وسط موجة عنيفة من التظاهرات.. هل يقود قانون إصلاح القضاء إلى تفكك الحكومة الإسرائيلية؟

مظاهرات في إسرائيل احتجاجا على التعديلات القضائية المقترحة من الحكومة
في خطوة وصفها المراقبون بـ"الحماقة الكبيرة"، لا يزال الائتلاف الحكومي في إسرائيل ماضيًا في التعديلات القضائية التي أثارت جدلا واسعا في الداخل.
Sputnik
ولم تدفع التظاهرات والاحتجاجات التي تزيد رقعتها يوما بعد يوم نتنياهو إلى التراجع، إذ يظن أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من شعبيته وسط اليمين المتطرف، وتثبت من أركان حكمه، وتبعده عن شبح المحاكمة بتهم الفساد التي تورط فيها.
الخطوة الأخيرة دفعت البعض لطرح تساؤلات حول أسباب إصرار الحكومة على التعديلات القضائية، وتأثيراتها الداخلية والخارجية، ومدى إمكانية أن تساهم في تفكك الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات برلمانية جديدة.
وانطلقت في إسرائيل، صباح الثلاثاء، تظاهرات وإضرابات تحت اسم "يوم مقاومة"، يخطط منظموها لتكون الأوسع في البلاد، بعد ساعات من إقرار الكنيست قانون مثير للجدل ضمن حزمة تشريعات لـ "إصلاح القضاء".
للأسبوع الـ 27.. الاحتجاجات تعم إسرائيل رفضا لإصلاح القضاء.. فيديوهات
تداعيات خطيرة
قال رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48 وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق، الدكتور جمال زحالقة، إن "نتنياهو لم يكن ليمرر التعديلات القضائية إذا شعر أنها تهدد حكومته، على العكس فعل ذلك حتى يحافظ على حكومته، بعد أن تلقى تهديدات من شركائه بسعيهم لإسقاط الائتلاف إن لم يمض في هذه الخطة".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن "هذه الخطوة اتخذت لإنقاذ حكومة نتنياهو ولا يهددها بالمرة، على الأقل في هذه الفترة، الائتلاف الحكومي متماسك ويدعم هذه الخطوة، ويريد المزيد منها، بيد أن إقرار التعديلات القضائية تترك الكثير من التداعيات الداخلية والخارجية على الحكومة الإسرائيلية".
أول هذه التداعيات، بحسب زحالقة، "يتعلق بالموقف الأمريكي، إذ أعلن بايدن أنه مستاء من الحكومة الإسرائيلية، ولم يدع نتنياهو لزيارة واشنطن، وهو ما يقلق رئيس الحكومة الإسرائيلية، إذ أن كل السياسات العدائية والاقتصادية الإسرائيلية تعتمد على واشنطن، فيما تتركز باقي التداعيات على التظاهرات الداخلية التي تعم إسرائيل".
واعتبر أن:
"ما يُقلق نتنياهو تصريحات كبار ضباط فرقة النخبة الإسرائيلية وتهديدهم بعدم الخدمة في جيش الاحتياط، خاصة الطيارين، وهو إعلان ثقيل على نتنياهو خاصة أن 70% من قوام الطيران الإسرائيلي يعتمد على قوات الاحتياط وليس طياري الخدمة الدائمة، إذ يحتاجون دائمًا إلى الخبرة والمعرفة، كما أن فرق الطيران هذه هي التي يتم إعدادها لمواجهة إيران إذا ما قررت إسرائيل ذلك".
وأشار إلى "تصريحات محافظ بنك إسرائيل عن الأضرار الاقتصادية التي تتسبب فيها هذه التعديلات القضائية وغضب أهم قطاعات الاقتصاد في إسرائيل وبدء تراجع الاستثمارات بشكل تدريجي، وكذلك نقل الشركات للخارج، وهي ضربة قوية للاقتصاد من شأنها أن تؤثر على المجتمع الإسرائيلي بأسره وزيادة معدلات التضخم ورفع الأسعار، ناهيك عن تضرر القاعدة الاجتماعية والانتخابية لنتنياهو وحزبه".
وأوضح أن "الاحتجاجات تُقلق نتنياهو وحكومته إلا أنهم تمكنوا حتى الآن من استيعابها، لكنها تأثيرها على الاقتصاد والأمن لا يزال ساريا، لأن قسما كبيرا من المتظاهرين من ضباط الاحتياط الذين يهددون برفض الخدمة العسكرية، وهو ما يعد من الأزمات الكبرى. إسرائيل في أزمة حقيقية والتساؤل المهم الآن هو تحرك نتنياهو في الأسابيع القريبة قبل إقرار هذا القانون نهائيا في القراءة الثانية والثالثة".
