ينسف حظوظ المرأة... انتقادات حادة لقانون الانتخابات التونسي لتجاهله "المناصفة"

وسط حالة من التباين السياسي في تونس، صدر القانون الانتخابي الجديد، والمتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو/ أيار 2014، ونشر في الجريدة الرسمية مساء الخميس.
Sputnik
ونددت العديد من الجمعيات النسائية وبرلمانيات في تونس بتجاهل القانون الانتخابي لمبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور، وطالبت بضرورة مراجعة النص، واعتماد "المناصفة"، خاصة في ظل اعتماد النظام الفردي الذي "يطيح بحظوظ النساء في البرلمان المقبل".
وبحسب نص القانون الجديد (المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر/ أيلول 2022) فإن العدد الإجمالي للمقاعد في مجلس نواب الشعب مائة وواحد وستون (161 مقعدا)، وحدد عدد الدوائر الانتخابية بمائة وواحد وستّين (161 دائرة).
لم يتضمن القانون الجديد نص المناصفة بين الرجال والنساء، واقتصرت المناصفة على التزكيات التي يجب أن يحصل عليها المترشح، وهو ما تراه حقوقيات وبرلمانيات يؤثر بدرجة كبيرة على حظوظ المرأة في الانتخابات المقبلة.
واعتمد القانون الجديد النظام الفردي دون القائمة، فيما غاب مبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور التونسي في فصله 51، ويؤكد حماية حقوق ومكتسبات المرأة ودعمها والسعي لتحقيق المناصفة.
الرئيس التونسي: نظام الاقتراع الجديد ليس فيه إقصاء لأحد

مخاوف بشأن مكانة المرأة

في الإطار تقول البرلمانية السابقة شيراز الشابي، إن القانون الجديد "نسف حظوظ المرأة للتواجد في البرلمان الجديد"، مضيفة أن التراجع عن "المناصفة" يمس بالمشاركة النسائية وتواجدها في مراكز القرار.
وأشارت في حديثها لـ"سبوتنيك"، إلى أن القانون حمل بعض الإيجابيات، منها فرض خلو المرشح من السوابق "العدلية"، في حين أن اشتراط حصول المترشح على 400 تزكية يفتح الأبواب لعدة صعوبات.
فيما تقول مبروكة خذير الكاتبة والمحللة السياسية التونسية، إن غياب المناصفة في القانون الجديد يقلل حظوظ النساء في الوصول إلى مواقع القرار السياسي.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن اعتماد المناصفة في كل الانتخابات السابقة كان يجرى في إطار تزيين القوائم والادعاء بأن المرأة موجودة في القوائم الانتخابية، وأن المعيار لم يكن يتمثل في الكفاءة.
وأوضحت أن اعتماد "الكوتة" أو "المناصفة" لا يجب أن يكون لمجرد تمثيل المرأة في البرلمان، وأن يكون على أسس ومعايير لتكون المرأة التي تشغل المركز قادرة على فرض وجودها بفكرها وخبرتها وأحقيتها في القيادة.
وترى أن التنصيص على مبدأ المناصفة يجعل من النساء أكثر قوة، وأن فرض الحقوق والمكاسب بالقانون يجعل من تحقيقها أسهل بكثير، مع ضرورة عدم إغفال المعايير والكفاءات.
وتوضح المحلل التونسية، أن المرأة التونسية أصبحت مجردة إلا من الكفاءة، خاصة في المجتمعات الذكورية، لاسيما الريفية منها التي لا تؤمن بوجود المرأة في مراكز القرار السياسي.
ولفتت إلى أن حظوظ المرأة في الانتخابات المقبلة أصبحت قليلة، وأن ذلك يمثل انتكاسة على مستوى حقوق المرأة، التي كانت موجودة بكثافة في البرلمان واثبتن كفاءتهن في جميع المواقع.
الخارجية الأمريكية: الوضع الاقتصادي في تونس مثير للقلق

