بعد مسلسل اقتحام المصارف... هل دخل لبنان مرحلة الانفلات الأمني؟

وسط أزمات اقتصادية ومعيشية ضخمة، وعجز حكومي عن وضع حلول جذرية لوأد الأزمة، يبدو أن لبنان دخل مرحلة الفلتان الأمني، في ظل الاقتحامات المتكررة واستيلاد المودعين على أموالهم بقوة السلاح.
Sputnik
أعلنت جمعية المصارف في لبنان، أمس الجمعة، أنها قررت إغلاق جميع المصارف لمدة 3 أيام، ابتداءً من غد الاثنين، بعد الاعتداءات المتكررة في الآونة الأخيرة، وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة.
وقال مراقبون إن لبنان يمر بمرحلة حرجة، واقتحام المصارف جاء بعد انتظار المودعين الحصول على أموالهم لسنوات من دون حل، مؤكدين ضرورة تنفيذ خطة إصلاحية للقضاء على هذه الظاهرة.

حاجة ماسة

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني داوود رمال، أن ما يحدث من قبل بعض المودعين داخل المصارف لا يمكن تسميته بالاقتحام، هي عمليات دخول متوقعة، حيث ينتظر المودعون منذ عام 2019 الإفراج عن جزء من ودائعهم، وقوبلت كل محاولاتهم وتحركاتهم ببعض التدابير المالية التي اتخذها مصرف لبنان، وهو ما مثل سرقة لودائعهم عبر السماح بالحصول على جزء من هذه الودائع بالدولار والجزء الآخر بالليرة اللبنانية، وفق سعر صيرفة، وهو ما لا يتناسب نهائيًا مع سعر السوق.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تدحرجت هذه الأزمة كثيرًا في شهر سبتمبر الجاري، بسبب أن كل العائلات لديها استحقاقات مهمة، أبرزها موسم الدراسة والجامعات، والتكلفة المرتفعة للتعليم، لا سيما بعد اللجوء للتعليم الخاص بسبب توقف التعليم الرسمي كل فترة، مؤكدًا أن اللبنانيين بحاجة ماسة إلى تلبية الحاجات الأساسية لأطفالهم من تعليم وطبابة.
أما فيما يتعلق بالبعد القانوني، قال رمال إن الحكومة تحدثت عن إجراءات قانونية وإصدار استنابات قضائية بحيث يحق لرجال الأمن توقيف كل من يدخل إلى المصارف يطالب بودعيته، أو يعمد إلى احتجاز الموظفين كما حدث، وهي إجراءات صحيحة تحاول من خلالها الدولة عدم الذهاب بالبلاد لحالة الفوضى والدخول فيما يسمى بالطابور الخامس على خط تفجير الوضع.
نقابة موظفي مصرف لبنان تعلن الإضراب لثلاثة أيام وتحذر من الوصول إلى إضراب مفتوح
وتابع: "لكن يفترض أن يقترن هذا الإجراء بالإعلان عن خطة حكومية للبدء في إعادة تدريجية لأموال المودعين من المصارف اللبنانية، هناك حالات غضب تعتمر في نفوس اللبنانيين الذين لم يعاصروا هذه الحالة في خضم الحرب التي استمرت لمدة 15 عامًا، أو في حالة الاحتلال الإسرائيلي، هم يعيشون الآن حالة مأساوية لا يتمكنون خلالها من تلبية حاجاتهم الأساسية".
ويرى أن القانون لا يجيز ذلك، ولكن الحاجة ماسة جدًا وكل الأبواب موصدة بوجه اللبنانيين، وكل من له وديعة يجد نفسه مضطرًا للذهاب إلى المصارف ومحاولة الحصول عليها، حيث يتبين أن معظم حالات الاحتجاز التي تمت كان أغلبها لحالات إنسانية، إما بسبب المرض، أو أن أولادهم باتوا مهددين بعدم الدخول إلى المدارس والجامعات.
وأوضح أن القانون وجد لخدمة الشعب، والشارع اللبناني الآن مهدور حقوقه، ويجب على القاضي أن يتحرك بشكل مستقل ويوقف سرقة أموال اللبنانيين، ويكون هناك قرار رسمي بإعادة الأموال للمودعين مرة أخرى، وحتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث.

