محللون: فرنسا تبحث عن نفوذها في ليبيا

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون
استقبل عضو المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، اليوم السبت، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا، بول سولير، والذي كان يحمل رسالة من إيمانويل ماكرون.
Sputnik
وأكد ماكرون في الرسالة التي حملها سولير، على استمرار فرنسا بالاهتمام بالملف الليبي، ومعالجة الانسداد السياسي، وتحقيق الاستقرار من أجل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي، ودعم جهود إعادة الأعمار في مناطق الجنوب الليبي... فما الذي تبحث عنه فرنسا في ليبيا وفي الجنوب الليبي على وجه الخصوص، وهل هناك أطماع فرنسية في الجنوب الليبي؟
البحث عن النفوذ
في هذا الإطار، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، إلياس الباروني، إنه "في الفترة الأخيرة هناك تحرك إقليمي ودولي على الساحة الليبية تحت شعار مساعدة الدولة الليبية للخروج من الأزمة على الصعيد السياسي والأمني هذا في الظاهر، لكن هناك تنافس وصراع بين هذه القوى للسيطرة وبسط النفوذ، ولإيجاد موضع قدم لها في الدولة الليبية، وذلك لأن ليبيا بلد بكر تحتاج إلى إمكانيات وشركات متعددة الجنسية، ولهذا تسعى كل الدول بأن يكون لها موطئ قدم في هذه العملية".
وتابع الباروني في تصريحات لـ"سبوتنيك": "جاء هذا التحرك الفرنسي في هذه اللحظة، عندما شاهدت فرنسا تحركات دولية كبيرة، وبالتالي تبحث فرنسا أن يكون لها دور في هذه المرحلة، خاصة وأنها خسرت المعركة في عام 2019، ولم يكن لها مكانة في ليبيا في تلك الفترة، واختفت من المشهد إلى حد كبير، لهذا أرسلت فرنسا مبعوثا خاصا للرئيس الفرنسي، في محاولة منها لتقديم المعونة بحجة مساعدة ليبيا في هذه العملية".
وأضاف أن "هناك استراتيجيات ورؤى مختلفة بين ليبيا وفرنسا من جهة، وبين فرنسا والقوى الأخرى من جهة أخرى، ودخلت فرنسا بحجة مكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، والسعي لتقديم المساعدات سواء الفنية واللوجستية لمقاومة هذه الإشكاليات التي تعاني منها ليبيا، وسببت ضررا لأوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص".
مبعوث القذافي السابق: فرنسا دمرت ليبيا لهذه الأسباب واقتطعت مساحات من الجنوب
وأشار إلى أن "هناك إشكالية كبيرة تؤرق ليبيا وأوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص، وهي الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، ومن هنا جاءت فرنسا من هذا المدخل لكي تجد مكانا في عملية الاتفاق حول العديد من النقاط التي تخدم المصلحة الفرنسية".

وطالب الباروني وزارة الخارجية الليبية والمجلس الرئاسي الليبي بأن "يكونا أكثر قوة وصرامة في ملف تلقي الدعم الفرنسي، وألا يكون ذلك على حساب السيادة الليبية بسبب غياب الثقة بين ليبيا وفرنسا، لأنها اعتدت على الشعب الليبي، وكان لها دور في عملية الشقاق مسبقا، وعملها على عدم مساعدة الشعب الليبي في إنهاء المراحل الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار".

وشدد على "ضرورة أن تدعم فرنسا ملف الانتخابات، وأن تسعى لمساعدة ليبيا في تحقيق هذا الاستحقاق الانتخابي، وأن تكون داعمة للحكومة الليبية لإنهاء هذه المراحل، وأن تكون على تنسيق بينها وبين القوى الدولية أمريكا وبريطانيا والاتحاد الروسي، الذي يشكل دورا مهما في هذه المرحلة"، كما طالب "بضرورة أن يكون هناك تناسق فيما بينها واتفاق على إخراج ليبيا من هذه الأزمة، لأن استمرار هذا الوضع في ليبيا لا يخدم هذه الدول ولا يخدم القضية الليبية، وبالتالي اتفاق هذه الدول مهم جدا من أجل إخراج ليبيا من هذا المأزق وإفشاء عملية السلام والأمن الدوليين، بسبب التهديدات الدولية التي أدت إلى غياب الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، الذي ينتج عنه انعكاسات سلبية على القوى الدولية والإقليمية بما فيها ليبيا".

