أبو الغيط يرى قمة الجزائر فرصة لترتيب أوراق العرب في عالم "تتوالى أزماته بشكل مروع"

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، اليوم الثلاثاء، إن المنطقة العربية تقع في منتصف الأزمات، نظرا لمكانتها في سوق إمدادات الطاقة العالمي، وأيضا لكونها ضحية لآثار التغير المناخي، كما أنها تعاني من تهديدات عدة أخرى بما ذلك التجاوزات غير القانونية لبعض جيرانها.
Sputnik
في بداية كلمته خلال القمة العربية التي تنعقد في الجزائر، توجه أبو الغيط بالشكر إلى الجزائر على استضافتها للقمة، وهنأ الرئيس عبد المجيد تبون برئاسة القمة في دورتها الحادية والثلاثين، كما هنأه باسم الجامعة العربية بذكرى ثورة التحرير منذ 68 عاما.
كما تقدم أبو الغيط بالشكر للرئيس التونسي قيس سعيد، على الجهد الذي بذلته بلاده طوال رئاستها للقمة السابقة. ودعا الحضور إلى ترحم على القادة العرب الذين رحلوا عن عالم منذ انعقاد القمة الماضية في عام 2019.

الأزمات قدر المنطقة

تلتئم هذه القمة بعد ثلاثة أعوام من انقطاعٍ فرضته ظروف الجائحة، وأحسب أن انعقاد القمة جاء في وقته، إذ أن ما يشهده العالم من تغيرات غير مسبوقة منذ عقود، وما ترتبه هذه التغيرات في الظروف الدولية من تبعات هائلة على الشعوب والدول عبر العالم، يجعل القمة ضرورة واجبة، وفرصة سانحة لكي نرتب أوراقنا، ونناقش قضايانا ومواقفنا العربية في عالم تتحرك أحداثه في سيولة مخيفة... وتتوالى أزماته في تتابع مروع.

وقال أبو الغيط إن المنطقة العربية تقع في "قلب الأزمات شئنا أم أبينا"، فهي من ناحية، ركيزة أساسية في معادلة إمدادات الطاقة وأسعارها العالمية، ومن ناحية أخرى، هي ضحية أولى للتغير المناخي وآثاره المدمرة، من حيث الجفاف وغيره.
ومن ناحية ثالثة، تُعاني المنطقة من تهديد خطير لأمنها الغذائي، كما تقع غالبية دولُها في نطاق الفقر المائي، فضلا عما تواجهه بعض دولها من تصرفات غير قانونية من جانب جيرانها من شأنها تعريض أمنها المائي للخطر، بحسب أبو الغيط.
وأضاف أن هذه الثلاثية الخطيرة - الغذاء والطاقة والمناخ - تُمثل حلقة متصلة، ومنظومة مترابطة، فإنتاج الغذاء يعتمد على أسعار الطاقة واستقرار المناخ، والتغير المناخي يتأثر في الأساس بالانبعاثات المتولدة عن إنتاج الطاقة، والعناصر الثلاثة صارت عنوانا للأزمة العالمية الحالية بكل تبعاتها الاقتصادية والإنسانية التي تتحملها الشعوب، والتي قد تشتد وطأتها في هذا الشتاء.
القادة العرب يتوافدون على المركز الدولي للمؤتمرات للمشاركة في القمة العربية بالجزائر
وأشار إلى الآثار المزدوجة للجائحة والأزمة الأوكرانية، وما أفرزتاه، ولا تزالان تفرزانه من تبعات اقتصادية سلبية، قائلا إنه صار واضحا أن العالم أجمع سيضطر للتعامل معها لفترة طويلة قادمة.
وشدد على حاجة الدول العربية لاستراتيجية شاملة للتعامل مع "حالة الأزمة الممتدة"، قائلا إن الأمر يحتاج إلى تفكير طويل المدى من أجل تحصين المجتمعات العربية وتعزيز صمودها في مواجهة صدمات داهمة ونوازل مفاجئة، قائلا إن في مقدور العرب فعل الكثير إن حشدوا إمكانياتهم الكبيرة والمتنوعة على نحو صحيح وبمنهج علمي.