سلبيات وإيجابيات النظام الفردي

وتعتقد أن التصويت على النظام الفردي يجعل الشعب هو من يختار من يمثله ويعرفه بشكل مباشر، دون فرضه ضمن قائمة الحزب كما كان يحدث في النظام القديم.
ونقاط إيجابية أخرى تتمثل في عدم تحكم الأحزاب في المشهد السياسي، وأصبح الأمر يعود للأفراد الذين يسهل محاسبتهم في الرقعة الجغرافية الضيقة التي يمثلونها، وفقا لها.
ومع ذلك، هناك جوانب أخرى سلبية تراها الكاتبة التونسية تتمثل في صعوبة جمع الأفراد حول برنامجي إصلاحي لتعدد وجهات النظر والآراء، في حين أن جمع الأحزاب أو تحالفها في السابق حول تنفيذ برنامج إصلاحي كان أيسر بكثير مما عليه الوضع الآن.
رغم مميزات النظام الفردي، لكن بعض السلبيات في النظام الجديد تتمثل في فرص وصول أصحاب النفوذ والسلطة الاجتماعية اعتمادا على سلطتهم الاقتصادية، وهو أحد المداخل للمال السياسي، حسب ما تشير مبروكة.
فيما قالت رجاء الدهماني منسقة لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إن الدستور التونسي الجديد أقر اعتماد المناصفة ما يضمن صعود النساء.
تونس... مشاركة غير مسبوقة للنساء والأطفال في الهجرة غير النظامية

نتائج مخيبة

وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن نظام الانتخاب على الأفراد لن يمكن النساء من الصعود، لا مناصفة ولا بنسبة مرضية تحترم على الأقل 50%، من نسبة الإناث من الشعب التونسي.
وأوضحت أن تبني الهيئة العليا لتحقيق "أهداف الثورة" عبر المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المتعلق بانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسية واعتمادها المناصفة مع التناوب مكن النساء من المشاركة في انتخاب المجلس الوطني التأسيسي على قدم المساواة، ومع ذلك وصلت 60 امرأة فقط من جملة 217 في 2014.
فيما وصلت إلى المجلس 75 امرأة بنسبة 34.56% في 2019، في حين أن 14% فقط من النساء مثلن على رأس القائمات، وصلت منهن 26.2% فقط.
ولفتت إلى تراجع تمثيل النساء في البرلمان في ظل "العقلية الذكورية" والاتجاه نحو تزكية الرجال على حساب النساء، كما أنه يعمق منطق الولاء للعشيرة والعلاقات الدموية، ويفرز برلمانا "أكثر تشتتا" من برلمان 2019.
وترى الدهماني أن النظام الفردي يزيد من شخصنة السلطة وإثارة الجهويات والنعرات القبلية، ويغيب الانتماء إلى الوطن. وحذرت من انفجار الوضع الاجتماعي الحالي نتيجة زيادة نسب الفقر، وغلاء المعيشة وندرة المواد الأساسية.
تونس... إيقاف القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز

مطالب حقوقية

أصدرت مجموعة من الجمعيات النسائية والحقوقية في تونس بيانا، قالت فيه إن الجمعيات النسوية المستقلة المجتمعة يوم 15 سبتمبر لمتابعة نشاط الديناميكية النسوية، وبعد اطلاعها على المرسوم عدد 55 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022.
وأبدت المجموعة فيه "تمسّكها المبدئي بكل المكتسبات القانونية والتشريعية التي ضمنت حقوقا للنساء ناضلت من أجلها أجيالا على امتداد حقبة زمنية طويلة".
وأشارت على وجه الخصوص إلى البنود المضمنة في المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المنظم للانتخابات، وفي القانون أساسي عدد 7 لسنة 2017 مؤرخ في 14 فبراير/ شباط 2017 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء الذي تضمّن التناصف الأفقي والعمودي في الترشح.
واعتبر البيان أن التراجع عن مبدأ المناصفة باعتماده نظام الاقتراع على الأفراد دون ضبط ضمانات تتيح للنساء مشاركة واسعة وفعلية، يعدّ "خرقا جسيما لأحكام الفصل 51 من الدستور الجديد".
مناقشة