مؤسس "التيار الديمقراطي": تونس تعيش مأزقا سياسيا والرئيس يتجنب المساس ببعض رموز الفساد

بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 من يوليو/تموز الماضي، كان للأمين العام السابق لحزب "التيار الديمقراطي" محمد عبو موقف مساند للرئيس، لكن سرعان ما تغير موقف عبو الذي كان من أبرز داعمي الرئيس بعد إعلان سعيد للمرسوم 117 "المثير للجدل"، مؤكدا أن الرئيس قيس سعيد تمادى بإعلانه هذا المرسوم وأصبح يبحث عن طموح شخصي على حد قوله.
Sputnik
"سبوتنيك" التقت الوزير السابق والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي ومؤسس الحزب محمد عبو، وكان معه الحوار التالي:
كيف تقيم المسار الذي تعيشه تونس ما بعد 25 من يوليو؟
25 يوليو كانت فرصة لتونس لحل إشكالية لم يكن هناك أي إمكانية لحلها في ظروف اعتيادية، ظروف تميزت بسيطرة مجموعة من الأحزاب على دواليب الدولة لخدمة مصالحها لمنع أي تغيير في تونس وذلك بتوزيع الغنائم فيما بينهم، بابتزاز أصحاب المؤسسات، بالتمويل الأجنبي الممنوع طبعا، بأخذ التمويلات من قبل الفاسدين وتقديم الخدمات لهم مقابل ذلك، ثم جاء رئيس من خارج منظومة الفساد لديه الفصل80 من الدستور لم يسبق تطبيقه لاعتبارات مثل التي ذكرت.
اللجوء إلى الفصل 80 من الدستور التونسي كان على أساس أن يتم على جدول زمني لا يتجاوز عدة أشهر بهدف إرجاع دواليب الدولة إلى السير بشكل عادي وطبيعي بما فيها القضاء والأمن وتحرير مؤسسات الدولة من قبضة هذه الأحزاب، هذه المدة الزمنية كنا ننتظر أن يتم خلالها فتح ملفات كبرى، لا ننتظر محاكمات ولكن على الأقل أن تفتح هذه الملفات.
بالنسبة للجانب الثاني المتعلق بضرب منظومة الفساد وتفكيكها في آجال معقولة وتطهير القضاء طبق للدستور والقوانين، هناك تراخي كبير من قبل رئيس الجمهورية. فيما أخطأ قيس سعيد؟
وأوضح أن الرئيس يتجنب المساس ببعض رموز الفساد السياسي مع تحويل بعض المطالب الحقيقية إلى شعارات، كنا نتمنى الذهاب إلى الفعل والخروج من دائرة التنديد، هناك ملفات فتحت لكن الملفات الكبرى لم تفتح هذا الإشكال الأول.
الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي التونسي، محمد عبو
الإشكال الثاني يبدو في أن الرئيس قيس سعيد أصبح يطيل مسار25 يوليو في حين أن المطلوب اليوم هو تحقيق أهداف كبرى في آجال معقولة والإشكال الثالث والذي أعتبره إشكالا خطيرا جدا وهو أن الرئيس ابتعد عن الغاية الأساسية من إجراءات 25 يوليو واتجه للحديث عن رغبته في تمرير مشروع مرسوم المجلس الأعلى للقضاء.
بالنسبة لهذا المشروع، أولا لا حق له في تمريره وإجراءات الفصل 80 لا تسمح بتمرير الدستور وأنا أعتبره انتهازا لفرصة معينة لتحقيق أهدافه ولايزال هناك أمل في أن يتراجع في المقابل لا نتمنى فشله في هذا المسار لأن فشله يعني عودة منظومة الفساد بقوة.
هل ترى في قيس سعيد الرجل المناسب لتنفيذ مثل هذه المطالب؟
ليست مهمة الرئيس قيس سعيد القيام بإصلاحات ولكن المطلوب أن يفكك منظومة الفساد في ظل الإجراءات الاستثنائية التي أقرها، لا تحتاج هذه الخطوات إلى كفاءة كبرى ولا لوقت طويل، قبل 25 يويلو كانت هناك ثلاثة احتمالات بالنسبة لبداية الإصلاح، إما يبدأ قيس سعيد من داخل الدولة وهو الحل الأمثل، إما أن تنتشر الفوضى العارمة وليس هناك أي شخص واع في تونس يفضل الاقتتال الداخلي والحل الثالث هو السكوت والقبول بالواقع وهي فرضية لا تسمح لتونس بتحقيق تقدم وستصبح أفسد ديمقراطية في العالم، الحل الذي إعتبره أكثر عقلانية هو الحل الأول بقطع النظر عن ما إذا كان قيس سعيد قادر أو غير قادر على تنفيذه
هل تعيش تونس اليوم مأزقا سياسيا، وكيف ترى الحل للخروج منه؟
نحن دائما نعيش مأزقا سياسيا، ولكن الحل لهذا المأزق هو تراجع الرئيس عن مشروع مرسوم المجلس الأعلى للقضاء والإعلان عن نهاية هذه التدابير الاستثنائية، وأعتقد أن هذه الخطوات ستكون جيدة وستخرجنا من الأزمة ولكن في حال عزمه على المواصلة فالأزمة ستكون أخطر من ما قبل 25 يوليو.
