نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطبيعة الحال لم يكن خبراً غير منتظر على الرغم من أن بعض القوى الإقليمية على الصعيدين الرسمي والشعبي كانت قد تمنت علناً أن لاينجح أردوغان في البقاء بالسلطة نظراً لرفضها لسياسات أردوغان تجاهها ، وهنا يدور الحديث على وجه الخصوص عن الجار السوري الذي كان يعلق إلى حد ما حسب الظاهر آمال في نجاح قوى تركية معارضة لهذه السياسات وتنظر بعين الترقب وتتفكر بالطريقة التي يجب عليها التعامل مع الرئيس أردوغان في حال نجح في البقاء في سدة الحكم لما كان ومازال لتركيا من دور كبير في إطالة عمر الأزمة في سوريا سياسياً وعسكرياً وإجتماعياً بشكل يخدم المصالح التركية.
وبالتالي ومن هذا المنطلق لابد من محاولة الإجابة على عدد كبير من التساؤلات التي تطرح نفسها أمام هذه المرحلة الجديدة وأهمها:
هل يمكن أن يكون بقاء أردوغان سدة الرئاسة يخدم مصلحة تركيا الإقليمية والدولية على مبدأ من تعرفه خير ممن تتعرف عليه؟
ماهي السياسات التي يمكن أن يتبعها أردوغان تجاه الوضع الداخلي والإقليمي والدولي وخاصة تجاه الأوضاع في سوريا؟
ما لذي تنتظره سوريا هل تنتظر تغيرات فعلية في سياسته تجاه الملف السوري وكيف ستتعامل سوريا مع نجاح أردوغان والذي لم يكن أمراً مفاجئا بالأصل؟
هل هناك تخوف فعلي من سياسات أردوغان في ظل النظام الرئاسي الجديد الذي سيبسط يده بشكل ىشبه كامل على السلطة، وهل سيصبح التعامل معه أصعب من ذي قبل؟
هناك الكثير من التسريبات التي تتحدث عن مخاوف من سعي أردوغان لتنفيذ بعض السياسات التي يمكن أن تكون في غير صالح العلاقات التركية الإقليمية خاصة مع سوريا وتحديداً حول تسريبات تؤكد نية أردوغان ضم منطقة عفرين السوريا إلى تركيا من خلال إستفتاء شعبي؟
بالمجمل مالذي ينتظر تركيا والمنطقة في ظل عهد جديد لحزب العدالة والتنمية ؟
الباحث والمختص بالشأن التركي وخبير "أورسام" للأبحاث الإستراتيجية في أنقرة دانيال عبد الفتاح يرى أن:
"عندما ينجح أردوغان بنسبة خمسين بالمئة أو أكثر بقليل يعني أنه حاز دعم عدد نصف عدد الناخبين، ما يعني أن النصف الثاني من الناخبين لم يصوت له وهو في الحقيقة يكن العداء له، ولانقول فقط يرفض سياسات أردوغان بل يمكن أن نقول أن هناك عداء حقيقي من هذا النصف الآخر من الشعب التركي لسياسات أردوغان، الرئيس أردوغان لن يقدم الشيء الجديد وسيستمر في الدفاع عن نفسه وسياسته لجهة العمل لصالحه ولصالح دولته وشعبه كما هو يعتقد طبعاً بأنه يعمل لصالح تركيا وأنه الرئيس الأحسن ويقدم الأفضل، وفي الحقيقة في حالة أردوغان يكون بالفعل من تعرفه أفضل من الذي قد تتعرف عليه، وخاصة أن قوى المعارضة كانت قد وعدت بمشاريع إصلاح سياسي واقتصادي وغيرها مشاريع أخرى بخصوص الموقف تجاه الأوضاع والعلاقة مع الجار السوري كأن تعيد العلاقات إلى مجراها مع سوريا وأن تحل مشكلة اللاجئين وإعادتهم إلى سوريا، وتعهدت بالعمل على تحسين العلاقة مع الجيران".
وأردف عبد الفتاح:
"بالمجمل المعارضة تعهدت بالقيام بسياسات تخدم مصلحة تركيا كدولة وكشعب وتخدم مصالح البلدين ولكنها تبقى مجرّد تعهدات في مرحلة انتخابية ومع ذلك نحن لاندري مدى مصداقيتها ومدى قدرة المعارضة فعلياً على تنفيذها أو حتى إمكانية تحقيقها، وحتى لو كانت فيها مصداقية عالية لنفترض ذلك، لكن لا نعرف الضغوط الداخلية، الدولة التركية، النظام السياسي في تركيا التعهدات التركية السّرية التي تم قطعها للولايات المتحدة، علاقة تركيا بحلف الناتو والمعاهدات التي وقعت عليها تركيا مع الولايات المتحدة ومع الناتو كل هذا في العلاقات الدولية وفي السياسية هو يبقى أمراً غامضاً إلا إذا اختبرناه على أرض الواقع، الجانب السوري هو الذي يحتاج الى تغيير في تركيا وهو الذي يحتاج الى تغيير وجهة نظر أردوغان وهو الذي يحتاج الى إعادة العلاقة على الأقل أو ابعاد الأضرار عن سوريا، سوريا لديها الكثير من الآليات والكثير من الأدوات التي تعمل عليها.
