تونس.. أزمة اجتماعية يحركها ارتفاع الأسعار واستمرار نقص المواد الأساسية

بيد فارغة من الزيت النباتي ومادة السكر تعود التونسية هاجر زقاد مجددا من السوق إلى منزلها محمّلة بهواجس تواصل فقدان العديد من المواد الأساسية منذ أشهر وحول ما ستؤول إليه الأوضاع في بلادها.
Sputnik
تقول هاجر لـ"سبوتنيك" إنها تجوب يوميا المتاجر الكبرى بحثا عن لتر واحد من الزيت المدعم أو كيلوغرام من السكر أو القهوة، مضيفة "لا أعثر غالبا على ضالتي وأحيانا يكتفي البائع بتقديم رطل واحد لا يكفي لسد احتياجات عائلتي مدة يومين".
بدوره، يشير مروان بنصيب إلى أنه يضطر إلى شراء الزيت النباتي غير المدعم الذي يفوق سعره 8 أضعاف الزيت الذي تدعمه الدولة، مؤكدا أنه لا يستطيع تحمل هذه النفقات لمدة أطول خاصة وأن أجره الشهرة لا يتجاوز 600 دينار تونسي (نحو 188 دولارا أمريكيا).
ويتصاعد الشعور بالحيرة والقلق لدى التونسيين من تواصل فقدان المواد الأساسية المدعمة ونقص توزيع المحروقات والارتفاع الصاروخي في الأسعار الذي لحق جلّ القطاعات والمواد وعلى رأسها الغذاء والسلع المدرسية والطاقة، خاصة أنهم يجابهون هذه الأوضاع بمقدرة شرائية تدنت إلى مستويات غير مسبوقة.
قيس سعيد للخارجية الأمريكية: نرفض التدخل في شؤون تونس الداخلية

الآلاف مهددون بالبطالة

وتسبب فقدان مادة السكر في خلق أزمة حادة على مستوى المصانع التي تعتمد في إنتاجها بشكل أساسي على هذه المادة، على غرار مصانع المشروبات الغازية والشوكولا والبسكويت والزبادي.
وقاد هذا الوضع عددا من عمال هذه المصانع إلى خوض تحركات احتجاجية بعد أن تسببت أزمة السكر في غلق مصانعهم وتوقف عملهم.
ويؤكد كاتب عام الفرع الجامعي للسياحة والتجارة والصناعات الغذائية بمحافظة بن عروس سهيل بوخريص، أن هذه المصانع تشكو من صعوبة في التزود بمادة السكر منذ شهر يوليو/ تموز المنقضي.
وأضاف في حديث لـ "سبوتنيك"، أن وزارة التجارة أصبحت تزود هذه المصانع بنصف الكمية التي تحتاجها من السكر، وهو ما تسبب في تقلص الإنتاج ودفع أرباب العمل إلى تقليص عدد ساعات الشغل.
وتابع: "لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ راعنا في المدة الأخيرة أن مصانع المشروبات الغازية والشوكولاتة والزبادي التي يمثل السكر مادة أساسية في عملية إنتاجها أصبحت تتحصل على 10% فقط من الكمية المطلوبة، وهو ما أجبر عددا منها على الغلق".
وأكد بوخريص أن هذه المصانع تلقت وعدا من السلطات بتوفير الكميات المطلوبة من مادة السكر ابتداء من يوم الجمعة الماضي، مضيفا: "لم يدم هذا الوعد سوى يومين فقط، وها أننا اليوم مثلا لم نحصل ولو على 1% من السكر".
وأكد بوخريص أن تواصل هذا الوضع يهدد بإحالة الآلاف من العمال إلى البطالة، مشيرا إلى أن أزمة السكر تسبب أضرارا لنحو 7 آلاف عامل مباشر ولأكثر من 24 ألف عامل يرتبط عملهم بتوفر السكر بشكل غير مباشر في محافظة بن عروس لوحدها.
وقال بوخريص: "لن يتوقف الأمر عند حدود تنظيم وقفة احتجاجية، سنتوجه إلى الاعتصام المفتوح بداية من الغد إلى حين حل هذه الأزمة التي لم يتسبب فيها الاحتكار أو التهريب، وإنما تأخر الدولة عن خلاص مستحقات البواخر التي تزود تونس بمادة السكر".
توترات تونس والمغرب تنسف آخر آمال "اتحاد المغرب العربي"... هل تصل لقطع العلاقات؟

