أزمة الخبز تطارد التونسيين مجددا واتهامات رسمية بافتعال الأزمة

أغلق جلال بن نصر مخبزه الواقع في منطقة باب الخضراء في قلب العاصمة التونسية، منذ نحو أسبوع بسبب نفاد كميات الطحين والسميد التي يحتاجها لإنتاج الخبز.
Sputnik
وحال جلال هو حال المئات من المخابز التونسية التي اضطرت إلى تعليق نشاطها بسبب النقص الحاد في التزود بالمواد الأولوية، فيما تطول رحلة بحث المواطنين عن الخبز وتنتشر طوابير الانتظار أمام المخابز، في مختلف أرجاء البلاد.
ويحتل الخبز مكانة هامة في الثقافة الغذائية للتونسيين بالنظر إلى انخفاض ثمنه. حيث يستهلك المواطن سنويا أكثر من 250 كلغ من القمح، وهو يجعل تونس في صدارة الدول المستهلكة للخبز عالميا، وهي لا تنتج في المقابل سوى قطعة واحدة من الخبز من جملة 5 قطع من قمحها المحلي.
وترهق أزمة الخبز المواطنين في ظل ارتفاع نسب التضخم (10.4%)، ويصفها الرئيس قيس سعيد بـ "المفتعلة"، حيث يتهم أطرافا "بالسعي إلى تأجيج الأوضاع الاجتماعية والعمل على افتعال الأزمات".
وقال الرئيس، خلال لقاء جمعه بوزيرة التجارة، إن "فقدان بعض المواد الأخرى أو ندرتها في بعض الجهات على غرار القهوة والسكر على سبيل المثال بسبب الاحتكار والمضاربة غير المشروعة، وسيطرة بعض اللوبيات على مسالك التوزيع بهدف التنكيل بالشعب".

%50 من المخابز أوقفت نشاطها

ولا تتوقف تأثيرات أزمة الخبز على المواطنين، إذ تسببت في بطالة قسرية للعاملين في المخابز. ويؤكد رئيس المجمع المهني للمخابز العصرية، محمد الجمالي لـ"سبوتنيك"، أن المخابز تعيش صعوبات جمة وأن أعدادا كبيرة منها توقفت عن العمل كليا منذ أسبوعين، وأخرى دخلت في طور الإغلاق.
1 / 4
أزمة الخبز تطارد التونسيين مجددا
2 / 4
أزمة الخبز تطارد التونسيين مجددا
3 / 4
أزمة الخبز تطارد التونسيين مجددا
4 / 4
أزمة الخبز تطارد التونسيين مجددا
وقال الجمالي إن هذه الأزمة آخذة في التفاقم نتيجة النقص الحاصل في مادتي السميد والطحين، مضيفا: "لقد توقفت 50% من المخابز العصرية عن العمل، وإذا لم تكن هناك حلول جذرية عاجلة في الأيام القليلة المقبلة قد تصل هذه النسبة إلى 100%".
ولفت الجمالي إلى أن عدد المخابز العصرية يفوق 2400 مخبز في مختلف أنحاء البلاد، مضيفا: "هذه المخابز توفر أكثر من 14 ألف موطن شغل وهي فاعل مهم في الدورة الاقتصادية، وتؤمّن للدولة مصادر معتبرة من العملة الصعبة ولا تتسبب في ضغط على الموازنة، ومع ذلك لا تمنحها الدولة امتيازات أو أولوية في التزود بالمواد الأولية".
وقال الجمالي إن هذه الأزمة تسببت في إشكالات مالية حقيقية لأصحاب المخابز، الذين باتوا مهددين بالإفلاس وحتى بالسجن نتيجة عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم المالية.

أزمة مفتعلة

ويتفق رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو/ تموز، محمود بن مبروك، مع ما ذهب إليه رئيس الجمهورية في أن أزمة الخبز هي أزمة مفتعلة، على اعتبار أن الإشكال يتعلق بمسالك التوزيع.
وأوضح في تصريح لـ"سبوتنيك": "هناك أطراف تحتكر المواد الأولية من الطحين والسميد والخميرة وتنشر الإشاعات بشأن فقدانها، وهو ما دفع المخابز إلى مضاعفة كميات الخبز التي تنتجها، ما انجر عنه فقدان هذه المواد".
قيس سعيد: أزمة الخبز مفتعلة لتأجيج الأوضاع الاجتماعية في تونس
وأشار ابن مبروك إلى أن الأطراف التي يقصدها رئيس الجمهورية في تصريحاته هي المحتكرون الذين لهم علاقة بعدة أحزاب سياسية معارضة لمسار 25 يوليو، وهي بالأساس حركة النهضة وائتلاف الكرامة وجبهة الخلاص الوطني، بالإضافة إلى رجال الأعمال الذين يهابون الإيقافات والمحاسبة وحملة مكافحة الفساد.
وأضاف: "يحتكر هؤلاء السلع والمواد الأساسية مستغلين حصولهم على رخص التوزيع من وزارة التجارة، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرار بحذف مسالك التوزيع والتعامل مباشرة مع محلات البيع".
وقال ابن مبروك إن "هذه الأطراف تحظى بدعم من جهات غربية تسعى إلى خلق الأزمات في تونس بهدف الدفع بها مجددا إلى أحضان صندوق النقد الدولي"، مشيرا إلى أن نفس هذه الجهات عرضت أخيرا المساعدة على تونس عقب الخطاب الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد في جدة، والذي تحدث فيه عن التحولات في الخارطة العالمية باتجاه الشرق.

أزمة سيولة

ومن وجهة النظر الاقتصادية، يرى الخبير الاقتصادي معز حديدان، أن أزمة الخبز تعود بالأساس إلى وجود صعوبات في توفير الكميات المطلوبة من المواد الأولوية التي تستجيب لمتطلبات المطاحن والمخابز.
وقال متحدثا لـ"سبوتنيك": "نقص المواد الأساسية يفسّره شح السيولة لدى الدولة التونسية، التي تتولى حصرا توريد الحبوب، تزامنا مع تسجيل البلاد نقصا في إنتاجها المحلي من هذه المادة، وهو ما أدى إلى حصول فجوة في تزويد السوق".
بعد تسجيلها ارتفاعا جديدا... البطالة تتحول إلى كابوس يلاحق شباب تونس
ولا يستبعد حديدان أن تكون أزمة الخبز مفتعلة، مشيرا إلى أن البعض قام بتحويل وجهة الحبوب لإنتاج مواد تصنف على كونها كماليات وهي مربحة أكثر من الخبز، ولكنه يشدد في المقابل على أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة هو نقص السيولة.
ويضيف الخبير الاقتصادي بسام النيفر، أن من بين هذه الأسباب، الإقبال المكثف للمواطنين على اقتناء الخبز بسبب تراجع مقدرتهم الشرائية، مضيفا: "أسعار الخبز المنخفضة مقارنة ببقية المواد الغذائية تدفع بالتونسيين إلى اقتناء هذه المادة لمجابهة موجة غلاء الأسعار".
ولفت النيفر، في تعليق لـ "سبوتنيك"، إلى أن الخوف من فقدان الخبز قاد التونسيين إلى شراء كميات تفوق حاجتهم، مشيرا إلى أن التبذير أصبح عنصرا من عناصر الأزمة، وقال: "الإحصاءات الرسمية تكشف أن نسبة تبذير الخبز في تونس تناهز 900 ألف خبزة في اليوم أي بقيمة تناهز 100 مليون دينار في السنة وهو ما يعادل 113 ألف طن سنويا بمعدل 42 كلغ لكل أسرة".
مناقشة