بعد زيارة شي "الاستثنائية"... هل ترجح الصين كفة السعودية على حساب إيران؟

عكست زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية الأسبوع الماضي، والتي تخللها قمتين خليجية وعربية، التحول السريع الذي لطالما تحدث عنه المراقبون حول دخول علاقات بكين ودول المنطقة إلى مرحلة جديدة من التقارب سريع التطور.
Sputnik
الزيارة سلطت الضوء على لاعب إقليمي مهم ومؤثر للغاية وهو إيران، الشريك الآخر للصين في المنطقة، والذي يخشى أن يأتي تعزيز العلاقات العربية- الصينية بضرر بالغ له، في ظل التنافس الإقليمي الذي طال أمده مع السعودية وحلفائها، بحسب تقرير لمجلة "ذا ديبلومات".
على سبيل المثال، في نهاية الزيارة الأسبوع الماضي، صدر بيان مشترك، دعا فيه القادة إلى "حل سلمي" لقضية الجزر الثلاث ذات المواقع الاستراتيجية والمتنازع عليها بين إيران والإمارات (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى).
وأثار البيان ضجة كبيرة في الرأي العام الإيراني، لأن الملكية الإقليمية لهذه الجزر كانت منذ فترة طويلة مصدر توترات دبلوماسية بين إيران ودول الخليج العربية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة.
إيران تعرب عن قلقها إزاء موقف الصين من الجزر المتنازع عليها مع الإمارات
وأعرب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن قلقه إزاء موقف الرئيس الصيني شي، قائلا إن مجموعة من البنود التي أعلن عنها خلال الزيارة الأخيرة، تسببت في استياء وشكاوى من الشعب الإيراني وحكومته، وإن إيران تطالب بجدية بمراجعة هذه المواقف.
علاقات الصين مع السعودية وإيران معقدة، وسيكون على الصين التعامل معهما بحذر للحفاظ على الحياد وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية. رغم أن الصين تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كلا البلدين، فقد المملكة كواحدة من الشركاء الاستراتيجيين الرائدين لبكين في المنطقة في السنوات الأخيرة.
عملت بكين بلا كلل للبقاء بعيدا عن التنافس العربي- الإيراني في منطقة الخليج، ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في أن أي ميزة تقدمها لأحد الجانبين - على سبيل المثال، شائعات عن شراء السعودية معدات دفاعية صينية بقيمة 4 مليارات دولار - يمكن أن ينظر إليها الطرف الآخر على أنها مشكلة بالنسبة له.
لكن لتجنب تصور طهران أو الرياض أن بكين تفضل أيا منهما على الآخر، اتبعت الصين بنشاط سياسة التكافؤ في ارتباطاتها الدبلوماسية وتعاونها العسكري.
في عام 2016، وقع شي اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة مع كل من السعودية وإيران، خلال أسابيع فقط. وبين عامي 2017 و2019، أجرت بكين تدريبات عسكرية منفصلة مع إيران والسعودية، بفارق زمني أسابيع قليلة فقط في كل مرة، لتجنب نقل رسالة خاطئة.
إيران تستدعي السفير الصيني بسبب إدراج قضية الجزر الثلاث ببيان القمة الخليجية الصينية
ومع اختتام شي رحلته إلى السعودية في 10 ديسمبر/ كانون الأول، أعلن سفير الصين في طهران أن نائب رئيس مجلس الدولة الصيني (الحكومة) هو تشون هوا سيزور طهران في الأسبوع الذي يبدأ في 12 ديسمبر، وهو اللقاء الذي أعرب فيه رئيسي عن قلقه بشأن البيان العربي- الصيني المشترك.
وخلال هذا اللقاء، أكد هوا أن الصين "كانت ولا زالت" تحترم السيادة الوطنية ووحدة أراضي الجمهورية الإسلامية الايرانية، وتدعم جهودها الهادفة إلى تحقيق مصالحها الأساسية، ومشيرا إلى حرص بلاده على تعزيز وتعميق العلاقات مع إيران وذلك بغض النظر عن التطورات الإقليمية والدولية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم".
رغم اهتمام بكين والتسامح الضمني في علاقاتها مع الطرف الآخر، أعربت كل من إيران والسعودية عن إحباطهما من الصين بشأن تعاملها مع الطرف الآخر.
لم يقتصر موقف إيران تجاه زيارة شي إلى السعودية على حديث رئيسي، فقد سبقه استدعاء نائب وزير الخارجية الإيراني لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ سفير الصين لدى الجمهورية الإسلامية لتقديم احتجاج نادر يوم 12 ديسمبر بشأن البيان المشترك.