عبء يثقل كاهل المواطن

وفي تعليق لـ"سبوتنيك" يقر رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي بوجود اضطراب في التزود ببعض المواد الأساسية في عدد من مناطق الجمهورية، ومنها الزيت النباتي والسكر والقهوة.
وأكد: "تلقينا وعدا من وزارة التجارة بمعالجة هذه الإشكاليات في أقرب الآجال عن طريق ضخ كميات من هذه المواد في السوق تدريجيا، وقد باشر الديوان الوطني للتجارة في ضخ ألف طن من مادة السكر يوميا".
ويشير الرياحي بأنه بالرغم من مباشرة مصالح وزارة التجارة تزويد السوق بهذه المواد، إلا أن المواطنين يشتكون إلى حد اللحظة من فقدان عددا من المواد الأساسية أو عدم توفرها بالكميات المطلوبة.
ويرى الرياحي أن تدخل الدولة يجب أن يشمل مراجعة منظومة الدعم بأكملها، حتى لا تقع هذه المواد في أيدي المحتكرين وتفقد من السوق، مشددا على ضرورة أن يبتعد المواطن بدوره عن اللهفة وأن يرشد استهلاكه.
وقال الرياحي: "ما يقلق أكثر هو الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي أصاب جميع المواد والقطاعات، والذي يعود لأسباب خارجية تتعلق بالنسق العالمي للأسعار، وبأسباب داخلية يمكن للدولة أن تتدخل في معالجتها من خلال محاولة التحكم في التضخم".
وسجلت تونس ارتفاعا في نسبة التضخم الذي بلغ 8.2% خلال شهر يوليو/ تموز الماضي وفقا للمعهد الوطني للإحصاء الذي تشير معطياته الأخيرة إلى تسجيل ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بنسبة 11% والمواد المصنعة 8.6% والخدمات 5.6%.
ولفت الرياحي إلى أن ارتفاع الأسعار أصبح يشكل عبئا ثقيلا على كاهل الطبقات الفقيرة وتسبب في تآكل الطبقة المتوسطة التي أصبحت تجد بدورها صعوبة في مجابهة النفقات اليومية وتلبية حاجياتها الأساسية.
مخاوف بشأن مكاسب حقوق المرأة في تونس... ما مصير المساواة في الميراث

وزارة التجارة تتدخل

وتبرّر وزارة التجارة التونسية الارتفاع المشط في الأسعار وندرة المواد الأساسية بالظروف العالمية، حيث يشير المتحدث الرسمي باسمها محمد علي الفرشيشي في تصريح لـ"سبوتنيك" إلى أن تونس تعاني في الفترة الأخيرة من صعوبات كبيرة على مستوى التوريد.
وأضاف: "أصبحنا نستورد بعض المواد بأربعة أضعاف السعر الذي كنا ندفعه في وقت سابق، وأحيانا لا نجد هذه المواد بسبب التنافس الدولي عليها ولأن بعض الدول المنتجة اختارت إعطاء الأولوية لمخزونها الاحتياطي لسد حاجياتها الداخلية في وقت الأزمات".
وأكد الفرشيشي أن وزارة التجارة تعمل حاليا على تغطية حاجيات المواطنين والصناعيين، مشيرا إلى أنها ستتلقى ما يناهز 50 ألف طن من مادة السكر من الجزائر و30 ألف طن من بلدان أخرى في غضون الأسبوعين القادمين.
وتابع: "بعد الفجوة التي حدثت، قررنا اعتماد سياسة جديدة في التعامل مع المستهلكين من خلال عقلنة المبيعات إلى حين وصول الشراءات الجديدة".
وأشار إلى أن مخازن الديوان التونسي للتجارة تحوي حاليا 7000 طن من مادة السكر و1700 طن من مادة القهوة، بالإضافة إلى 5000 طن من القهوة سيتم استكمال إجراءات استقدامها من ميناء تونس غدا.
وفي علاقة بارتفاع الأسعار، أكد مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار بوزارة التجارة رمزي الطرابلسي لـ"سبوتنيك"، أن الوزارة ستعمل على تسقيف أسعار بعض المواد الاستهلاكية للحد من التضخم والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين.
وزير تونسي: لدينا تطور صادم وغير مسبوق لنسب الأمية في البلاد
وأوضح: "بالنسبة للحوم البيضاء انطلقنا في اعتماد برنامج يهدف إلى مراقبة أسعارها على مستوى المذابح، وأدى ذلك إلى تراجع طفيف في ثمنها يتراوح بين 200 و400 مليم للكلغ الواحد".
وأردف: "كما اتفقنا مع الغرفة الوطنية للبيع بالتفصيل على تقليص هامش ربح التجار من 15% إلى 10%، والفترة القادمة ستشهد انخفاضا في أسعار هذه المواد".
وفسّر الطرابلسي ارتفاع أسعار المواد المدرسية بارتفاع أسعار المواد الأساسية الذي تجاوز 70% في بعض أنواع الورق، مشيرا إلى أن الوزارة ستعتمد برنامجا خصوصيا للضغط على أسعار هذه المواد من خلال الاتفاق مع المؤسسات والمكتبات على اقرار تخفيضات تراعي المقدرة الشرائية للمواطنين
مناقشة