"المقاومة الشعبية"... هل تشكل الخطر القادم في السودان؟

بدأت القوات المسلحة السودانية تعبر عن المخاوف وتحذر من تداعيات تسليح "المقاومة الشعبية"، إن لم تكن هناك ضوابط حاكمة وحاسمة، حتى لا يتكرر سيناريو "الدعم السريع" وتدخل البلاد في فوضى عارمة يصعب السيطرة عليها.
Sputnik
يذكر أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، كان قد أمر بتسليح المواطنين في بداية العام بعد تراجع القوات المسلحة أمام الدعم السريع واستيلاء الأخيرة على أهم الولايات (الجزيرة)، وفي الأسابيع الأخيرة تراجعت كفة الميزان لصالح الجيش الذي بدأ الحديث عما بعد هزيمة الدعم السريع.
ويرى مراقبون أن قادة الجيش يدركون جيدا أن هناك قوى عقائدية استغلت فتح الباب لتسليح المواطنين ودخلت بكل قوة إلى المشهد وكانت أكثر تنظيما وتدريبا وحققت نتائج جيدة ضد الدعم السريع، لكن مع تألق نجم بعض تلك الكتائب بدأت المخاوف تدب في البلد الذي مزقته الصراعات، من أن تشكل تلك المقاومة وما تحمله من سلاح خطرا قادما على السودان.
خبير لـ"سبوتنيك": اقتصاد جنوب السودان قد ينهار إذا توقفت صادرات النفط عبر الأراضي السودانية
بداية يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني: "إن مسألة تسليح المواطنين تحت دعاوى الدفاع عن النفس وحماية الممتلكات تعتبر خطوة في غاية الخطورة على حاضر ومستقبل المجتمع السوداني وأيضا على المحيط الإقليمي".

مخاوف متأخرة

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك":" أن تصريحات الفريق شمس الدين كباشي، نائب رئيس مجلس السيادة، حول ضبط المقاومة الشعبية وصياغة قانون منظم لها جاءت متأخرة جدا، حيث أن السلاح انتشر بصورة كبيرة بالفعل وتكونت كتائب قتالية من المستنفرين، ومن غير الممكن تقنينها وحصرها في ظل الحرب الدائرة".
وتابع أبو زيد: "هذه التصريحات في تقديري هي رسائل تطمين للمجتمع الدولي بأن تجربة الدفاع الشعبي والدعم السريع لن تتكرر، ولكن للأسف سوف تكون تجربة المقاومة الشعبية أكثر عنفا من التجارب التي انتهجها الجيش السوداني في تسليح الفئات السياسية سابقا (عناصر الحركة الإسلامية تحت مسمى المجاهدين) وتسليح القبائل الرعوية (قبائل عرب دارفور وكردفان)، وذلك لأن التسليح هذه المرة هو تسليح لسكان المدن نفسها مما يعني المزيد من العنف والموت داخل المدن الرئيسية والكبيرة في السودان".
راديو
السودان بين مبادرات وقف الحرب وتمسك طرفي الصراع بمحاولات تحقيق انتصار على الأرض

انقسامات قادمة

وأشار أبو زيد إلى أن "الفريق الكباشي يحاول من خلال تلك التصريحات أن يقول للمجتمع الدولي أن هذه الخطوة التي تم استنكارها وإبداء التخوف منها سوف تعالج وتضبط سريعا، ولكنها من جانب آخر أثارت غبارا كثيفا داخل المؤسسة العسكرية، ويبدو أن كباشي سوف يواجه معارضة كبيرة بسببها وربما تكون هذه المعارضة بداية الانقسامات داخل الجيش السوداني الذي قد يتحول لمجموعة من الحركات المسلحة ما لم تتوقف الحرب الأهلية الحالية".
ولفت أبو زيد إلى أن "الدعم السريع وهو الطرف الثاني في الصراع الحالي مرشح للانقسامات، ونخشى أن يتحول السودان لبلد متعدد الجيوش ويحكمه أمراء حرب، ما قد يعيد للأذهان ما يعرف بعهد ملوك الطوائف في الأندلس الذي سبق انهيار دولة العرب والمسلمين في إسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي".