خطة مطلوبة

من جانبه اعتبر أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، أن هذا الوضع كان متوقعا منذ زمن بعيد، والآن بعد أن اشتد الانهيار وبعد أن أصبحت الأزمات الاقتصادية والمعيشية غير محتملة، وبعد أن أصبح الدولار بسعر 37500 ليرة، ومعاشات الموظفين باللبناني لا تتخطى الـ 1500 ليرة، معظم المعتدين على البنوك في حاجة لدخول المستشفى بشكل طارئ، ولا يمتلكون المزيد من الأعصاب لانتظار حل الأزمة التي تحتاج لسنوات.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك":
كان متوقعًا أن نصل إلى هذه المرحلة المخيفة، ونخشى أن ننتقل إلى مرحلة يسقط فيها ضحايا كثيرة داخل البنوك وربما يسقط فيها أبرياء، لأن أصحاب المصارف يعيشون في أماكن بعيدة محصنون مدعومون من السياسيين ويتبادلون الخدمات.
وتابع: "عندما تكون الدولة عاجزة عن تأمين حق المواطن بالقانون يصبح تحصيل الحق بالذات هو شيء مشروع، الدولة اليوم عندما تطلب من الأجهزة الأمنية أن تمنع المواطنين من الدخول إلى المصارف لتحصيل ودائعهم بالقوة، لا تعلم بأن هذا العسكري الذي يقف حائلا بين المودع والمصرف هو أيضا يتعاطف مع المقتحم".
المودع عبد سوبرا يروي لـ"سبوتنيك" تفاصيل دخوله مصرف لبناني لاسترداد أمواله
وأوضح أن لبنان بحاجة لخطة تعافي مبرمجة خلال سنوات للخروج من هذه الأزمة، لا سيما وأن مجلس النواب يعمد إلى إقرار موازنة عرجاء، فيها عجز كبير وتلاعب بالأرقام وفيها غش للشعب اللبناني ولصندوق النقد الدولي، وهذا كله سيزيد من الأزمة ولن يحلها أبدا.
واستطرد: "نحن ذاهبون إلى فراغ رئاسي سيكون صعبا جدا على لبنان، وربما نصل إلى فلتان أمني وأحداث أمنية كثيرة متنقلة، والجيش يحاول بكل إمكانياته أن يمنع هذا الانفلات لكن الجيش أيضا بحاجة إلى دعم لكي يقوم بهذه المهمة الصعبة".
وأكدت جمعية المصارف اللبنانية على نبذ العنف بجميع أشكاله، لافتة إلى أن العنف لم ولن يكون هو الحل.
وأوضحت أن الحل يكون بإقرار القوانين الكفيلة بمعالجة الأزمة بأسرع ما يمكن، لأن معالجة الأزمة كالتي تمر بها البلاد لا يمكن أن تُحل إلا عبر خططٍ شاملة تأخذ بالاعتبار جميع المسببات وتقوم بمعالجتها بشكل متكامل.
وسجل لبنان، أمس الجمعة، ثماني عمليات اقتحام للمصارف من المودعين لاسترجاع ودائعهم "المحتجزة" منذ بدء الأزمة الاقتصادية، وكان أبرز الاقتحامات في بلدة شحيم بعد أن أطلق المقتحم عدة طلقات من مسدس حربي مطالبا بتحويل مبلغ 180 ألف دولار لاستلامها في تركيا من أصل وديعة عائلته البالغة مليون دولار".
كما اقتحم مودع آخر يدعى عبد سوبرا مصرف "بلوم بنك" في منطقة الطريق الجديدة، مطالبا المصرف بالحصول على وديعته التي تبلغ 165 ألف دولار، واستمرت المفاوضات أكثر من 8 ساعات لم يتوصل خلالها الطرفين إلى أي حل.
واعتبر رئيس جمعية "المودعين اللبنانيين" حسن مغنية أن "الحرب المفتوحة أعلنها المودعون عبر سلسلة الاقتحامات التي بدأت منذ عدة أشهر، الناس أرهقت والكلفة المعيشية أصبحت مرتفعة جدا بالنسبة لهم، بالإضافة إلى وجود حالات مرضية كثيرة وأموالهم محتجزة في المصارف".
مناقشة