لماذا تفشل مبادرات فرنسا في لبنان وما علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية؟

مع فشل كافة المحاولات المحلية والدولية لإنقاذ لبنان وإخراجه من مأزقه السياسي، باءت كل المبادرات التي أطلقتها فرنسا بالفشل، ولم تتمكن من التوصل لصيغة توافقية بين الفرقاء.
Sputnik
أطلقت فرنسا، التي تعتبر من اللاعبين الأساسيين في لبنان، العديد من المبادرات في مراحل مختلفة، وكانت واحدة منها تلك التي أتت بالرئيس السابق ميشال عون، لكن جميع محاولاتها في الوقت الراهن لم تأت بأي نتيجة إيجابية.
يقول مراقبون إن الفرقاء السياسيين في لبنان يدركون جيدا أن المبادرات الفرنسية ليست في صالح لبنان، بل تأتي لتنفذ أجندة أمريكية وإسرائيلية، حيث لا يمكن لباريس أن تخرج عن عباءة واشنطن، مؤكدين أن أي مبادرة قادمة من جهتها محكوم عليها بالفشل.
باحث سياسي يقول إن زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى لبنان رباعية الأهداف
ونقلت وسائل إعلام محلية، عن مصادر مطلعة قولها، إن فرنسا تسعى لبلورة مبادرة جديدة مع السعودية لحل الأزمة اللبنانية، بعدما فشلت المبادرات السابقة التي طرحتها في هذا الصدد.

عباءة أمريكية

قال العميد خالد حمادة، الخبير الأمني اللبناني، ومدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات إنه لطالما كانت الدبلوماسية الفرنسية مواكبة لجميع المجريات السياسية في لبنان، لا سيما في أوقات الأزمات، وكانت هناك مبادرات فرنسية عديدة عند كل تعثر سياسي في لبنان، خاصة ما قامت به أثناء مؤتمرات باريس 1 و2 و3، ومحاولة فرنسا إبان حكومة رفيق الحريري، دعم الاقتصاد اللبناني والدفع باتجاه جملة من الإصلاحات لكي يتمكن لبنان من السير والانتصار على أزماته الاقتصادية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن فرنسا استمرت على هذا النهج، وكانت آخر مساهمة لها على المستوى الاقتصادي، انعقاد مؤتمر "سيدر"، الذي كان مقدمة للتسوية الرئاسية وإيصال الرئيس السابق ميشال عون إلى السلطة، ولكن البرنامج الذي ضمه المؤتمر لم يتم تطبيقه، لأن الطرف الذي اعتقدت فرنسا أنه سيلتزم بالإصلاحات، لم يلتزم بكل الاتفاقات وبكل ما تعهد به.
صحيفة عبرية تؤكد أن لابيد تواصل مع ماكرون مرتين للوصول لاتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية
وتابع: "بقي لبنان مشتبكا مع الإقليم عبر "حزب الله" في الحرب السورية وفي اليمن وأماكن عدة، بينما لم تخضع الإدارة السياسية به للمطالب الفرنسية والسير في الإصلاحات، فانفجر الوضع السياسي وأزمة الحكم منذ عهد الرئيس عون، ثم توالت بعد ذلك الأزمات، التي شملت ثورة الـ 17 من تشرين، وتفجير مرفأ بيروت، واستقالة حكومة الحريري".
وأوضح العميد خالد حمادة: "استمرت فرنسا في محاولة معالجة هذه المسألة عبر مبادرات عديدة، وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان عدة مرات، وحاول وضع عدة صيغ وترشيح السفير مصطفى أديب، لرئاسة الحكومة، لكن عدم التزام الفرقاء لم يصل بالمبادرة الفرنسية إلى بر الأمان.
ويرى حمادة أن المبادرات الفرنسية كانت تحاول الوصول لتسوية على حساب الدستور اللبناني، وعلى حساب تعديل طريقة الحوكمة في لبنان، والتي أصبحت خاضعة لسيطرة "حزب الله"، مشيرا إلى أن تعنت ميشيل عون، في مواقفه وانعزال لبنان على العالم العربي والعالم بشكل عام.
ولفت إلى أن ما يؤخذ على فرنسا في هذا الأمر هو أنها حاولت ترميم كل ذلك على حساب الشرعية والسيادة اللبنانية، مضيفا: "لذلك لم تصل كل هذه المبادرات لأي نتيجة تذكر".
مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان... ما إمكانية التوافق حول مطالب البطريرك الراعي محليا ودوليا؟
أما اليوم، بحسب الخبير الأمني اللبناني، فقد استمرت المبادرات الفرنسية وكان آخرها التدخل الفرنسي في عملية ترسيم الحدود عبر شركة "توتال" وعبر إجراء اتفاقية بين الشركة وإسرائيل لتعويض تل أبيب من عائدات حقل "قانا" اللبناني، لكن على المستوى السياسي لا يبدو أن فرنسا لديها باع طويلة وقدرة على التأثير في لبنان، حيث أصبح هناك موقف سلبي من فرنسا، نتيجة أن عددا كبيرا من الفريق السيادي في لبنان أخذ عليها انحيازها إلى فريق بعينه ومحاولتها الدؤوبة للتوصل لتسويات ليس الهدف منها تثبيت وضعا مستقرا في لبنان بقدر ما هو تثبيت لدور فرنسي ما وإن كان على حساب الوضع اللبناني.
واستبعد خالد حمادة أن ينتهي الدور الفرنسي في لبنان، معتبرا أن فرنسا ستظل موجودة ولكن هذا الدور وتحديدا بعد اتفاق الترسيم ومجموعة المحاولات الفاشلة السابقة، لا يمكن أن يعيش إلا تحت المظلة الأمريكية.
وتابع: "لا أعتقد أن فرنسا تطمح في الخروج من تحت هذه العباءة، لذلك فإن أي مبادرة فرنسية ستكون جزءا من مبادرة أمريكية ولا يمكن لهذه المبادرة أو أي جهد فرنسي أن يخرج من تحت المظلة الأمريكية، حيث ستبقى الجهود الفرنسية محدودة دائما وفقا للتسويات التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان والمنطقة".