التجنيد الإجباري

من جانبه يقول عادل عبد الباقي، رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية: "إن التجنيد القسري للأطفال والتدفق العشوائي للأسلحة خلال الشهرين الماضيين فيما سمي بالحملة الشعبية التي أطلقتها القوات المسلحة لتجنيد المجتمع المدني عبر مسمى "المقاومة الشعبية" التي أصبحت هدفا عسكريا لأطراف الصراع في مناطق النزع".
سياسي لـ"سبوتنيك": الآلية الأفريقية لا تمتلك أي أدوات لإحلال السلام في السودان
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك":"في 6 ديسمبر/كانون أول الماضي طالبت اللجنة الأمنية منظمات المجتمع المدني بتجنيد حوالي 100 ألف من معسكرات النزوح مقابل 10 مليون دولار لاستنفار النازحين، علما بأن المنظمات الوطنية منذ بداية الحرب اتخذت موقف الحياد، من أجل خدمة ضحايا الحرب وإحلال السلام المجتمعي ورتق النسيج الاجتماعي بين المجتمعات المختلفة".
وتابع عبد الباقي:"عندما رفضت المنظمات المدنية تجنيد الأطفال وكبار السن في معسكرات النازحين قامت اللجنة الأمنية بحملات اعتقالات ممنهجة لأعضاء المنظمات الإنسانية بحجة انتمائهم لقحت والدعم السريع، وتم إغلاق جميع المكاتب التنفيذية الولائيه للمنظمات التي تخضع لسيطرة الجيش".

اعتقالات تعسفية

وأوضح رئيس منظمات المجتمع المدني،" في 12 يناير/كانون ثاني من العام الجاري رصدت لجنة الطوارئ والمتابعة للمنظمات في كل من ولاية نهر النيل الشمالية، القضارف، كسلا، والنيل الأبيض حملات اعتقالات تعسفية استهدفت تجمعات عرقية معينه من دارفور وكردفان، ممن يعملون في الأسواق المحلية لكسب لقمة العيش، حيث اعتقلت القوة المشتركة التي تشمل حركات الكفاح والأجهزة الأمنية المختلفة ما يقارب 6.372 طفل وشاب تتراوح أعمارهم بين 13-21 عام".
الأمم المتحدة: السودان في طريقه لأن يواجه أسوأ أزمة جوع في العالم
ويكمل: في 5 فبراير/شباط الماضي قام رئيس حركة مسلحة بجولة سرية لزيارة السجون والمعتقلات المختلفة بالتنسيق مع إدارة السجون، حيث أجبر السجناء بالرغبة في تجنيدهم مقابل إطلاق سراحهم أو الإعدام بحجة انتمائهم للدعم السريع، جاء ذلك في بيان صدر من حركات الكفاح المسلح يؤكد إطلاق سراح المعتقلين".

تداعيات سلبية

ولفت عبد الباقي إلى أنه، منذ الأول من مارس/ الجاري، "نشاهد حركات الكفاح المسلح تقوم بتخريج دفعات من الجنود تحت ظروف إنسانية مزرية يعيشها إقليم دارفور".
واختتم بقوله:" الآن أصبح السودان بؤرة للتطرف السياسي والديني والاجتماعي والذي ستكون له تداعيات سلبية كبيرة في المستقبل القريب نتيجة تعدد التنظيمات المسلحة وانتشار السلاح العشوائي في الدولة السودانية".
كان نائب القائد العام للجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي، قد وجه "كل قادة القوات المسلحة بأن تكون عمليات صرف السلاح حصريا تحت إدارة القوات المسلحة".
لماذا لم يتدخل مجلس الأمن لوقف الحرب في السودان حتى الآن؟
وقال كباشي أثناء خطابه في تخريج دفعة من مقاتلي حركة تحرير السودان تحت قيادة القوات المسلحة بالقضارف "إن المقاومة الشعبية ستكون هي الخطر القادم على السودان إن لم تضبط، مشيرا إلى إعداد قانون لضبطها" بحسب صحيفة التغيير السودانية.
يذكر أن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان كان قد دعا في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى تسليح المواطنين لمواجهة قوات الدعم السريع، مؤكدا "تسليح المقاومة الشعبية وتنظيمها كي تدافع عن نفسها ووطنها في مواجهة المتمردين تحت إمر القوات المسلحة".
وتتواصل منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة بالسودان، حيث يحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية، بينها القصر الجمهوري ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع وعدد من المطارات العسكرية والمدنية.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم لإطلاق النار.
وخرجت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للعلن، بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
مناقشة