البيان لم يتطرق فقط لمسألة الجزر المتنازع عليها في مضيق هرمز، لكنه شدد أيضا على أهمية القضية النووية الإيرانية، وربط طهران بـ"الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار"، و"دعم المنظمات الإرهابية"، فضلا عن "انتشار الطائرات دون طيار"، في إشارة على ما يبدو إلى جماعة "أنصار الله" في اليمن والتي تهاجم المصالح الخليجية من آن لآخر ردا على دعم السعودية والإمارات للحكومة المعترف بها دوليا في البلاد.
السعودية: توقيع اتفاقيات استثمار مع الصين بقيمة 50 مليار دولار
أيضا في عام 2021، أعرب مسؤولون سعوديون عن قلق مماثل بشأن اتفاق التعاون بين الصين وإيران لمدة 25 عاما، حيث أطلقت هذه الشراكة الطموحة تحذيرات جمة في المملكة، وحاول مسؤولون سعوديون ثني بكين عن إقامة علاقات أقوى مع طهران.
إن عمل بكين المتوازن، وإن لم يكن مثاليا، فإنه يعززه الروابط الاقتصادية القوية مع كلا البلدين والثقة الثنائية، والتي نمت بين الصين وكلا البلدين على مدى العقد الماضي، وكانت هذه الثقة أساسية في السماح لبكين بالتغلب على الضعف الدبلوماسي العرضي وتصحيح المسار عندما تقدم طهران أو الرياض شكوى.
ومع ذلك، فإن الزيارة الأخيرة لشي إلى السعودية عكست تقاربا شديدا وعلاقات دافئة للغاية. وقع البلدان اتفاقيات استثمارية بقيمة 50 مليار دولار، أي أن المكاسب الكبيرة لم تقتصر على بعض المواقف والرسائل السياسية. فهل هذا يعني أن هذا تأرجح مؤقت للبندول من إيران إلى السعودية أم أن الوضع الراهن أصبح مواليا للرياض فقط.
في الحقيقة يبدو الاحتمال الأول أكثر ترجيحا من الأخير. قد تكون السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أهم من حيث الأولوية الجيوسياسية على المدى القريب للمسؤولين الصينيين، وذلك بسبب الفوائد المباشرة للعلاقات المتعمقة مع المملكة والتحديات الداخلية الحالية التي تواجه إيران، بحسب "ذا ديبلومات".
تفضل الصين بشكل متزايد الاستثمارات التي يمكن التنبؤ بها والمستقرة وذات العائد المرتفع، وقد حققت العلاقات الاقتصادية والاستثمار وعلاقات الطاقة بين بكين والرياض مكاسب كبيرة مع مخاطر محدودة في العامين الماضيين.
الصين: علاقاتنا مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ليست ضد أي طرف ثالث
في غضون ذلك، لم تحقق إيران مثل هذه المكاسب للمستثمرين الصينيين على المدى القصير، ولا تزال الشركات الصينية في إيران غارقة في مخاوف بشأن خطر فرض عقوبات أمريكية. كما أن عدم إحراز تقدم في المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران، أدى إلى تأخير أي فوائد لاتفاق الـ25 عاما والبالغة قيمته 400 مليار دولار.
وفقا للتقرير، فهذا أمر متوقع، بالنظر إلى أن خارطة التعاون الاستراتيجي بين بكين وطهران لها جدول زمني مدته 25 عاما، مقارنة بخمس سنوات فقط مع السعودية، وتنظر الصين إلى شراكتها مع إيران كلعبة انتظار استراتيجية تتطلب اهتماما دبلوماسيا واسع النطاق على المدى الطويل.
في الأسبوع الجاري، أكدت وزارة الخارجية الصينية، أن دول مجلس التعاون الخليجي وإيران هما "صديقان للصين"، مشيرة إلى أن علاقات بكين مع هذين الطرفين ليست موجهة ضد أي طرف ثالث، مشيرة إلى دعم بكين لتحسين العلاقات بين طهران ودول المجلس، واستعدادها للعب دور بناء في التنمية والاستقرار في المنطقة.
من المرجح أن تهدف خطوات بكين التالية بعد زيارة شي إلى طمأنة إيران بشأن حياد الصين وتكافؤ العلاقات والتأكيد على سياسة الصين طويلة الأمد المتمثلة في عدم التدخل، ومن ثم الانخراط في دبلوماسية دقيقة للتواصل مع كلا البلدين لمنع التصعيد مع إيران.
أيضا ستواصل الصين تعميق العلاقات مع كل من طهران والرياض مع البقاء بعيدا عن التنافس الذي طال أمده بين إيران والسعودية. ومع ذلك، فإن ارتباطاتها الاقتصادية المتزايدة مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي الأوسع قد تشكل ضغطا على إيران، وقد يؤثر ذلك على مصالح بكين معها لم تستعد التوازن الدبلوماسي.
مناقشة