تهديد وجودي

وقال أبو الغيط إن الأوضاع العالمية تفاقم متاعب الدول العربية وإن المنطقة مر عليها عقد صعب، ولا زالت بعضُ الدول فيها تعيش أوضاعا لا تُهدد فقط أمنها واستقرارها، بل وجودها ذاته.
وأضاف أن الدولة الوطنية ذات السيادة والاستقلال والقرار المستقل، ما زالت تتعرض لهجمة شرسة من الإرهاب والميلشيات والجماعات المسلحة وأطراف غير عربية مجاورة، تحرض وتُمارس تدخلات غير حميدة بهدف بسط النفوذ والهيمنة.
وأكد أن الدفاع عن الدولة الوطنية، ودولة المواطنة وحكم القانون التي لا يكون ولاء مواطنيها سوى لعلمها ومصالحها وعروبتها، هو دفاع عن مستقبل العرب جميعا.

أعرف أن دولا عربية تقوم بالكثير من أجل التخفيف من وطأة الأزمات، ومن أجل نجدة إخوانهم العرب في وقت الشدة. هناك، على سبيل المثال، دول تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، ودول تفعل كل ما بوسعها لكي لا يسقط إخواننا في اليمن والصومال في هوة المجاعة.

ومع ذلك أضاف أن إطفاء الأزمات العربية المشتعلة وليس فقط التخفيف من حدتها أو التعايش معها، أصبح واجبا أكثر من أي وقت مضى، مؤكدا أنه لم يعد مقبولا الإلقاء بأزمات الدول العربية على كاهل مجتمع دولي ينوء بأحمال ثقال، وينشغل بقضايا أخرى ضاغطة ومُلحة.

القضايا العربية

ويرى أبو الغيط بحسب كلمته أن التطورات في سوريا ما زالت تحتاج إلى جهد عربي رائد ومبادر يضع البصمة العربية على خارطة تسوية الوضع المأزوم في "هذا البلد العربي المهم"، كما يتطلب الأمر إبداء المرونة من جميع الأطراف المعنية حتى يُمكن تبديد ظلمة الانهيار الاقتصادي والانسداد السياسي وغلق صفحة الماضي بآلامها، والسعي نحو وضع جديد يُتيح انخراط سوريا في محيطها العربي وفي جامعتها العربية.

أما في ليبيا، فإننا نتابع عن كثب كافة التطورات، ونقول إن الأمور تحتاج إلى مزيد من المرونة من كافة الأطراف الليبية - وبمساعدة عربية أساسا وهي ممكنة - من أجل تخطي العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات في القريب، وستستمر الجامعة في متابعة الأمر بكل تجرد، واضعة نصب أعينها هدف تحقيق تطلعات الليبيين على أساس قرارات مجلسكم الموقر.

وعن اليمن، قال أبو الغيط إن الحوثيين "لا زالوا يراوغون ويُعرقلون"، وإن الجامعة ستواصل تأييد الحكومة الشرعية ودعمها بكل قوة لمصلحة الشعب اليمني، حيث أن التطورات الجارية في اليمن هي أحد أبلغ الأمثلة على التأثير الإقليمي السلبي المدمر، على الشأن العربي.

القضية الفلسطينية

أثنى الأمين العام لجامعة الدول العربية على ما وصفه بـ"الصمود الأسطوري" على الأرض من قبل الفلسطينيين، قائلا: "قضيتهم هي قضيتنا جميعا، ونضالهم الطويل شرفٌ لهذه الأمة، وبُشرى بأن ليل الاحتلال مهما طال سيبدده فجر الحرية والاستقلال".

إن تعزيز هذا الصمود الفلسطيني البطولي، والدفاع عن هذه القضية المحورية، هو واجب على كل عربي، ونتابع جميعا ما يجري من تصعيد في الأراضي المحتلة بسبب سياسات القمع والقتل التي يُمارسها الاحتلال بدم بارد، إنه تصعيد يُنذر بما هو أسوأ، وللأسف الشديد يقف العالم مكتوف الأيدي، لا يُدافع عن حل الدولتين سوى من طرف اللسان.

وأكد أن الإجماع العربي ما زال منعقدا على حل الدولتين كسبيل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأنه ولا يرى طريقا لذلك سوى إطلاق عملية سلمية جادة، على أساس من المرجعيات المعروفة والقانون الدولي، داعيا جميع دول العالم للانضمام في هذا النضال السلمي، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والموافقة على عضويتها في الأمم المتحدة.
مناقشة