لماذا تضاعفت الأزمة الإنسانية في السودان بعد سيطرة الدعم السريع على ود مدني؟

معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
يبدو أن الحرب في السودان لن تقترب من شاطئ النهاية؛ فكلما ظهرت بارقة أمل اشتعلت الأوضاع بصورة كبيرة، إذ قلب ‏استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني الاستراتيجية عاصمة ولاية الجزيرة سيناريوهات جديدة للحرب، أبرزها تضاعف ‏الأزمات الإنسانية وأعداد النازحين، والانتهاكات والجرائم ضد المدنيين، ما ينذر باتساع رقعة المعارك.‏
Sputnik
فكيف أثرت الأوضاع في ولاية الجزيرة على عمليات النزوح والأزمة الإنسانية، وضعف العمليات الإغاثية بصورة كبيرة، وتوقفها أو انسحابها من بعض المناطق؟
بداية، تقول المسؤولة في منظمات الإغاثة بولاية الجزيرة، عائشة أبكر، إن "هناك 5 قرى نزحت من مدينة ود مدني إلى قرى ومناطق أخرى تبعد نحو 20 كيلو متر هربا من جحيم الحرب في المدينة".
أوضاع مأساوية
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك" أن "أوضاع النازحين من الأطفال وكبار السن والنساء مأساوية بمعنى الكلمة، ليست هناك أي مقومات كافية للحياة، والإغاثة الخارجية شبة منعدمة، إذ يحاول سكان المنطقة التي استقر بها النازحون أن يقدموا لهم ما لديهم من طعام وأغطية وأدوية وفق إمكانياتهم، وأنا حاضرة في تلك المناطق وشاهدة عيان على تلك الحالة التي يعيشها الناس من الجوع والخوف وفقدان الأمل في الحياة، وقد فارق الحياة عدد من كبار السن".
وتابعت أبكر: "عندما خرجنا من مدينة ود مدني، كانت هناك اشتباكات كبيرة جدا، وهناك قصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية، الأمر الذي ترتب عليه عدم وجود طعام أو شراب أو حتى ما يحفظ الناس من عمليات القتل وغيرها".
وأشارت أبكر إلى أن "ود مدني كان بها عدد كبير من النازحين، وحاول الكثير منهم الهروب بعيدا عن مناطق القتال، بعدما انتشرت بعض الأخبار عن انتهاكات بدنية وتحرشات بالنساء، "هذا ما سمعته"، ولم أشاهد شيئا منه بنفسي، لكن الكثير فضّل النزوح عن أن يتعرض للانتهاكات (بحسب روايات بعض النازحين) ممن تقابلت معهم".
العنصرية والأعراق
من جانبه، يقول رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الدكتور محمد مصطفى: "بعد دخول قوات الدعم السريع مدينة مدني حاضرة ولاية الجزيرة والسيطرة عليها بالكامل، جرت اعتقالات واسعة وتعذيب وتصفيات لأبناء دارفور من قبل الجيش والأجهزة الأمنية في مدن ولايات نهر النيل والشمالية والقضارف والبحر الأحمر، تحت مسمى الخلايا النائمة، وهنالك عدد كبير من المعتقلين ليست لهم أي علاقة بالسياسة، بل أن أغلبهم من الذين نزحوا من الخرطوم هاربين من جحيم الحرب بحثا عن الأمن والمصادر البديلة للرزق".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هناك أشخاص يعملون ليل نهار على تأجيج وتشجيع العنصرية والنعرات العرقية، ويسبّون أبناء الغرب ليل نهار، بينما أغلب الذين يقاتلون في صفوف الجيش الآن، ويتصدّون لقوات الدعم السريع هم أبناء دارفور والنوبة".
وأشار مصطفى إلى أن "البعض يصف الحرب الحالية بأنها حرب الهامش للهامش، ويصر البعض الآخر على أنها حرب أبناء الغرب المهمشين لأبناء المركز ممثلين في الجيش، وبالتالي يستهدف أبناء الغرب العزل في بعض المدن على هذا الأساس، وهذا سيجرّ السودان كله إلى جحيم عرقي قد يتضرّر منه المواطن المسكين الذي لاحول له ولا قوة، وللأسف لم نسمع حتى الآن من قيادة الجيش أي توجيه ينهى من خلاله مثل هذه الممارسات السلبية والمؤثرة في النسيج الاجتماعي، والتي قد تؤدي إلى ممارسات شبيهة من الطرف الآخر، وفي كل الأحوال المتضرر الأوحد هو المواطن الذي يصارع الآن من أجل البقاء".
1 / 5
معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
2 / 5
معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
3 / 5
معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
4 / 5
معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
5 / 5
معاناة شديدة يعيشها آلاف السودانيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة
العاصمة الاستراتيجية
أكد رئيس حركة "العدل والمساواة الجديدة" في السودان، الفريق منصور أرباب، أن "هجوم الدعم السريع على مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة، أربك المشهدين العسكري والسياسي".
وقال أرباب في حديث سابق لـ"سبوتنيك"، إن "ما قام به الدعم السريع في ولاية الجزيرة، والهجوم العسكري على عاصمتها الاستراتيجية ود مدني، أربك المشهد العسكري والسياسي معا، وراجت إشاعات كثيرة جدا عن دور القوات المسلحة السودانية في معارك مدينة ود مدني".
