هل رفضت موريتانيا الانخراط في سياسة المحاور بالمنطقة المغاربية؟

طرح الموقف الموريتاني من التكتل المغاربي الذي يضم الجزائر وتونس وليبيا، تساؤلات مهمة بشأن تموضع نواكشوط، وحيثيات قرارها بالابتعاد عن سياسة المحاور.
Sputnik
يقول خبراء في الشأن المغاربي إن "موريتانيا تستفيد بشكل أكبر من وحدة المنطقة المغاربية، ولا ترغب في معاداة دولة على حساب الأخرى، كما أنها تتحفظ بشأن سياسة المحاور التي تلوح في الأفق بالمنطقة المغاربية".
وقبل أيام قليلة، اتفقت كل من الجزائر وليبيا وتونس، على عقد اجتماعات كل 3 أشهر، يكون الأول في تونس، بعد شهر رمضان، في استثناء للمغرب وموريتانيا (التي نأت بنفسها عن سياسة المحاور)، فيما يبدو أنه توجه لخلق تكتل مغاربي بعيدا عن الاتحاد المغاربي، الذي تجمدت أنشطته ودوره منذ فترة.
الجزائر وموريتانيا تدشنان معبرين حدوديين لتعزيز التجارة بينهما
وتتقارب حجم التبادلات التجارية الموريتانية مع الجزائر والمغرب، لكن نواكشوط حافظت منذ فترة طويلة على علاقة متوازنة مع طرفي الأزمة (المغرب والجزائر)، خاصة في ظل الحدود المشتركة والعلاقات التجارية والاستثمارية معهما، التي سبق إليها المغرب بسنوات، وسعت الجزائر، في الآونة الأخيرة، لتعزيزها.
الموقف الموريتاني الأخير، الذي فضل النأي بالنفس، قد يفتح لها الباب لاستفادة أكبر أو لعب دور الوساطة فيما بعد، في ظل تقديرات تشير إلى أمكانية ميولها للمغرب بشكل أكبر، حال ما اتخذ التكتل الثلاثي خطوات أكبر بشأن عزلها هي الأخرى ما لم تنضم إليه، بحسب الخبراء.

المغرب وموريتانيا

تشترك موريتانيا في حدود برية مع كل من الجزائر والمغرب، وتربطها مع البلدين معابر برية أسهمت في تعزيز التبادل التجاري بصورة كبيرة خلال العام الماضي، كما تحافظ الدولة العربية على اندماجها في اتحاد المغرب العربي، في ظل ما تعانيه مع دول الجوار من الطرف الآخر غير الناطقة بالعربية، والتي تنتشر فيها جماعات إرهابية عدة، إذ ترى نواكشوط أن اندماجها في الاتحاد المغاربي يحفظ لها هويتها، واستقرارها.
"المنطقة الحرة" بين الجزائر وموريتانيا... أهداف ثنائية وإقليمية... ما علاقتها بالمغرب؟
وسجلت التبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا، دينامية غير مسبوقة خلال عام 2022، إذ ناهزت قيمة هذه التبادلات 300 مليون دولارأمريكي، محققة بذلك نسبة نمو بلغت 58 في المئة مقارنة مع عام 2020.
كما يلعب معبر "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا، دورا هاما في حركة التبادل التجاري بين البلدين، كما يعد المغرب المستثمر الأول في موريتانيا على المستوى الأفريقي، عبر قطاعات مهمة مثل الاتصالات والبنوك، وتحويل وتثمين منتجات الصيد البحري، وقطاع الزراعة وقطاع إنتاج الإسمنت ومواد البناء وتوزيع الغاز المنزلي.

الجزائر وموريتانيا

يقترب حجم التبادل بين موريتانيا والجزائر من قيمته بين الأخيرة والمغرب، حيث قال وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني، في وقت سابق، إن "حجم التبادل التجاري بين موريتانيا والجزائر، ارتفع بنسبة 82%".
ولفت الوزير الجزائري، قبل أيام قليلة في مارس/ آذار الجاري، إلى أن "قيمة المبادلات التجارية الجزائرية الموريتانية، ارتفعت إلى 414 مليون دولار، خلال 2023 مقارنة بـ 297 مليون دولار، خلال العام 2022".
الحكم بالسجن 5 سنوات بحق رئيس موريتانيا السابق ومصادرة أمواله
وفي مطلع العام الماضي، أعلنت الجزائر وموريتانيا، إقامة منطقة حرة للتبادل التجاري بينهما مع بداية العام الجديد 2024، بهدف دفع التعاون الاقتصادي، الذي شهد تقدما نوعيا خلال الأعوام الأربعة الماضية.

