ماذا نعرف عن "مقبرة الخالدين" التي وجه بها الرئيس المصري وموقعها المقترح؟

بعد حالة من الجدل حول مصير مقابر عدد من الرموز المصرية، ومخاوف من هدمها في إطار مشروع شق طرق جديدة في القاهرة، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بإنشاء مقبرة تحمل اسم "الخالدين"، تضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في البلاد.
Sputnik
وجاء توجيه السيسي في إطار أمره بتشكيل لجنة لتقييم موقف نقل المقابر في منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي في العاصمة القاهرة، بعد اعتراضات على قرارات حكومية بإزالة مقابر شخصيات عامة بارزة.

لماذا مقبرة للخالدين؟

وقال بيان لرئاسة الجمهورية، إن التوجيه جاء "انطلاقا من حرص مصر على تقدير رموزها التاريخية وتراثها العريق على النحو اللائق"، وسبق وأن قدم النائب في مجلس الشيوخ المصري، محمد فريد، في يناير/ كانون الثاني الماضي، اقتراحا إلى لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في المجلس لإنشاء مقبرة أسماها وقتها "مقبرة للعظماء".
وقال في حيثيات اقتراحها، إن "تاريخ مصر مليء بالأشخاص الذين قدموا الكثير من المعارف والفنون والإنجازات، ليس لوطنهم فحسب، بل تتجاوز إنجازاتهم لتؤثر في المنطقة بأسرها، بل في العالم، ليتجاوز حقهم الأدبي على الدولة المصرية ليس فقط تكريمهم في حياتهم، ولكن تكريمهم بعد وفاتهم أيضًا، وفي قلب ذلك التكريم الاهتمام بمثواهم الأخير".
مقبرة محمود باشا سامي البارودي، الشاعر ورئيس الحكومة في العهد الملكي، والمتوفي عام 1904 ومدفون في مقابر الإمام الشافعي
وأضاف، بحسب ما نقل موقع "القاهرة 24"، أنه "نتيجة لعمليات التطوير القائمة في البنية التحتية، ومنها إنشاء ورفع كفاءة شبكات الطرق في كافة أرجاء الدولة المصرية، ظهرت أزمة تخص بعض مقابر الشخصيات التاريخية التي أثرت في نهضة وتاريخ البلاد، من مقبرة الدكتور أحمد لطفي السيد لمقبرة الدكتور طه حسين وغيرها من الشخصيات، التي تركت بصمتها في التاريخ وساهمت في نهضة وتراث مصر الوطني".

مقابر للعظماء في التاريخ

وأشار فريد إلى أن مصر عرفت هذا النوع من المقابر منذ العصر الفرعوني، لافتا إلى اكتشافات وادي الملوك التي ضمت ملوكا وأمراء وبعض الأشخاص المهمة في الدولة الفرعونية، وكذلك على مدار التاريخ البشري تعددت أشكال هذه المقابر منها "مقابر المماليك" في القاهرة الفاطمية.
السيسي يوجه بإنشاء "مقبرة الخالدين" لتضم رفات عظماء ورموز مصر
وأشار إلى ظهور هذه المقابر في العصر الحديث، وتحديدا في القرن السادس عشر، بإنشاء مقابر العظماء في باريس (البانثيون)، تقع في الحي اللاتيني وتعتبر مقر الدفن الرئيسي لشخصيات أثرت في التاريخ الفرنسي والعالمي، ومدفون فيها نحو 90 شخصية عامة من التاريخ الفرنسي.

أين ستقام المقبرة المصرية؟

لم يحدد الإعلان الرئاسي الموقع المقرر إنشاء المقبرة فيه، ووصفه بـ"المناسب" تاركا الأمر للجنة المشكلة لتقييم الوضع، إلا أن مقترح إنشاء المقبرة الذي نوقش في مجلس الشيوخ في يناير الماضي اقترح إنشائها في العاصمة الإدارية الجديدة.
وقال الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات الدكتور أحمد عامر، في تصريحات لموقع "الشروق"، إنه "لإنجاح هذا المشروع لا بد من اختيار مكان وموقع جغرافي يتناسب مع القيمة الأثرية والتاريخية لهؤلاء الشخصيات، بالإضافة إلى أن تلك المقابر ستكون بمثابة متحفا للأعمال الفنية الأثرية الموجودة في المقابر الحالية".
ومن جانبه، اقترح مجدي شاكر، كبير الآثريين في وزارة السياحة والآثار، أن يكون موقع المقبرة في نفس موقع الجبانة المنفية الواقعة في سقارة، التي تمتد من الجيزة إلى بني سويف، وأن تكون في محيط المناطق التي يزورها السياح، حيث يتيح الموقع التعرف على جزء من تاريخنا.

أكبر من مجرد مقبرة

وبحسب الرئاسة المصرية، وجه السيسي أن تتضمن المقبرة متحفا للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء، بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم.
وقال كبير الآثريين في وزارة السياحة والآثار، في تصريحات صحفية، إن "فكرة مقبرة الخالدين تعد تقديرا وتعظيما لرموز مصر وأبنائها".
وأشار إلى أنها فكرة مطبقة بالفعل في عدة دول، مشيرا إلى ضرورة تصميم المقبرة على الطريقة المصرية ونقلها كما هي بذات الطابع المعماري المميز من زخارف وكتابات ونقوش.
وسائط متعددة
اكتشاف حديث لورش العمل والمقابر القديمة في سقارة
ولفت إلى أن المقابر التاريخية يوجد فيها رخام تم جلبه من بلاد أخرى، متمنيا أن تكون مقبرة الخالدين بنفس طرازها المعماري، وأن يدخل فيها التكنولوجيا الحديثة كمتحف ومكتبة لعرض الأعمال الفنية والأدبية، مثل الكاتب والروائي يحيى حقي والشاعر محمود سامي البارودي لتعرض فيه يوميا أحداث فنية من عروض مسرحية.
وكذلك اقترح شاكر أن تحّول المقبرة إلى ساحة من المسابقات، مثل قراءة القرآن الكريم بقراءة الإمام ورش (المتوقع نقل رفاته إلى المقبرة المقترحة)، وأكد كبير الآثريين أن المؤسسات الثقافية سوف تدعم هذه الفكرة إلى جانب وزارة السياحة والآثار.
وعلى الجانب الآخر، رأى المهندس طارق المري، استشاري الحفاظ على التراث وخبير مركز التراث العالمي في اليونسكو، أن الأفضل تغيير خط سير الطريق المزمع إنشاؤه في المنطقة بدلا من نقل المقابر الموجودة حاليا، وأضاف في حديث مع "سبوتنيك": "المقابر موجودة بالفعل لكن الطريق لم يتم البدء فيه بعد، والأسهل أن يتم تغيير مسار الطريق".
وأشار المري إلى أن المقابر الإسلامية في القاهرة التاريخية هي ثاني أقدم مقابر لا زال يدفن فيها بعد مدافن البقيع في المملكة العربية السعودية، وتضم الكثير من الشخصيات المؤثرة في التاريخ المصري، ويمكن من خلال الاهتمام فيها أن تكون أحد المقاصد السياحية المهمة.
مناقشة