وأشار أرباب إلى أن "تلك التحركات والخطوات التي قام بها الدعم السريع، وما تبعها من سقوط بعض المواقع والحاميات والألوية العسكرية التابعة للفرقة الأولى مشاة، واستردت القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية الأخرى التي تعمل معها بعضا من تلك المواقع، وانسحبت قوات الدعم السريع من مواقع أخرى، بعد ما روّعت المواطنين وارتكبت جرائم الحرب كعادتها وممارسة أعمال النهب والسلب وقتل المدنيين".
وأضاف أرباب أن "الأحداث المصاحبة بالدعاية الإعلامية وبروباغاندا الحرب التي تستخدمها غرف الدعم السريع بغرض التشويش على وقوف وإسناد الشعب السوداني للقوات المسلحة ودعمها، تحاول بكل السبل التشكيك في طريقة إدارة القوات المسلحة لمعاركها الوطنية ضد قوات الدعم السريع، مما اضطر قائد الفرقة الأولى ومساعد القائد العام للقوات المسلحة من مخاطبة الشعب السوداني وشرح ما حدث في ود مدني".
وأكد رئيس "العدل والمساواة" أن "مجريات الحرب والمعارك القادمة بعد أحداث ود مدني، لن تكون في طبيعتها كما كانت من قبل، وستكون أحداث مدينة ود مدني نقطة تحول كبيرة في مجريات المعارك القادمة".
وأوضح أرباب أن مدينة "ود مدني لها خصوصية، والشعب السوداني تفاجأ بسقوطها الجزئي في يد الدعم السريع قبل أن يتم طرده منها".
آلية تحقيق مستقلة
بدورها، دعت منظمات المجتمع المدني السودانية إلى إنشاء آلية مستقلة للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي ارتكبها طرفا الصراع في السودان، وجاءت تلك الدعوة في إطار الوقوف على تلك الانتهاكات وتوثيقها تمهيدا لتقديم مرتكبيها للعدالة بعد انتهاء المعارك.
وشدد رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية، عادل عبد الباقي، على "ضرورة مساءلة جميع أطراف الصراع في السودان، لأن الإفلات من العقاب هو جوهر الأزمة الحالية، لا سيما بعد فشل المجتمع الدولي والإيجاد في محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "في ظل الصراع الدائر منذ عدة أشهر بين الجيش والدعم السريع، ظهرت مخاوف كبرى بشأن ما يجري في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، وما يجري من انتهاكات بحق المدنيين من قبل القوات المتحاربة، في ظل تصاعد العنف وانتشاره في مناطق جديدة بالبلاد".
وقال عبد الباقي: "نحن بحاجة إلى دعم عمليات المساءلة بشكل لا لبس فيه، ونحن نشهد استئناف العنف في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك في دارفور والنيل الأزرق وولايتي شمال وجنوب كردفان وشرق السودان".
وأشار رئيس المنظمات إلى أنهم "رصدوا خلال الأيام الماضية نزوح ما يقارب 1.8 مليون مواطن من ود مدني، بينما ظل أكثر من 120 ألف نازح في معسكرات ومراكز الإيواء داخل مدني".
البرهان: قوات الدعم السريع "سرطان" ولن نوقع اتفاق سلام فيه مهانة وذل للجيش والشعب السوداني
وأعلنت قوات الدعم السريع السودانية، يوم الثلاثاء الماضي، السيطرة على مقر رئاسة حكومة ولاية الجزيرة في وسط البلاد، داعية المواطنين الذين نزحوا من الولاية إلى العودة.
وقالت الدعم السريع، في بيان لها، أنها تجدد التأكيد بأن قواتها لم تسع لهذه الحرب وإنما أجبرت على خوضها دفاعًا عن النفس وعن إرادة الشعب المتطلع إلى الحرية والسلام والحكم المدني الديمقراطي، بحسب البيان.
وأضافت أن "حملات الغرف المأجورة روعت المدنيين الأبرياء وحرضتهم على قواتنا مما دفع المواطنين إلى النزوح، فيما تم إكراه أعداد كبيرة من المدنيين في مراكز الإيواء بالقرب من معسكرات الاستنفار على البقاء لاستخدامهم دروعًا بشرية من قبل الفلول".
وأكد البيان ضرورة "صدور قرار بتشكيل قوة لمحاربة الظواهر السالبة"، مشيرا إلى أن "هناك توجيهات مشددة لجميع القوات بالتعامل مع كل من يهدد حياة الناس بالحسم اللازم والمحاسبة الفورية".
ودعت قوات الدعم السريع "أهل الجزيرة، لا سيما الشباب والنساء إلى الشروع فورًا في تشكيل لجان مدنية لإدارة ولايتهم"، مؤكدة أنها ستقوم بتوفير ما يلزم من الدعم والمساندة لهم بما يضمن تحقيق الاستقرار.
وختم البيان، بالقول إن "هناك حاجة ملحة لإعادة بناء الجيش السوداني على أسس جديدة تباعد بينه وبين السياسة ليكون جيشًا لكل السودانيين لا لحزب أو جهة".
واندلعت، منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة في السودان، وكان الطرفان قد اتفقا مرات عدة على وقف إطلاق النار، لكن لم يتم الالتزام به.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
مناقشة