هناك من يقول أن قيس سعيد صاحب مفاجآت، ومن الممكن أن يكلل هذا الـتأخير بإنجازات؟
مبادرة سياسية لإلغاء حالة الاستثناء في تونس...يقودها أنصار الرئيس
لا أعتقد أن هذه الفرضية ناجعة في قراءة الوضع، الضغط الذي نقوم به اليوم نابع من كوننا لا نريده أن يفشل في هذا المسار ، يجب أن يتحمل مسؤوليته في التمشي الذي اختاره وهو الفصل 80 من الدستور ويجب عليه أن يحقق نتائج ملموسة.
كيف ترى مقاطعة الرئيس للإعلام والمجتمع المدني والأحزاب؟
هذه المسألة ليست مرتبطة لا بإيديولجيا ولا بتوجه سياسي هي مرتبطة فقط بشخصية الرئيس قيس سعيد.
هل ترى أن "مبدأ الشعب يريد" الذي ينادي به الرئيس يمكن أن ينجح في تونس؟ وهل هو مبدأ يساعد على الإصلاح؟
بالنسبة لي هذا المبدأ لديه توصيف واحد وهو الشعبوية، والشعبوية مضرة جدا جدا بتونس، تراهن على الأحاسيس والعواطف والحرمان في المناطق الداخلية، لدينا مشروع موجود في الدستور يتعلق بإجراء انتخابات المجالس الجهوية والمجالس الجهوية هي من تقدم مقترحاتها وفي النهاية دائما ما يعود القرار للسلطة المركزية .
كيف ترى علاقة الرئيس برئيسة الحكومة؟
ما نراه اليوم في ما يتعلق بصلاحيات رئيسة الحكومة وعلاقة الرئيس برئيسة الحكومة هو موجود في الأمر 117 الذي أعلن عنه الرئيس مثلما كان الوزير الأول في دستور 1959 ، يبقى ما نتمناه أن تبقى حكومة السيدة نجلاء بودن حتى حل البرلمان.
راديو
احتجاجات تونس... هل بدأ الخناق يضيق على الرئيس؟
وحل البرلمان يكون من داخل الدستور وهناك سيناريو يسمح بذلك، ثم تجرى انتخابات في المقابل أتمنى أن يبتعد الرئيس عن التفاصيل والتسيير اليومي وأعتقد أن ترك الحكومة تعمل بحرية أكثر في هذه الظروف يكون أنسب.
الدليل على أن الرئيس يسير الحكومة أن الوزراء متخفون ولم نعد نراهم في وسائل الإعلام وهي ليست الصورة الأمثل لتحريك الإدارة التونسية، الإدارة تحتاج إحساسا بالأمان لدى كبار الموظفين والوزراء من أجل أن تستعيد سيرها العادي.
هناك من يراهن على التعثر الموجود حاليا في تسيير الدولة لعودة البرلمان؟
البرلمان في مرحلة من المراحل سيعود، ولكن في المقابل هناك عدد قليل جدا من النواب ممن يريد عودة البرلمان، البرلمان التونسي يعاني من سمعة سيئة اليوم رغم أنه يحتوي على نواب أكثر نزاهة من الرئيس نفسه، ربما الرئيس لم تتح له الفرصة لاختبار نزاهته أما هم فقد أتحيت لهم الفرصة واختبروا نزاهتهم وكانوا نزهاء وشرفاء، هؤلاء النواب اليوم يشعرون بإحراج كبير .
من جانب آخر يجب على البرلمان أن يعود ويقدم رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي استقالته ويتم تشكيل حكومة لا تمر، إما باتفاق من كل الأطراف أو باجتهاد من الرئيس، عندها تصبح لديه صلاحية حل البرلمان والذهاب في انتخابات مبكرة، وأعتقد أنه لأبراز حسن النوايا يجب على قيس سعيد أن يعمل من أجل إجراء إنتخابات نزيهة لأنه على مدى عشر سنوات لم تعش تونس أي انتخابات نزيهة وذلك بمراقبة التمويل الأجنبي، الشبكات الاجتماعية، القنوات التلفزيونية والجمعيات.
 
أجرت الحوار: مريم جمال
مناقشة