"فيدرالية لبنان"... ما مدى إمكانية تغيير النظام السياسي ومدى خطورة ذلك؟

مع استمرار الشغور الرئاسي، واشتعال الخلافات بين الكتل السياسية، عاد الحديث عن "الفيدرالية" للواجهة في لبنان، حيث تطالب بعض الأصوات بضرورة إحلال النظام الفيدرالي بدلا عن اتفاق "الطائف".
Sputnik
هذه المطالب التي سبق طرحها في مناسبات عدة، ظهرت جلية عبر مؤتمر حمل عنوان "العقد الجديد من نظام الطائف إلى النظام الفيدرالي"، والذي نظمه ما يعرف باسم "المؤتمر الدائم للفيدرالية"، ويدعو المؤتمر إلى ضرورة الانتقال إلى نظام يرتكز على الأسس الديموغرافية - الجغرافية حفاظًا على الكيان ومنعًا للتقسيم.
ويقول الفرد رياشي، وهو مؤسس المؤتمر الدائم للفدرالية، عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، (أنشطة شركة "ميتا"، التي تضم شبكتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، محظورة في روسيا، باعتبارها أنشطة متطرفة). إن اتفاق الطائف يحمل إشكالية تتمثل في مركزية النظام والذي يظل خاضع لمعادلة "الأقوى" وذلك بحسب الموازين والظروف التي تحدد من هو الطرف أو "الطائفة" الأقوى، مؤكدًا أن الحفاظ على الكيان الحالي للبنان يستوجب القيام بدستور جديد يعالج الخلل البنيوي للنظام المركزي، يراعي الخصوصيات والهويات الجماعية الطوائفية من خلال النظام الاتحادي الفيدرالي مع تبني فكرة الحياد الدولي.

لبنان والهاوية

اعتبر رياض عيسى، الناشط المدني والمحلل السياسي اللبناني، أن الحديث عن الفيدرالية بلبنان ليس جديدًا، حيث يرجع الطرح إلى بداية الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات، ومع سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية على القرار السياسي والعسكري هناك ظهرت دعاوى الفيدرالية والتقسيم، وظلت هذه الأفكار تسيطر على الساحة حتى الاجتياح الإسرائيلي.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، خفف الوجود السوري من فكرة هذا الطرح، وكذلك اغتيال الرئيس الحريري شكل صدمة للبنانيين وعزز روح الانتماء والمواطنة، وتراجعت الفكرة لا سيما بعد الانسحاب السوري من الأراضي اللبنانية، بيد أن الأحداث اللبنانية والأزمات المتتالية أعادة طرح فكرة الفيدرالية مرة أخرى.
وتابع:
"يعلل البعض من مؤيدي هذا الطرح، أنهم غير قادرين على التعايش مع المنظومة الحاكمة والنظام الأمني الحالي وهيمنة السلاح على فكرة القرار السياسي في لبنان".
وأضاف: "والبعض يجد الضرر في اتفاق الطائف وما يعطيه من أدوار لكافة الفرقاء اللبنانيين وتوزيع الأدوار بين الطوائف، فيما تطالب فئة ثالثة بتعديل اتفاق الطائف أو تطويره، أو إيجاد صيغة جديدة له".
ويرى عيسى أن أيا من هذه المحاولات تقود لبنان إلى الهاوية؛ حيث لا يمكن قبول تعديل اتفاق الطائف، أو فكرة الفيدرالية، بل الأجدر الآن تطبيق اتفاق الطائف بشكل كامل، وتنظيم عمل المؤسسات وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، لبنان الذي يعاني من مؤسسات معطلة ودستور غير مطبق بشكل كامل، لا يمكنه تقبل أي محاولة للتقسيم أو الفيدرالية.
وأكد أن معظم هذه الأفكار تهدف في الأساس إلى الضغط على أطراف سياسية للقبول بحلول وسط؛ بيد أن قيمة لبنان الحقيقية في التنوع ولا يمكن تقسيمه أو وضع حدود ديمغرافية على المواطنين رغم تنوعهم.

