مجتمع

النفايات الطبية تجتاح مستشفيات تونس... وخبراء يطلقون "صيحة فزع"

منذ منتصف شهر يوليو/ تموز، توقف نشاط نقل النفايات الطبية الخطرة من المستشفيات والمصحات التونسية بسبب الإضراب المفتوح الذي تخوضه شركات المعالجة منذ ذلك الوقت.
Sputnik
وتسبب هذا الإضراب في تراكم أطنان من النفايات الطبية الخطرة في المؤسسات الاستشفائية، وهو ما ينذر بأزمة بيئية وصحية حقيقية دفعت عددا من الخبراء ونشطاء البيئة إلى دق ناقوس الخطر والتنبيه من تداعيات تواصل هذا الوضع على الإنسان والبيئة.
وتنتج تونس سنويا نحو 3.2 مليون طن من النفايات، منها 18 ألف طن من النفايات الطبية من ضمنها 8 آلاف طن نفايات خطرة تتوزع على نفايات بيولوجية، ونفايات كيميائية، ونفايات قابلة للانفجار، ونفايات معفّنة.
ومنذ سنة 2008، تخلت السلطات التونسية عن طريقة الحرق للتخلص من هذه النفايات الطبية، وأوكلت لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطيرة (شركات خاصة) مهمة التصرف فيها.
مجتمع
مخلفات أمريكية... القمامة السامة تقتل وتشوه أطفال العراق

الإضراب متواصل والنفايات في تراكم

وعلّقت هذه الشركات نشاطها منذ أسبوعين لأسباب مختلفة، قال الناطق الرسمي باسمها وليد المرداسي لـ"سبوتنيك"، إنها تتعلق بعدم التزام السلطات التونسية بخلاص فواتيرها.
وأضاف المرداسي: "رغم مرور أسبوعين على الإضراب لم تبدِ وزارة البيئة ولا وزارة الصحة أي استعداد للتجاوب مع مطالبنا العادية، وهو ما فاقم الإشكال داخل المستشفيات خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعودة فيروس كورونا".
ولفت المرداسي إلى أن الإضراب سيتواصل إلى حين الاستجابة لمطالبهم التي تتمثل أساسا في التسريع في خلاص فواتير مؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطيرة، مشيرا إلى أن العقد الممضى مع وزارة الصحة ينص على سداد مستحقاتهم كل 45 يوما، لكنهم بقوا دون خلاص طيلة ثمانية أشهر وبعضهم تجاوز السنة والنصف.
1 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
2 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
3 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
4 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
5 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
6 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
7 / 7
تكدس النفايات الطبية في مستشفيات تونس
وتابع: "مطلبنا الثاني الذي توجهنا به إلى وزارة البيئة هو الرفع من طاقة استيعابنا التي لا تحتمل نقل أكثر من 9 آلاف طن من النفايات الطبية، في حين تتجاوز الكمية الموجودة في تونس 16 ألف طن، وهو ما يعني أن 7 آلاف طن من النفايات الصحية الخطرة متروكة للشوارع. حتى لو رفع الإضراب، فإننا لن نرفع نفايات تتجاوز طاقة استيعابنا".
أما المطلب الثالث، فيتمثل وفقا للمرداسي في التراجع عن محاضر الخطايا التي سجلت ضد مؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطيرة بسبب عدم تمكنهم من نقل كل النفايات أثناء فترة الجائحة.
وأكد أن "كوفيد" تسبب في رفع كمية النفايات الطبية 5 مرات عن العادة، وهي كمية تتجاوز بكثير طاقة استيعاب هذه المؤسسات خاصة وأنها مطالبة بمعالجتها في ظرف لا يتجاوز 24 ساعة، وفقا لقوله.