مصالح غربية

يعتبر المحلل السياسي اللبناني، ميخائيل عوض، أن فشل المبادرة الفرنسية الأخيرة كان متوقعا، وأن أي مبادرة جديدة ستطلقها ستفشل أيضا، ذلك لافتقادها لعناصر القوة في لبنان، كما أنها ليست من جهة قادرة على أن تؤمن نجاح مثل هذه الخطوات.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن الطرف الفرنسي سبق وأطلق العديد من المبادرات، وقبل سنتين عقب انفجار مرفأ بيروت، حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيا في زيارتين للبنان، وحمل معه ورقة ومبادرة حاول أن يفرضها بشتى الوسائل.
وتابع: "في ذلك الوقت، استعطف الرئيس الفرنسي "حزب الله" والثنائي الشيعي، إلا أن الجميع أدرك أن ورقته ومحاولته إنما هي لتحقيق ذات الشروط والمصالح الأمريكية والإسرائيلية، فتم احتوائها والمناورة عليها".
بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني... سيناريوهات المرحلة المقبلة
وأشار ميخائيل عوض إلى أن فرنسا ومن خلفها الغرب، راهنت على الانتخابات النيابية لتحصيل أكثرية وزارية قادرة على فرض الورقة الفرنسية باعتبارها مبادرة غربية إسرائيلية، بيد أن النتائج جاءت بعكس ما أرادها الغرب.
وأكد عوض أن التوازن في البرلمان اللبناني، وفي المجتمع بشكل عام يفقد فرنسا القدرة على التأثير الفعلي، لا سيما لمعالجة الموضوعات والقضايا الكبيرة التي يعيشها لبنان كالانتخابات الرئاسية وأزمة الحكومة.
والتقى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، على هامش مؤتمر المناخ (كوب 27)، الذي انعقد مؤخرا في مدينة شرم الشيخ المصرية، وتم بحث مساعي فرنسا لمعالجة الأوضاع اللبنانية، وأكد ماكرون من ناحيته على أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية لانتظام عمل المؤسسات".
يذكر أن البرلمان اللبناني أخفق في جلسته السابعة في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس السابق ميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
خطة ماكرون لإنقاذ لبنان
مناقشة