من يملك مفاتيح الحل في السودان "الداخل أم الخارج"؟

كشفت تطورات الأوضاع في الحرب السودانية، بعد عام من الصراع، اللثام عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء رفض السلام والإصرار على الاستمرار في طريق يهدد بالقضاء على أركان الدولة، في مقدمتها التمويل الخارجي والصراع المدني في الداخل.
Sputnik
يرى مراقبون أن الحل في السودان لا يحتاج إلى تدخلات خارجية، لأن كل الأطراف لها مصالح وأطماع تختلف من دولة إلى أخرى، وصراعات المصالح تلك لن تمنح الاستقرار للسودان إلا بشكل صوري ومؤقت (إن حدث)، لذا فإن مفتاح الحل والرهان بعد دخول الحرب عامها الثاني هو التوافقات بين القوى المدنية السودانية أولا، لأن التوافقات بين المدنيين هي التي سوف تجبر العسكريين وحاملي السلاح على القبول بالجلوس إلى طاولة التفاوض، إذ أن الظهير الشعبي الذي كان يستند إليه كل طرف لا يرغب في استمرار الحرب، في هذه الحالة ستتوقف الحرب وتحقن الدماء وتستعيد البلاد عافيتها وتبني نظامها الديمقراطي الذي يجنبها تكرار مثل تلك الأحداث.
سياسي لـ"سبوتنيك": المجتمع الدولي يمتلك أدوات وقف الحرب في السودان لكن المصالح تمنعه
والتساؤل الذي يطرح كل لحظة.. متى تضع الحرب أوزارها ومن يملك مفتاح الحل؟
بداية، يقول ربيع عبد العاطي، المستشار السابق للحكومة السودانية، إن "مفتاح الحل بعد أن دخلت الحرب عامها الثاني بيد من يمولون التمرد ضد الجيش والدولة السودانية".

أهداف التمرد

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أساس الأزمة منذ البداية كانت في الأيادي التي تدفع نحو إشعال الأوضاع وقامت بتمويل التمرد واتخذته أداة لتنفيذ أجنداتهم وأطماعهم، حيث لم يعد الآن للتمرد أهدافا لاستلام السلطة، وأصبحت الغاية هي تدمير البلاد وإحراق الأرض وتجريفها وتشريد سكانها ليسلم القيادة للطامعين في الثروات لاستغلالها".
وتابع عبد العاطي: "ما تقوم به المليشيات المتمردة اليوم بعد عام من المعارك، من عمليات نهب وسلب واجتياح للقرى والسيطرة على مقدرات البلاد، وتجنب الالتحام والمواجهة مع القوة العسكرية النظامية للدولة، وتوسيع جبهات القتال، الغرض منه تشتيت جهود الجيش السوداني لتوسيع رقعة الانفلات الأمني وتسهيل إجراءات إحالة البلاد برمتها إلى أرض محروقة".

مفتاح الحل

ولفت المستشار السابق للحكومة إلى أن "الخطة التي تسير بها قوات التمرد (الدعم السريع) ومن يقف وراءهم بعد زوال أملها في السيطرة على السلطة تمثلت في إحداث الانفلات الأمني في عموم البلاد، ثم الانقضاض على كنوز البلاد و خيراتها، وهذا لا يتم إلا بإحداث الفوضى الخلاقة وصناعة الدولة الفاشلة، وهي أهم وسائل النظام الدولي الجديد لتحقيق أهدافه، وهذا ما نشاهده على مرأى ومسمع من العالم ويجري على قدم و ساق في السودان".
حركة "جيش تحرير السودان" تجمد نشاطها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع
وأكد عبد العاطي أن "الحرب لن تنتهي بالسودان إلا إذا اقتنع ممولها ومن يصر على تشجيع التمرد فيها، بأنه مهما بُذل من أموال وسلاح وإغراءات وكانت التضحيات عظيمة، فإنه سيخسر وسيعود بخيبة الأمل ومرارة الفشل وإهدار الأموال وقد تنعكس الدائرة عليه هزيمة نكراء ودمارا، لأن العبرة بخواتيم الأمور وليس بمقدماتها كما يحدثنا التاريخ".

القوى الخارجية

في المقابل، يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "السودانيون يملكون مفاتيح الحل ولكنهم يصرون على إعطائه للقوى الإقليمية والدولية في سابقة لا أعتقد أنها حدثت في تاريخ الدول الحديثة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الأزمة السودانية هي أزمة الشخصية السياسية السودانية، التي هي من تسلم إرادتها للخارج الإقليمي والدولي، ما يؤكد هذا الحديث هو تزايد المطالبة بتدخل قوة عسكرية أكبر من طرفي الصراع بالسودان، لإجبارها على وقف القتال، حيث بدأ غير واحد من الفاعلين سياسيا بترديد ضرورة البدء بحظر الطيران العسكري بعد ازدياد العمليات الحربية عبر المسيرات المقاتلة المستخدمة من الطرفين".

الصراع المدني

وأشار علي إلى أن "التجارب التاريخية بالسودان علمتنا أنه حين يكثر النفي من جميع الأطراف لقضية مثل احتمال الانفصال، فهذا يعني أنه مطروح بقوة على أجندة الحوار بعيدا عن دوائر الإعلام، لذلك لابد أن تستيقظ الإرادة السياسية السودانية و تكف عن إلقاء أسباب الفشل على بعضها، والكف عن الصراع السياسي المدني- المدني والارتهان للخارج والذهاب نحو حوار جريء يناقش مستقبل السودانيين".
"جيش تحرير السودان" تتهم "الدعم السريع" بالسعي لترسيم دولة جديدة
وأكد علي أن "الذين يحملون البندقية قادرون على وضعها فورا إذا اتفق المدنيون، ولكن الصراع بين المدنيين هو البعيد تماما عن التوقف".
وفي وقت سابق، أعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية "تقدم"، الجمعة الماضية، التزام طرفي الحرب في البلاد، الجيش وقوات الدعم السريع، بالعودة لمسار المفاوضات في مدينة جدة السعودية.
ونقلت وكالة "أنباء العالم العربي"، بيانا مقتضبا للتنسيقية، أكدت فيه التزام طرفي الحرب السودانية، بالعودة لمفاوضات جدة، خلال الأسبوعين المقبلين دون شروط مسبقة.
وأوضحت التنسيقية، في بيانها، عودة الطرفين للمفاوضات التي جاءت "بإرادة أقوى وعزم صادق وأكيد لإيقاف الحرب"، فيما لم يصدر أي تعليق من الجيش أو "الدعم السريع" على بيان "تقدم".
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد صرح بأنه "غير مستعد للتفاوض مع قوات الدعم السريع، طالما الحرب مستمرة"، مشددًا على التزامه بـ"منبر جدة" وعلى ضرورة تنفيذ "الدعم السريع" للالتزامات التي تعهدت بها.
وحلت يوم الاثنين 15 أبريل/ نيسان الجاري، الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الصراع الواسع النطاق في السودان، والذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين وتدمير الكثير من البنية التحتية للبلاد، وخاصة في العاصمة الخرطوم.
مناقشة