وقال موضحًا: "تبحث فرنسا عن موطئ قدم في ليبيا، ناهيك عن إقليم فزان في الجنوب الليبي الذي يعتبر نقطة عبور إلى القارة الأوروبية، بسبب موقع ليبيا الاستراتيجي الهام من الناحية الأمنية والعسكرية، لذلك تسعى فرنسا لوضع موطئ قدم لها تحديدًا في الجنوب الليبي".

وأردف: "يأتي ذلك بسبب ضعف وهشاشة الوضع الأمني في ليبيا، الذي أدى ذلك إلى توغل فرنسا في الجنوب الليبي، وهذا الأمر يؤرق الوضع السياسي والأمني في ليبيا، وكذلك الوضع الأمني في القارة الأفريقية وفي دول مثل ليبيا وتشاد والنيجر وغيرها، التي قامت بثورات ضد الوجود الفرنسي في هذه المناطق وتحولت للتعامل مع قوى أخرى، وبالتالي تسعى فرنسا للبحث عن دور في هذه المنطقة وتعيد مجدها في القارة الأفريقية، يأتي ذلك في ظل صمت وضعف الحكومات المتعاقبة على هذا الوضع، وضعف السيادة الليبية، وتعرضها للاختراقات من قبل هذه الدول مجتمعة".
ماكرون: نتصرف بـ "قوة" لحل أزمات تولد الإرهاب بالشرق الأوسط.. أفكر بصورة خاصة في لبنان وليبيا
أطماع اقتصادية
من جهته، يرى المحلل السياسي، محمد أمطيريد، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الملف الاستراتيجي والعمق الذي تطمح له فرنسا في المنطقة، وخاصة استشعار أهالي الجنوب الليبي أو إقليم فزان، بالتهميش وهيمنة مدن ومناطق الساحل الليبي على الجنوب، وهذه إحدى الأسباب والمؤشرات التي تجعل من فرنسا تبحث إلى أفكار أو أبعاد استراتيجية، وهذا ما يفتقده كل المسؤولين الليبيين، لأن مخاطر فرنسا في المنطقة وخاصة اهتمامها بالجنوب الليبي هي أهم النقاط القديمة لفرنسا والتي تسعى لتجديدها، ولديها مواقف تاريخية يمكن ذكرها في العديد من التقارير، وأهمها هو بناء قاعدة ماداما في النيجر المطلة على الحدود الجنوبية الليبية التي طورت أخيرًا في 2014، وأطلقت من خلالها عدة عمليات ضد الإرهاب والهجرة غير الشرعية في أفريقيا، وهي حجج تستخدمها فرنسا للتدخل في الملف الليبي".
وأكد أن "فرنسا لها اهتمامات اقتصادية كبيرة، فلديها عدة واحات تستخدمها فرنسا عن طريق بعض الشركات النفطية في المنطقة النفطية في ليبيا، للبحث عن موارد لها في ليبيا".
وأضاف بأن فرنسا "لها أبعاد أخرى سياسية واقتصادية وأمنية، في اجتماعها مع عضو الرئاسي كممثل الجنوب، فهي دائما ما تستقبل المعارضين من الجنوب الليبي، وهي الحاضنة للمعارضين من الجنوب الليبي، لأن أغلبهم يتواجدون في فرنسا، وهي ورقة ضغط تستخدم للتأثير على الملف السياسي الليبي".
وأوضح أمطيريد أن "هناك صراعا كبيرا فرنسيا تركيا، وهذا صراع قديم وتخاف فرنسا من التغلغل التركي في ليبيا، خاصة وأن تركيا تستوطن في الغرب الليبي بقواعدها ونفوذها، وهي فاعلة في الملف الليبي بشكل كبير".
وتابع، معتبرًا أن "فرنسا تبحث لذريعة للتدخل في الشأن الليبي مستغلة التهميش للجنوب الليبي من قادة الشمال الليبي ومعاناة أهالي الجنوب، مستثمرة وجودها في مالي والنيجر بحكم أن هناك قبائل مشتركة بين هذه الدول، وطموحها هو استغلال إقليم فزان جنوب ليبيا بمنفذ سرت البحري الذي رسم سابقا في 2011، وهناك حراك بهذا الأمر، ولكن هناك رفضا شعبيا في الجنوب الليبي حتى اللحظة، ولكن في حال حل مشاكل الجنوب الليبي وحل الأزمات سوف يقتنع الكثير من أهالي الجنوب بهذا المشروع المتكامل الأركان".
وقال: "لا يمكن الاستهزاء بهذا الأمر، إلا إذا توعد قادة الشمال بحل مشاكل الجنوب والقضاء على الأزمات فيه، كل هذه العوامل تعطي مؤشرات خطر فرنسي ضد الدولة الليبية، إن فرنسا هي التي دمرت أفريقيا الوسطى بسبب سياساتها في المنطقة باستنزاف النفط والغاز والمعادن التي تعاني الفقر، تحاول تمرير مشروعها من خلال المعارضين الذين تحتويهم على أرضها كورقة في الملف السياسي الليبي".
واعتبر أن "فرنسا لها مطامع كبيرة في الجنوب الليبي"، لافتا إلى أنها "من أشد الدول المستنزفة لثروات الدول الأفريقية على حساب الشعوب، وتحاول فرنسا تمرير مشاريعها في ليبيا بحجج مكافحة الإرهاب والهجرة وغيرها، وهذا الأمر يعد تهديدا للأمن القومي الليبي"، حسب قوله.
مبعوث ماكرون إلى ليبيا يؤكد أهمية عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ويدعو إلى إجراء الانتخابات
السيطرة على الجنوب
ومن جهة أخرى، يقول المحلل السياسي، إدريس أحميد، إن "فرنسا كانت في الجنوب باعتباره امتدادا لأفريقيا التي كانت تسيطر عليها، وفي الوقت الحالي فقدت فرنسا تواجدها في بعض الدول الأفريقية التي أصبحت مستقرة نوعا ما، وترى في ليبيا وفي الجنوب تحديدا موطئ قدم لها، لذلك فرنسا التي قادت التدخل في ليبيا في 2011، تبحث عن مصالحها في ليبيا وفي الجنوب تحديدا كونها بوابة لها في دول الجنوب".