ويعتقد الدكتور جمال زحالقة أن "هناك عدة سيناريوهات، لكنها تتعلق بمدى الضغوط التي ستوجه نتنياهو من قبل الحلفاء وأعضاء حزبه، لأنه من المعروف أن مثل هذا الانقلاب سيؤدي إلى شرخ عميق في المجتمع الإسرائيلي، والصراع الذي نراه الآن حقيقي بين التيار المركزي التاريخي في الصهيونية وبين اليمين المتطرف".
تجدد الخلاف بين إسرائيل وأمريكا بعد تصريحات نائبة بايدن حول إصلاح القضاء
حماقة كبيرة
بدوره، اعتبر الأكاديمي المصري والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن "اتجاه نتنياهو مجددا لتقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية، وغل يد المحاكم والقضاء بشأن الأمور التي تتعلق بالتعيين في مناصب عليا، وقرارات تتسم بعدم المعقولية وتعارض المصالح من خلال الأغلبية التي تؤيده داخل الكنيست هدف ذاتي يسعى له رئيس الحكومة الإسرائيلي المتطرف".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن "هذه الخطوة تعد كطلقة أطلقها نتنياهو فأصاب نفسه بها، وهي حماقة كبيرة باعتبارها ليست محل توافق؛ فثلث الإسرائيليين فقط يؤيدون هذا الإجراء، ومع ذلك يتشبث به نتنياهو سعيا لرفع منسوب التأييد الشعب له ولائتلافه، وهو لم ينجح فيه من خلال عملية جنين ومن قبلها الهجوم على قطاع غزة".
ويرى أن:
"نتنياهو في مأزق كبير، إذا ما وضعنا في الحسبان موقف الإدارة الأمريكية ورفضها لاستقباله في البيت الأبيض منذ انتخابه، وتعامل الشرطة العنيف مع المحتجين، وانضمام تقنيين ومهنيين وعدد من قادة الشرطة والأكاديميين والقضاء للاحتجاجات بعد فشل التفاهمات والمفاوضات التي حاول الرئيس الإسرائيلي التوصل من خلالها لحل وسط".
وقال أنور إن الجانب الإسرائيلي متمثلا في الائتلاف الحكومي في مأزق، ومن المقرر أن نشهد انقسامات من الداخل حول سبل معالجة هذه الأزمة، وهل من المجدي أن يكون هناك تصعيد أم استجابة لرأي الشارع والمعارضين الذين يروون في الحكومة الحالية مجموعة من المتطرفين والفاسدين.
وزير القضاء الإسرائيلي يتهم واشنطن بدعم مظاهرات المعارضة... فيديو
وفجر اليوم الثلاثاء، أقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع قانون "الحد من المعقولية"، والذي يحد من مراقبة المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) للحكومة وقراراتها.
وأقام محتجون عشرات الخيام وأحرقوا الإطارات، وأغلقوا الطرقات، وسط مدينة "هرتسيليا"، وفي تل أبيب وحيفا، وفق هيئة البث الرسمية.
وقامت الشرطة بإخراج عشرات المتظاهرين من صالة المسافرين "ترمينال 3" في مطار ديفيد بن غوريون الدولي، إلى خارج الصالة.
وقالت الشرطة إن "الاحتجاجات لن يسمح بها داخل الصالات ويجب ممارسة حق التظاهر في الأماكن المخصصة لهذا الغرض من قبل هيئة المطارات".
وكانت الحركات المنظمة للاحتجاجات أعلنت عزمها إغلاق مطار بن غوريون الدولي، كما أعلنت العديد من الشركات السماح لموظفيها بالتغيب للتظاهر، في إطار "يوم مقاومة"، وتوعدت الحركة الاحتجاجية الحكومة بتنظيم تظاهرات "تشل البلاد".
يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، أن التعديلات القضائية تهدف إلى استعادة التوازن بين فروع السلطة وكبح تجاوزات المحكمة العليا لصلاحياتها.
ويأتي التصويت على هذا المشروع بعد توقف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة التي كانت تسعى لتسوية المسألة الشهر الماضي.
يذكر أن الاحتجاجات في إسرائيل تجددت بعدما كانت قد خفت حدتها في وقت سابق، وعمّت الاحتجاجات معظم المدن الإسرائيلية، مساء السبت الماضي، رفضا لخطة إصلاح القضاء، التي تصر حكومة بنيامين نتنياهو على المضي قدما في تنفيذها، وسط تنديد المعارضة.
مناقشة