لم يبتكر الشباب التونسي مفهوم التخييم أو كما يسمونه "الكومبيغ"، بل إنه مفهوم مستورد من الخارج ويتمثل في اتفاق مجموعة من الأشخاص فيما بينهم للتخييم في مكان يتم اختياره مسبقا يكون غالبا بعيدا عن الضوضاء والضجيج ونسق المدينة، حيث يحمل كل شخص أدواته الخاصة من خيمة وأكل وماء وأدوات أخرى ويذهبون لقضاء أيام في الطبيعة للاستمتاع بها.
وتمثل هذه المبادرات فرصة للاستمتاع بمكونات الطبيعة، ولأخذ قسط من الراحة وللهروب من نسق الحياة، وأيضا فرصة للتعارف وتبادل الأفكار والخبرات، وتساعد هذه التجربة على صقل شخصية الإنسان من خلال دفعه للاعتماد على نفسه.
تطور مفهوم التخييم في تونس
تتعدد المفاهيم والتسميات للظواهر المجتمعية والترفيهية التي يدفع المجتمع تحت ضغط الحياة لابتكارها، هذه الظواهر وبعد مدة من الزمن تتطور شيئا فشيئا لتكشف عن أبعاد أخرى لها رسوخ، مفهوم التخييم عن شباب تونس سبقه مفهوم" المشي لمسافات طويلة في الطبيعة" منذ 2008، حيث كان الشباب ومن أجل البحث عن بعض من المتعة والترفيه يتفقون على قضاء يوم كامل خارج المدينة ، حيث يختارون مسافة معينة تتراوح بين 10 و 50 كلمتر لاكتشافها، وفي الأثناء ومن أجل نيل قسط من الراحة يقرر الشباب التخييم في مكان يختارونه مسبق.
يبدأ المشي من نقطة معينة ويكون التحرك دائريا من أجل الرجوع إلى نفس النقطة بشرط عدم الرجوع من نفس الطريق حتى لا تفقد الرحلة متعتها، شيئا فشيئا أصبح التخييم من أكثر المحطات المحببة للشباب في رحلة المشي ومع فتح أحد الشركات العالمية المختصة في بيع لوازم التخييم فرعا لها في تونس، أصبح للتخييم معنى خاصة بوجود جميع الأدوات الخاصة به (أحذية جبلية، بناطيل غير قابلة للبلل إلى غير ذلك).
اليوم انتشار هذا المفهوم دفع بالبعض إلى تأسيس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من أجل تنظيم رحلات تجارية للتخييم.
إيجابيات التخييم على المستوى الشخصي
يقول محمد تيسير النهدي 32 سنة، أب لـ3 أطفال، وهو ناشط بيئي ويعتبر من أشهر المخيمين في تونس إن أول شيء يتعلمه أي شخص يخيم هو روح العمل الجماعي فهم يساعدون بعضهم في إقامة الخيام، في طهو العشاء، في تنظيف المكان وفي إشعال النيران وجلب المياه.
ويضيف تيسير في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن روح العيش المشترك تعتبر من أهم الأشياء التي يمكن للشخص أن يتعلمها من التخييم، كما أن المخيم في حد ذاته دليل على حالة العمل الجماعي التي يسعى الجميع إلى ممارستها" إلى جانب العمل الجماعي، يتعلم المخيمين تقنيات الحياة في البراري وهي عملية صعبة نوعا ما وفيها يتعلم الشخص كيف يتعامل مثلا مع الأشجار ومع الطبيعة من أجل صنع خيمة والحصول على شيء آخر دون إحداث أضرار بالطبيعة. كما يتيح المخيم للأشخاص المشاركين فيه تبادل الأفكار والتجارب ويساعد من يعانون من مشاكل في التعامل مع العالم الخارجي على الدخول وسط المجموعة واكتساب الثقة في النفس.
من التخييم إلى الدفاع عن البيئة
يقول تيسير إنه من بين أهم إيجابيات التخييم هي معرفة بلادك والإجابة على الأسئلة التالية: "ما هي أجمل المناطق في تونس؟ بماذا تتميز كل منطقة ؟ وما هي الأكلات التي تتميز بها كل منطقة؟ وما هي أنواع الحيوانات التي تعيش في كل منطقة؟ هذه الثقافة التي تستمدها من التخييم يقول تيسير تجعلك ملتصقا بمفهوم حماية الطبيعة.
يتابع تيسير مفسرا علاقة التخييم بالطبيعة: "التخييم في تونس خطا خطوات كبيرة جدا نحو التقدم، اليوم في تونس لدينا أكثر من 100 ألف شخص يقومون بالتخييم بصفة دورية وقد أصبحوا بصفة مباشرة أصدقاء للطبيعة، حتى أن الأمر تطور من مجرد صداقة إلى مبادرات ولقد قمنا بزرع 21 ألف شجرة في محافظة سليانة شمال غربي البلاد وأغلب الذين شاركوا في هذه المبادرة هم من المخيمين الشباب".
أصبح التخييم في تونس جزء من ثقافة شعبية شبابية تجمع بين الترفيه وإيجابيات العمل الثقافي الذي يقوم على الإفادة والاستفادة، فإلى جانب إيجابيته على المستوى الشخصي أصبح للتخييم دور في إنقاذ الطبيعة من خلال خلق جيش بمئات الآلاف للدفاع عنها.