ويرى أحميد في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "فرنسا لها تحركات في الملف الليبي، وقدمت عدة مبادرات وعقدت عدة مؤتمرات في باريس، وأن فرنسا لها مصالح جاءت تبحث عنها من خلال الزيارات الرسمية، واللعب على عدة ملفات حساسة، كملفات الهجرة غير الشرعية، ولكن ماذا ستقدم فرنسا في هذه الملفات الحساسة، وهي تعاني من تخبط كبير بعد فقدانها العديد من الدول التي كانت تسيطر عليها في أفريقيا، وربما هو مجرد حديث في ظل عدم الاستقرار الذي تمر به ليبيا".

وأكد أن "فرنسا لها علاقات في الجنوب الليبي تحاول من خلالها البحث عن دور لها، والبحث عن المصالح الاقتصادية، خاصة وأن الجنوب الليبي غني بالثروات والنفط والغاز، خاصة وأن هناك اتفاقيات وُقّعت مع شركات فرنسية، ولكن ربما هناك تنافس كبير على ملف الجنوب الليبي من عدة دول، ولهذا فرنسا ترى بأن الجنوب الليبي مكان له إمكانيات كبيرة".
وأوضح بأن "السيادة أمر هام لأي دولة، وبوجود هذا الانقسام في ليبيا فإن أمنها القومي وسيادتها مهددان، على الرغم من جهود الجيش الوطني الليبي، ولكن يجب أن تكون هذه الجهود مدعومة وطنيا، وعلى الأطراف التي تختلف مع الجيش الليبي أن تدعمه، لأنه يقوم بعملية تأمين الحدود، لأنه في ظل هذا التهديد يجب أن تكون هناك وقفة من أجل أمن الحدود وأمن الجنوب، والابتعاد عن صغائر الأمور".
وفيما يتعلق بالحديث عن الانتخابات، أكد إدريس أحميد بأن "هناك الكثير من الدول التي زعمت بأنها ستكون داعمة لملف الانتخابات في ليبيا، وبذلت فرنسا جهودا في السابق لمحاولة المساهمة في الملف الليبي، ولكن هناك تنافس إيطالي تركي في هذا الخصوص، وربما أن ملف الانتخابات يفترض أن يكون بإرادة ليبية، والحل يجب أن يكون ليبي بعيدا عن الزيارات الدولية المتكررة".
مناقشة