خطر يهدد الإنسان والبيئة

قاد تراكم النفايات الطبية الخطرة عددا من الخبراء والجمعيات البيئية في تونس إلى دق ناقوس الخطر، خاصة وأن المؤسسات الاستشفائية اضطرت إلى إلقاء مخلفاتها الطبية خارج المستشفيات والمصحات مع النفايات العادية.
وقال الناشط البيئي حسام حمدي لـ"سبوتنيك"، إن تراكم النفايات الطبية يمثل خطرا حقيقيا يهدد الإنسان والبيئة، فمن ناحية أولى؛ المؤسسات الاستشفائية عاجزة عن تحمل النفايات الخطرة في مخازنها لأنها تحتاج إلى غرف محكمة الغلق والتبريد، وهو ما يدفعها إلى تركها أمام المستشفيات مع النفايات العادية".
الطبوبي: غياب المفاوضات بين الحكومة التونسية واتحاد الشغل بشأن الإضراب العام
وتابع: "من ناحية ثانية، هذه النفايات تمثل تهديدا ليس فقط لسلامة العاملين بالمستشفيات، وإنما أيضا بالنسبة للبرباشة (الأشخاص الذي ينبشون القمامة) الذين صاروا عرضة للأوبئة والأمراض".
وأكد حمدي أن مخاطر هذا النوع من النفايات يزداد يوما بعد يوم في ظل تكدسها داخل وخارج المستشفيات بطريقة غير آمنة، مشيرا إلى أن ذلك يشكل خطرا على صحة المواطنين والمياه والتربة.

خرق لشروط التصرف في النفايات

بدوره، شدد الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي في تصريح لـ"سبوتنيك"، على ضرورة إيجاد حل يوقف هذه الأزمة التي تنذر بكارثة بيئية وصحية وفقا لقوله.
ولفت إلى أن خطر النفايات الطبية ناجم عن احتوائها على سُميّة مرتفعة، مشيرا إلى أنها تنقسم إلى ثلاثة أصناف؛ البقايا الآدمية وبقايا الأدوية والمعديات الطبية مثل الحقن.
وبيّن: "من المفترض أن كل صنف من هذه النفايات يلقى بقمامة خاصة به حتى يسهل على مؤسسات تجميع ونقل ومعالجة هذه النفايات التصرف فيها ومعالجتها، ولكن في الواقع جل المؤسسات الاستشفائية لا تلتزم بهذه القاعدة وتلقي بهذه النفايات في سلة واحدة".
وأكد الهنتاتي أن مؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطيرة لا تلتزم بدورها بكراس الشروط التي حددتها وزارتا الصحة والبيئة، قائلا: "في محافظة صفاقس مثلا يتم رمي النفايات الطبية دون التخلص من السمية ثم يقع تحويلها إلى المصبات وردمها مع النفايات العادية".
ولفت الخبير البيئي إلى أن عددا من هذه المؤسسات يخرق كراس الشروط لأن عملية تثمين النفايات الطبية الخطرة مكلفة جدا، والدولة التونسية تمتنع عن الزيادة في سعر تثمين الطن من النفايات بسبب الظرف الاقتصادي الصعب.
الصحة العالمية تحذر من أطنان من النفايات الطبية الناتجة عن الاستجابة العالمية لكورونا
وتابع: "عندما لا يقع إزالة السمية ويتم ردم هذه النفايات في الأرض، تنتقل هذه السمية إلى التربة وإلى المائدة المائية وتتحول إلى مصدر للتلوث".
ويرى الهنتاتي أن الحل الأنسب للتخلص من النفايات الطبية الخطرة بطريقة تحافظ على سلامة الإنسان والبيئة ليس الردم وإنما الحرق كما هو معمول به في جل دول العالم، مشيرا إلى أن تونس كانت تعتمد تقنية الحرق قبل الثورة لكن محارقها لم تكن تستجيب للمواصفات الدولية، وهو ما دفعها إلى ترك المهمة بيد الشركات الخاصة.
وختم بالقول: "لماذا لا تستأنس تونس بالتجارب العالمية خاصة وأن الشركات التونسية قادرة على صنع محارق بمواصفات عالمية؟ إن كانت الإجابة هي التكلفة المرتفعة فنحن نقول إن لا شيء أرفع تكلفة من صحة المواطن".
وتنتج المؤسسات الاستشفائية التونسية 25 طنا من النفايات الطبية يوميا، وتتجاوز تكلفة معالجة الطن الواحد منها ألفي دينار تونسي أي ما يناهز 700 دولار أمريكي. وتتولى الدولة مراقبة طريقة معالجتها عن طريق لجنة وطنية استشارية.
مناقشة