تجارب سابقة

في السياق قال ميخائيل عوض، المحلل السياسي اللبناني، إن موضوع الفيدرالية مطروح منذ تشكيل لبنان، وكان هناك دائما وجهتا نظر، الأولى عند الزعماء المسيحيين والتي تنظر إلى لبنان الصغير والأغلبية المسيحية مع وجود ضئيل للطوائف الأخرى، وهو ما يرجح أن يكون الحكم لديهم، والثانية تتحدث عن لبنان الكبير بأقطابه الأربعة، وهو ما تم تشكيله بحدوده الحالية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، عند كل أزمة يعاد صياغة هذه الطروحات مرة أخرى للواجهة، حيث لم يعد هناك في الوقت الراهن لدى النظام القديم قابلية للاستمرار، والبلاد تحتاج إلى نظام وعقد وطني من طابع جديد، ومن المنطقي إعادة اجترار أفكار كانت حاضرة في السابق، ومحاولة فرض بعض الأطراف والقوى السياسية لرؤيتها وأجندتها التي تفترض أن النظام الجديد المطلوب يلبي حاجاتها.
ماذا يعني فقدان لبنان الحق في التصويت بالأمم المتحدة وما تأثيرات هذه الخطوة السياسية والدبلوماسية؟
وأكد أن لبنان سبق وطبق الفيدرالية والكونفدرالية بل والتقسيم وقت الحرب الأهلية، حيث اختبر اللبنانيون هذه الأفكار، فكان هناك حكومتان تديران ما كان يسمى بالمنطقة المسيحية والمنطقة الإسلامية، إلا أن الظروف دفعت باتجاه انفجار هذه المناطق وحدوث حروب كبيرة في داخلها بين مكوناتها، وأدت إلى تدمير واسع وضحايا كثر، ما اقتضى استدعاء السوريين وترميم الأوضاع وفرض الدولة الواحدة.
وقال إن الدستور اللبناني هو كونفدرالي، وموضوع الفيدرالية تم تجريبه وفشل، كما فشلت المحاصصات الطائفية والمذهبية، وتجربة الحرب الأهلية لا تزال حاضرة حيث اختبر ضمنها كل أشكال الفدرلة وانفجرت على نفسها وفشلت.

طرح خطير

بدورها، اعتبرت ميساء عبد الخالق، المحللة السياسية اللبنانية، أن النظام القائم في لبنان يمكن وصفه بديمقراطية الطوائف، حيث يتم الأخذ بمعيار الميثاقية في المقرات الرسمية (الحكومة والبرلمان) على أن يكون هناك طرف مسيحي وآخر مسلم من أجل اعتماد أي قرار، والانتقال من هذه الديمقراطية إلى فيدرالية الطوائف تعني وضع هذا التقسيم الطائفي في شكل مؤسسي.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، هذا الطرح خطير جدًا، ويتماشى مع مخططات التقسيم، وهو لصالح الغرب الذي يريد تقسيم لبنان والدول العربية، معتبرة أن هذا الطرح لا يتناسب مع طبيعة الدولة الحاضنة لجميع الطوائف، وأن كل الشرائح التي تتمتع بالوطنية ترفض مثل هذا الطرح.
واعتبرت عبد الخالق أن طرح الفيدرالية يعني تقسيم لبنان لدويلات طائفية، وهو ما يذكر اللبنانيين بالحرب الأهلية التي امتدت لسنوات طويلة، وأصبح هناك بيروت الشرقية والغربية، مؤكدة أن كل لبناني سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا يمتلك الحس الوطني ينتقد تلك المرحلة، ولا يأمل في عودتها مرة أخرى.
وترى أن الجميع يحلم بدولة تحكمها العدالة والدستور، لا سيما في ظل هذه المرحلة الظلامية التي يمر بها لبنان، وفي ظل خروج مثل هذه الطروحات التي قد تؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع في البلاد، مشددة على ضرورة طرح مشروع توحيد البنى من أجل الوصول لدولة مؤسسات تحمي كافة اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وتوجهاتهم.
مناقشة