وسط الانهيار السياسي والاقتصادي... ما فرص وصول امرأة لسدة الحكم في لبنان؟

مناظر عامة للمدن العربية - مدينة بيروت، لبنان فبراير/ شباط 2019
مع اقتراب مارثون الاستحقاق الانتخابي لكرسي الرئيس، ووسط تجاذبات وخلافات سياسية حادة بين الفرقاء، برزت وسط أصوات المترشحين لهذا المنصب امرأتان تسعيان إلى الوصول لسدة الحكم.
Sputnik
وعلى عكس المعتاد، لا يمكن اعتبارهما أسماء عابرة، حيث تتمتع المترشحتان بتاريخ طويل، وتنحدران من عائلات سياسية بارزة، بيد أن الظرف السياسي والمشاحنات المستمرة بين تيارات باتت تسيطر بقوة على الأوضاع في بيروت، يشي بصعوبة أن تعتلي امرأة كرسي الرئاسة اللبناني.
وأعلنت السفيرة اللبنانية السابقة لدى الأردن، ​ترايسي شمعون​، حفيدة الرئيس السابق، كميل شمعون، في مؤتمر صحفي بشهر أغسطس/ آب الماضي الترشح للرئاسة، وعرضت برنامجها بعنوان: "رؤية جديدة للجمهورية". وقبل أيام أعلنت الأديبة والناشطة في مجال تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة، مي الريحاني، ترشحها للرئاسة.
في لقائه بميقاتي.. أبو الغيط: الاستحقاق الرئاسي الخطوة الأهم على طريق الاستقرار في لبنان
بيئة قانونية تمييزية
اعتبرت خبيرة اللبنانية الدولية في التخطيط الاستراتيجي وتطوير سياسات المساواة والعدالة الجندرية، رندى يسير، أن "معايير اختيار المناصب والمواقع لا سيما السياسية منها لابد من أن يكون وفق كفاءة العمل السياسي والرؤية الوطنية الجامعة، فلا قوانين تمنع تسمية النساء وتعيينهن لموقع رئاسة الجمهورية".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن "ذلك لا يعني بأن البيئة القانونية الحالية لا تؤثر سلبا على وصول النساء إلى مواقع القرار، فالبيئة القانونية تمييزية ضد النساء وغير حمائية ولا تخلق فرصا متساوية في بيئة العمل وتؤثر على حقوق النساء ضمن العائلة، لا سيما بغياب القانون المدني الموحد، وتساهم في تهميش حقوق النساء وتمنعهن من الحصول على حقوقهن بشكل متساو مع الرجل".
وأكدت أن "هذا يتناقض مع ما نص عليه الدستور بأن جميع المواطنين (نساءً ورجالا) متساوون، ولذلك ما زالت الحملات المطلبية لتنزيه القوانين اللبنانية هي مطلب رئيس وأساسي وسلة متكاملة من دون تجزئة، ومرتبطة بالتنمية والتطوير وفقا لجميع الدراسات والاتفاقيات الدولية، لا سيما تلك المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة بخطة عمل 2030 وتساهم بشكل أساسي بكسر الصورة النمطية عن النساء وأهليتها وكفاءتها في تولي مواقع قيادية والتي تمتد إلى تأمين وصولها إلى مواقع القرار".
وأوضحت أن "آخر استطلاعات الرأي من قبل الأحزاب السياسية حول دورها في تفعيل مشاركة النساء السياسية قبيل الانتخابات النيابية قبل 2018، كانت ترمي اللوم على النساء أنفسهن اللواتي لا يتجرأن على تقديم ترشيحهن في الاستحقاقات الانتخابية كالبلدية أو البرلمانية، وقد عكست لوائح المرشحات للانتخابات النيابية الأخيرة ارتفاع عدد النساء، وبعضهن كن في لوائح الأحزاب السياسية، إذا العقبة المرتبطة بترشح النساء قد انتفت".
وتابعت: "من جهة أخرى، تحاول القوى السياسية لوم المجتمع اللبناني الذي تتحكم فيه الأعراف والتقاليد والعقلية العشائرية والذكورية في رفض تمثيل النساء في الحياة السياسية، إلا أنه مؤخرا برزت بعض استطلاعات الرأي للجمهور اللبناني الذي سمى بعض النساء الناشطات في المجال السياسي، ومنهن ندى بستاني، وندى زعرور، ويمنى جميل، وتريسي شمعون، وغادة عيد، وليال بو موسى، وغيرهن، وبذلك أيضا تنتفي نظريات رفض المجتمع اللبناني لتمثيل النساء السياسي ومنها المواقع الرئاسية كرئاسة الانتخابات، ومن الواضح أن الخطابات السياسية باتت أكثر حساسية للنوع الاجتماعي وتذكر مصطلحات تخاطب كلا الجنسين".
وأوضحت أن "آلية الانتخاب لموقع رئاسة الجمهورية ليست مباشرة باستفتاء شعبي أسوة ببعض الدول في المنطقة، بل تختاره الكتل النيابية التي تمثل الشعب تمثيلا صحيحا، وتختار الرئيس أو الرئيسة لجمهوريتهم ممن يستطيع أو تستطيع صون دستوره والحفاظ على الوفاق الوطني، فاختيار الشخص المناسب لموقع رئاسة الجمهورية يجب ألا يميّز بين امرأة ورجل، بل بمواصفات الرئيس وعلاقته مع جميع الكتل السياسية".
