لبنان يسجل نموا اقتصاديا بنسبة 2%... ما معنى هذا في ظل الأزمة المالية؟

وسط أزمات اقتصادية طاحنة، وانهيار متزايد في قيمة الليرة مقابل الدولار، سجل لبنان في 2022 نموا بنسبة 2%، بعد انكماش قاس من جراء الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ أكثر من ثلاث سنوات، بسبب زيادة تحويلات المغتربين وتحسن النشاط السياحي، وفق ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
Sputnik
وقال ميقاتي في كلمة بمنتدي الاقتصاد العربي في الدورة الـ28 في بيروت: "في حال تحقق السيناريو الإيجابي المنشود، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الفعلي نموا إيجابيا يتراوح بين 4% إلى 5% عام 2023 يحركه المشاريع والاستثمار الخاص ويساعد على استقرار سعر صرف الليرة".
وأكد مراقبون أن التحسن المحدود جاء بفضل انفراجة اقتصادية شهدها العالم بعد جائحة فيروس كورونا، وعودة السياحة، بيد أن الوضع في لبنان مختلف ويحتاج إلى خطة علاج اقتصادي سريعة لإنقاذ الوضع المتأزم، لا سيما في ظل استمرار الشغور الرئاسي.
الأزمة الاقتصادية تعصف بقطاع الأدوية في لبنان

مشهد ضبابي

اعتبر زياد ناصر الدين، الباحث الاقتصادي اللبناني، أن مؤشرات الواقع الاقتصادي في لبنان بالأرقام تؤكد عودة لبنان للاستيراد كما في السابق حيث وصل إلى 16 مليار دولار في العام، رغم أن الناتج المحلي يقدر ما بين 16 إلى 18 مليار دولار في السنة، وهي مفارقة اقتصادية، إلا أن الاقتصاد في لبنان تحول إلى اقتصاد نقدي.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فبقدر ما يدخل الاقتصاد النقدي أموالا للدولة بالدولار، لا يمكنه أن يعطي نتائج إيجابية إذا لم يكن هناك تخطيطا واستثمارات، والواقع الاقتصادي في لبنان بدأ في التأقلم مع حقيقة الانهيار.
ولفت إلى أن دخول الدولار بشكل كثيف للبنان يصطدم بمشكلة السياسة النقدية التي تعطي نموذجا غير مقبول على مستوى المعالجة وسياسة المصارف والمصرف المركزي وهو ما يفتح باب المضاربات.
وأكد أن أرقام النمو في لبنان وتفسيرها تخضع لوجهات النظر، فالليرة تفقد قيمتها بشكل كبير، والدولار يزيد وكذلك تتضاعف نسبة الفقر وتغيب الاستثمارات والنمو، وهو ما يؤكد بأن هناك مشكلة كبيرة في الواقع الاقتصادي اللبناني.
مصدر: فرنسا تنظم مؤتمرا دوليا لدعم لبنان بمشاركة محتملة لروسيا وأمريكا
ويرى زياد أن لبنان سيكون أمام مفترق طرق العام المقبل، لا سيما وأن الفراغ الرئاسي يؤثر على الواقع السياسي والاقتصادي، بيد أن استغلال ملف الغاز بشكل جدي، يمكنه أن يلعب دورا أساسيا في النهوض.
وتابع: "أما الآن، فلبنان أمام مرحلة ضبابية اقتصادية في ظل غياب الرؤية، والحل إما أن يكون هناك حلول للعودة للنمو والاستفادة من الغاز إما النتائج ستكون سلبية".
ويعتقد الباحث الاقتصادي اللبناني، أن الحلول حتى الآن محدودة، فالحكومة تريد الذهاب لصندوق النقد الدولي كمعبر للثقة، وهناك مخاوف في الداخل اللبناني من تطبيق خطة التعافي الحكومية، ولا يزال هناك الكثير من التفاصيل المجهولة على المستوى الاقتصادي، لا سيما وأن النتائج الحالية سيترتب عليها مستقبل البلد لأعوام قادمة.

تحسن اقتصادي

من جانبه اعتبر الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، أن لبنان كسائر دول العالم من ناحية تأثره بأزمة فيروس كورونا، لكن الأزمة اللبنانية كانت مزدوجة حيث تداخل عامل الجائحة مع الأزمة المصرفية والاقتصادية التي عصفت بلبنان ولا تزال هذه الأزمة قائمة ولم تعالج.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فهذه الأزمة المزدوجة جعلت الاقتصاد اللبناني والناتج القومي يتراجع بنسب كبيرة جدا تجاوزت كل النسب في العالم، حيث تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين خلال 3 سنوات في لبنان 1700% ولا يزال يرتفع.
كما انخفض الناتج القومي نتيجة لهذه الأزمة إلى حدود 20 مليار دولار وفقا لبعض الإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي بعد أن تجاوز قبل هذه الأزمة 56 مليار دولار، على حد قول عكوش.
وتابع: "بعد تراجع أزمة كوفيد وفتح المطارات والمرافئ وعودة التبادل التجاري بين الدول وبشكل شبه طبيعي، بدأت ملامح التحسن تعود للاقتصاد اللبناني كما بقية اقتصادات العالم، وكان من أهم نتائجها الزيادة الكبيرة في عدد السياح الذين قدموا إلى لبنان خلال الصيف والذين تجاوزوا 400 ألف سائح معظمهم من المغتربين اللبنانيين".
وأردف: "تجاوز عدد مستخدمي مطار بيروت الخمسة ملايين خلال العشرة أشهر الأولى، بعد أن كان في نفس الفترة الماضية في حدود مليوني مسافر، كما يتوقع مجيء نحو 600 ألف سائح لتمضية أعياد الميلاد ورأس السنة، وتجاوزت نسبة التشغيل في الفنادق 90%".
جدل واسع في لبنان بعدما طلب ميقاتي من قطر الحافلات التي استخدمتها في المونديال
ولفت إلى أن دلالات هذا الأمر مجرد عودة طبيعية لحركة البلد خاصة أن معظم القادمين هم من المغتربين اللبنانيين الذين تعودوا على إمضاء الصيف والأعياد في لبنان، ولا يمثل انعكاس لنجاح في معالجات قامت بها السلطتين التشريعية والتنفيذية، آملا الإسراع في الإصلاح وإقرار ما يلزم من قوانين وخطط خلال الفترة القادمة.
سجل إجمالي الناتج المحلي اللبناني نموا سالبا في عام 2021 بنسبة 10.9%، و25.9% في عام 2020، بحسب بيانات البنك الدولي الذي صنف الانهيار الاقتصادي في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وتوقع تقرير صادر عن البنك الدولي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة 5.4% خلال العام الحالي، وللسنة الرابعة على التوالي.
وقال إن نسبة الانكماش تجاوزت 37% منذ عام 2018، ويعد ذلك من بين أسوأ ما شهده العالم، حيث قضى على 15 عاما من النمو الاقتصادي للبنان، كما يقّض قدرة البلاد على التعافي.
مناقشة