأنها منطقة كبيرة، سيحصل فيها على عدد كبير من الزبائن، ورغم بعض المضايقات التي يتعرض لها، إلا أنه يحصل على رزق يكفل له حياة كريمة.
يختار المارة والركاب في موقف السيارات، الذي اختار عم "حسن" أحد أرصفته لوضع المنضدة عليه، أن يتناولوا إفطارهم هناك، قبل أن يتجه كل منهم إلى عمله، فمن الممكن أن يحصل الشخص الواحد على وجبة كاملة تتكون من عدة سندويشات من الفلافل، بالإضافة إلى المقبلات الشعبية، كالسلطة والمخللات، بسعر لا يتجاوز 5 جنيهات، وهو رقم ممتاز بالنسبة لحالة الغلاء التي تشهدها مصر حالياً.
يقول عم حسن لـ"سبوتنيك": "الجميع يحبونني في هذه المنطقة، ولا أحد يتعرض لنا بسوء، ولكننا في بعض الأحيان نضطر إلى جمع حاجياتنا والهرب من المكان، إذا كان هناك أحد الشخصيات الهامة يمر في المنطقة، أو إذا قامت إحدى الحملات الشرطية بالتواجد، خاصة أننا نعمل خارج الإطار الرسمي، أي بلا ترخيص لمزاولة العمل أو شهادات صحية، وهو أمر يجرمه القانون.
الأدوات التي يضطر عم حسن في كل مرة إلى حملها، لا تتجاوز حاملين لوضع "الطعمية" و"الباذنجان" فوقهما، وطبقين كبيرين أحدهما للسلطة والآخر للمخللات، بالإضافة إلى طاولة صغيرة يضع عليها هذه الأطباق، وموقد صغير وأسطوانة بوتاغاز، حسب صاحبها، يعتبرها القانون خطراً على المواطنين لأنها يمكن أن تنفجر ولكن "أكل العيش مر…ومحدش بياكلها بالساهل"، حسب قوله.
حسب إبراهيم، هو غير معين، ولا يمكن اعتباره واحداً من طاقم العمل في محطة الوقود، بل إنه — ومجموعة من زملائه- بينهم وبين صاحب محطة الوقود اتفاق على أن يعملوا بلا أجر، ولا يحصلون إلا على "البقشيش" من أصحاب السيارات، الذين يأتون لملء خزانات سياراتهم بالبنزين، ويتركون الباقي، أي جنيهات معدودة، يقتسمها الجميع.
يقول "في آخر اليوم من الممكن أن يحصل كل شخص على 50 جنيها، تكون هي مصاريفه الشخصية إذا كان أعزباً، أو مصاريف بيته إذا كان متزوجاً، فلا أحد منا يحصل على راتب من المحطة، وهو الاتفاق الأساسي بيننا وبين صاحبها، فهو يمنحنا الزي الخاص بالمحطة، ونحن ندير كل شيء، ونقتسم البقشيش في نهاية اليوم، والمعينون بشكل رسمي قليلون جدا".
أصحاب المؤهلات العليا والمتوسطة، ممن لم يوفقوا في الحصول على عمل حكومي، بعضهم اتجه إلى القطاع الخاص، وآخرون — وهم الموسرون- وجدوا أن العمل الخاص جدير بهم، ويحميهم من مشاكسات أصحاب العمل، ولكن هؤلاء الذين لا يملكون ما يفتتحون به مشروعهم الخاص، أو من يساعدهم في الحصول على وظائف، اختاروا لأنفسهم أعمال أخرى.
"سيد"، وهو اسمه الحقيقي، حاصل على دبلوم زراعي، وجد وظيفته بالصدفة، فبينما هو واقف في شارع 26 يوليو بوسط القاهرة، وجد شخصاً يحاول أن "يركن" سيارته في منطقة نصف خالية من السيارات، فساعده في ذلك بالتوجيه فقط، وبعد أن انتهى من مهمته النبيلة، فوجئ بمبلغ مالي يوضع في يده، فقد اعتبره مالك السيارة "سايساً"، ومنحه 10 جنيها، في عمل استغرق دقيقتين!
وحسب الشاب العشريني، فإنه قرر أن يتفاهم مع غريمه، الذي تجاوب معه، فاتفقا على تقسيم هذا الجزء من الشارع، واعتبراه منطقة خاصة بهما، لركن السيارات وحمايتها، والحصول على مبالغ مالية من أصحاب السيارات، حسب الفترة الزمنية لتوقف كل سيارة، فأصبح سعر ساعة وقوف السيارة 5 جنيهات.
يضيف "الشغلانة بتجيب فلوس كتير، بس كمان بتجيب مشاكل، فيه ناس كتير بتحاول تقسم معانا في رزقنا علشان يسيبونا في حالنا، لكن في الآخر اسمنا شغالين، أحسن من القعدة في البيت، والرزق بيحب الخفية".
خليل وسامية، ذهبا إلى أحد المساجد، في منطقة عامة، هي منطقة مجمع مواقف الأقاليم، واتخذا مجلسيهما داخل فناء الحمامات، حيث جلست الزوجة على باب دورة المياة الخاصة بالرجال، وجلس زوجها عند باب دورة مياة السيدات، يحصلان على مبلغ مالي من كل شخص يقضي حاجته!