وقالت رندى يسير إن "خلال الاستحقاقات السياسية السابقة لابد من النظر إلى سياقات اختيار من يأتي إلى موقع الرئاسة وكيف يأتي والفراغ السياسي الذي قد يسبق الاختيار، فنجد أنه ليس لاعتبارات الكفاءة مكان في هذه الآلية بل اعتبارات خارجية أولا ثم داخلية ترتبط بعدد محدود من رؤساء الأحزاب السياسية المؤثرين على القرار، ويراهنون على مصالح في معظم الأحيان لا تحقق مصلحة البلاد".
وواصلت: "ما ينقصنا لوصول النساء إلى مواقع القرار لا سيما موقع رئاسة الجمهورية – والكلام لا يزال على لسان رندى- ليست معايير ومواصفات ترتبط بالجانب الوطني ومصلحة الوطن فحسب، نحتاج أيضا للإرادة السياسية في طرح مواصفات بشكل شفاف وتقديم رؤية وطنية واستراتيجيات خاصة بالتنمية والسياسة الدفاعية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي وتأهيل القطاعات الحكومية وفق رؤية وطنية جامعة، كما نحتاج لإرادة وطنية لتنقذ وطنا لجميع مواطنيه نساء ورجالا على حد سواء، والنساء اللاتي يتم التداول بأسمائهن يستطعن تحقيق ذلك".
الرئيس اللبناني للدول العربية: قفوا إلى جانب لبنان ليجتاز أزمته
قرار نيابي
بدورها، اعتبرت الكاتبة والمحللة السياسية اللبنانية، ميساء عبد الخالق، أن "الشعب اللبناني يرحب بفكرة تولي امرأة كرسي الرئاسة في لبنان، لا سيما في ظل الأزمة التي تسببت فيها الطبقة السياسية الحاكمة، وكلها من الرجال، والذي فشلوا في إرساء حكمًا صحيحًا، وأوصلوا البلاد لهذه الحالة من الانهيار والانحدار على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وبحسب حديثها لـ"سبوتنيك": "لعل تجربة رئاسة المرأة أن تخرج لبنان من براثن الأزمة التي يعيش فيها، لا سيما وأن السيدتين المرشحتين للانتخابات تتمتعان بكفاءة عالية، ولهما باع طويل في هذا المجال".
وأكدت أن "الشعب اللبناني لا يمانع مثل هذه الخطوة، إلا أن القرار الحاسم يبقى في يد البرلمان اللبناني، والذي يخوّل له الدستور انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، حيث النواب من يقررون الرئيس القادم وليس الشارع ورغباته".
وأوضحت أن "رئيس مجلس النواب دعا المجلس للاجتماع من أجل اختيار رئيس الجمهورية، والنتائج هي من ستحسم أو تقرر من سيكون رئيس لبنان القادم".
حظوظ ضعيفة
بدوره، اعتبر المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبو زيد، أن "ترشح المرأة لرئاسة الجمهورية اللبنانية مبادرة جيدة، وتأكيد على أن هناك تطورًا في الحياة السياسية اللبنانية وعلى مستوى الرأي العام بشكل أوسع".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "في لبنان رأي الشارع في انتخاب الرئيس أو المرشح غير مهم، وغير حاسم لجهة تأييد أو رفض ترشيح المرأة للرئاسة، الانتخابات محصورة على النواب فقط، ولا يوجد أي تأثير فعلي للرأي العام".
وعن حظوظ فوز المرأة بمقعد الرائاسة، قال أبو زيد إن "الحظوظ مرهونة بالكتل التي يمكن أن تؤيد ترشيح المرأة أو الرجل، الموضوع له علاقة بالكتل السياسية، وليس بالنوع سواء كان ذكرا أو أنثى، وواقع البرلمان اللبناني الحالي الموزع بين كتل صغيرة وعدم وجود أكثرية واضحة، يؤكد أن عملية التوافق التي تستطيع أن توفر وصول مرشح أو مرشحة ليس بالأمر السهل".

وتابع: "بهذا المعنى حظوظ النساء المرشحات لرئاسة الجمهورية محدودة وشبه معدومة، لأنهن لا يتمتعن بتأييد جدي من كتل وازنة تستطيع أن توفر وصولهن، لكن الترشح رمزي ومبدأي لتسجيل موقف".

وأوضح أن "هذه الخطوة إيجابية وضرورية، حيث يجب كسر احتكار الرجال للمناصب القيادية والمراكز العليا في الدولة، أما الحظوظ الفعلية مرهونة بالظروف الإقليمية والدولية والمحلية التي تستطيع أن توفر أكثرية لمشرح معين، وهو أمر لا يزال متعسرًا على الرجال والنساء".
وفي الأول من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبنان من جانب أعضاء مجلس النواب، وتنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا الدستور، يُنتخب الرئيس بالاقتراع السري بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، بينما تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك.
مناقشة