ثروات موريتانية

وتمتلك موريتانيا ثروة سمكية هائلة تقدر طاقة تصديرها السنوية بـ1.8 مليون طن.
وفق أحدث الإحصائيات في وكالة "ترقية الاستثمارات" في نواكشوط، لم تتجاوز نسبة التصدير 1.2 مليون طن، الأمر الذي يفتح الباب لتنافس بين الجزائر والمغرب حول تعزيز التعاون مع موريتانيا، التي تستفيد من موقعها وعلاقتها مع الطرفين.
كما عملت موريتانيا، خلال السنوات الماضية على تجهيز 4 موان بحرية، وهي نواذيبو ونواكشوط وتانيت وندياغو.
في الإطار ذاته، قال الأكاديمي الموريتاني، الدكتور ديدي ولد السالك، إن "موريتانيا تحاول الحفاظ على علاقتها المتوازنة مع المغرب والجزائر، خاصة في الخلاف القائم بين البلدين منذ سنوات".
مدير الاستراتيجيات والإحصاء في موريتانيا يعدد لـ"سبوتنيك" مزايا الاستثمار في بلاده

تحفظ نواكشوط

وأضاف ولد السالك، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "موريتانيا تتحفظ بشأن أي تكتلات في المنطقة، التي تعيد للأذهان مشهد فترة السبعنيات، إذ تبعث الخلافات والتكتلات بتوترات في المنطقة من شأنها ضعف التنسيق الأمني وفتح الباب لنشاط الجماعات المتطرفة والإرهابية".
ولفت الأكاديمي الموريتاني إلى أن "موريتانيا، منذ سنوات طويلة، تحافظ على علاقة جيدة بالبلدين ولا تسعى لاتخاذ موقف على حساب دولة أخرى، بحيث لا تتحول لعدو لأي من الطرفين، خاصة أن إمكانياتها أضعف من البلدين".
ويرى أن "تعثر التكتل الجديد يعني استمرار تعثر اتحاد المغرب العربي المعطل منذ فترة طويلة".

انعكاسات سياسة المحاور

يشير الأكاديمي الموريتاني إلى أن "موريتانيا حريصة على استمرار اتحاد المغرب العربي، الذي يضمن لها الاندماج مع مجموعة متجانسة ثقافيا وحضاريا، بالنظر لكونها دولة طرفية، تعاني من جوارها الأفريقي غير الناطق بالعربية، ما يعني أن التكتل المغاربي يحفظ لها هويتها".
احتجاجات في موريتانيا بعد وفاة مواطن أوقفته الشرطة... والسلطات تقطع الإنترنت
وفق الأكاديمي الموريتاني فإن "الاندماج المغاربي يعود بالنفع للدول المغاربية، ويحفظ لها مصالحها الدولية في ظل التحولات الاستراتيجية الدولية، التي تحدث على مستوى الساحة الدولية".
فيما يقول عبد الدايم الحضرمي، الخبير السياسي الموريتاني، إن بلاده لديها موقف واضح وثابت، حيث تقف على مسافة واحدة من الجميع.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "موريتانيا لديها موقفها الشخصي من التكتل الجديد، وفقا لما تراه يتناسب مع علاقتها مع الأطراف المغاربية، والتي تقف على مسافة واحدة منهم".

قرار استراتيجي

فيما يقول الدكتور إسماعيل محمد طاهر، الخبير السياسي، إن "موريتانيا اختارت موقفها من التكتل الثلاثي، في حين أن الجزائر وليبيا وتونس لديهم حدود مشتركة، وتجمعهم أولويات أمنية".
ويرى في حديثه مع"سبوتنيك"، أن "موريتانيا قد تكون أقرب إلى المغرب، ولا تريد أن تنحاز إلى أي طرف من الأطراف بشكل صارخ، فيما تحافظ على علاقتها مع الأطراف بشكل نسبي، بالنظر لقربها الجغرافي مع المغرب".
أما التبادل التجاري بين تونس وموريتانيا، يبقى دون المأمول، حيث عادل 50 مليون دينار تونسي في 2021، فيما تهدف التحركات بين البلدين لبلوغه 100 مليون دولار سنويا.
مناقشة