سوريا ميدانيا في العمل العسكري والأمني والعمل السياسي والدبلوماسي وعلى مستوى علاقتها مع إيران ومع حزب الله وعلاقتها المتوترة مع إسرائيل، علاقتها المقربة جداً مع روسيا يمكن أن تستطيع سوريا تحقيق الكثير في تغيير وجهة ودفة السياسة التركية بالاتجاه الصحيح، وفي المستقبل على سوريا أن تتعامل مع الوضع المستجد ومع سياسات أردوغان على هذا الأساس ".
أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسي السوري السابق لدى تركيا الدكتور بسام أبو عبد الله يرى أنه "ما من شك أن نتائج الانتخابات ليست فائقة وهذه ليست نسبة عالية تدل على نسبة حسم كبير على مستوى الساحة التركية، لكن هذا أيضا لايؤشر إلى قوة أردوغان وإنما أيضاً إلى ضعف معارضيه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذا يعكس استمرار الصراع الداخلي والإنقسامات على عدة ملفات، منها الملف الداخلي المرتبط بشكل النظام السياسي هل هو برلماني؟ أم هو رئاسي ؟ وأردوغان بعد أن نجح في الانتخابات الحالية، هل سيطبق النظام الرئاسي؟"
وهذا الملف كان عليه انقسام كبير عليه، لأن انتخابات حزيران 2015 كانت مؤشر أول لحزب العدالة والتنمية الذي خسر الانتخابات البرلمانية ما أضطر أردوغان لإعادة الانتخابات، إذاً هناك إنقساماً في الشارع التركي على الملفات الداخلية والخارجية، وفعلاً المعارضة التي لم تقدم برامج واضحة فيما يتعلق بكفية تعاطي تركيا مع المشاكل الإقليمية وخاصة كيف ستتعامل مع الملف السوري ووجود تركيا الإحتلالي داخل الأراضي السورية؟
وكيف ستكون أسس النظام العلماني وكيف ستعيده؟
كيف سوف تتعامل مع ملف الحريات؟
كل هذه النقاط الإشكالية لم تكن واضحة في برنامج المعارضة سوى ببعض التصريحات العامة التي إستمعنا إليها".
وأضاف الدكتور أبو عبد الله
"هناك مخاوف تركيبة حقيقة فيما يتعلق بالدعم التركي لما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية وهذه كانت نقطة خلاف أساسية بين تركيا وأمريكا، وهذه القضية لن تحل بقضية منبج لأن هناك حديث يدور عن شرق الفرات ، بكل الأحول سوريا تنظر إلى هذه التفاهمات التركية الأمريكية على أنها خارج اطار القانون الدولي لكن مرة أخرى يثبت الأخوان المسلمون أو تلك القوى التي ترحل إلى شمال سوريا هي تتبع إيديولوجيا إخوانية ولاينتمون إلى وطن وهذه أحد إشكالات التعاطي مع هذه المجموعات التي عبرت عن فرحات داخل الأراضي السورية بنجاح أردوغان، ولابد هنا من أن نلاحظ أن هناك تغير في التعاطي من قبل أردوغان وبدا يغير بعض المصطلحات فلم يعد يستخدم مصطلح النظام السوري بل يقول الحكومة المركزية السورية والجيش السوري ولحظنا أن أول إتصالات هاتفيه تلقاها أردوغان من الرئيس بوتين ومن الرئيس روحاني بعد فوزه، بالتالي أنا أعتقد أن تركيا مقدمة في المرحلة القادمة على صراع بين مشروعين المشروع الغربي بقيادة الأمريكي والمشروع الأوراسي نحو شنغهاي، كلما إقترب أردوغان أكثر من روسيا وإيران والصين كلما كانت التحولات أكثر إتضاحا ، وهذا سيكون له ثمن سياسي داخل سوريا لأنه لن يستطيع أن يتصرف عكس هذه الإلتزامات التي سيقدمها أمام منظمة شنغهاي وروسيا وايران، تكرار تجربة لواء إسكندرون أنا لا أميل إليها، لإن في الثلاثينات من تنازل عن لواء إسكندرون كانت الفئة الحاكمة في دمشق آنذاك لاعتبارات إخوانية وعقل إخواني اكثر مما هو عقل دولة، الآن الظروف مختلفة هناك دولة وهناك جيش وهناك حلفاء، وبالتالي قد يكون هناك بعد المرتسمات على الأرض لتعكس هذه المحاولات ربط بعض هذه المناطق بحكام بعض الولايات في تركيا، ولكن أنا أعتقد أنه عندما تنتهي قضية الجنوب في سوريا في درعا سينتقل الثقل إلى الشمال والشمال الشرقي لسوريا وهذا ما سيدفع أردوغان للدخول في التفاوض مع سوريا".
التفاصيل في التسجيل الصوتي المرفق…
إعداد وتقديم: نواف إبراهيم
