نزاع نفطي قديم بين تونس وليبيا يعود إلى الواجهة

تستعد السلطة البرلمانية في ليبيا للرد على تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد، أثارت جدلًا واسعًا بسبب حديثه عن حصول بلاده على "الفتات" من حقل نفطي كان محل نزاع بين البلدين، بعدما تم حسمه لصالح طرابلس منذ 4 عقود بقرار من محكمة العدل الدولية.
Sputnik
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال زيارته أخيرًا للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، إن "تونس لم تحصل سوى على الفتات القليل من حقل البوري، الذي يمكن أن يسد احتياجات تونس النفطية ويزيد".
وزير النفط الليبي لـ"سبوتنيك": نخطط للتعاقد مع شركات أجنبية لاستكشاف النفط بشروط تنافسية
وأشار سعيد إلى أن النية كانت تتجه في عام 1975، إلى قسمة هذا الحقل إلى نصفين بين تونس وليبيا باقتراح من وزير الخارجية الليبي في ذلك الحين علي عبد السلام التريكي.
وأضاف: "في 1977 أتت ليبيا بشركة أمريكية كانت على وشك الإفلاس ووضعت منصة لاستخراج النفط، وتوترت العلاقات التونسية الليبية إثر الوحدة التي لم تعمر سوى 4 ساعات، وتم رفض مقترح القسمة".
وأكد سعيد أن الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، محمود رياض، تقدم للقيام بوساطة بين البلدين، وتم الاتفاق على عرض القضية أمام محكمة العدل الدولية، التي قال إنها لم تعتمد المقاييس التي كانت تعتمدها سابقًا بالنسبة إلى تحديد "الجرف القاري"، بل اعتمدت مقاييس أخرى من بينها الاتفاق الضمني بين تونس وليبيا.
وأثارت تصريحات الرئيس التونسي موجة من الانزعاج داخل الأوساط الليبية انتقلت إلى السلطات الرسمية، حيث شدد وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، على أن هذه القضية حسمت قضائيًا منذ ثمانينيات القرن الماضي لصالح ليبيا عبر حكم من محكمة العدل الدولية.
منتسبو حرس المنشآت النفطية في ليبيا يطالبون بتسوية أوضاعهم المالية ويهددون بإغلاق المواقع
وأكد رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الليبي، عيسي العريبي، أن اللجنة سترد بشكل رسمي على تصريحات الرئيس التونسي حول حقل البوري النفطي والجرف القاري، قائلا: "لا يمكن القبول أو السماح بالمساس بثروات ليبيا التي هي ملك للشعب الليبي تحت أي ظروف أو مبررات".

خلط في المفاهيم

وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، قال خبير الطاقة رضا مأمون، إن الرئيس التونسي لم يقصد بتصريحاته حقل البوري وإنما المنطقة البحرية المشتركة التي كانت معروفة تاريخيًا بهذا الحقل، وهي تضم عدة حقول نفطية على غرار حقل بحر السلام وحقل الجرف وحقل الزارات وحقل البوري.
وقال مأمون: "عام 1974 عرضت الدولة الليبية على تونس تقاسم هذه الحقول بما فيها حقل البوري ولكن تونس هي من رفضت القسمة، وهو ما أفضى إلى حل النزاع عن طريق محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أعطت جميع الحقوق المتعلقة بالنفط والغاز إلى ليبيا".
وقال مأمون إن الرئيس التونسي قيس سعيد لم يقصد المساس بثروات ليبيا ولم يطالب بتقاسمها أو يلوّح بالتراجع عن اتفاقات سابقة معها، وإنما تحدّث عن مسار تاريخي ذكّر من خلاله برفض تونس لتقاسم هذه الحقول وهو ما أفضى إلى حصولها على "الفتات" من الجرف القاري الذي يحتوي على مخزون قليل من النفط مقارنة بمنطقة البوري ومناطق أخرى في المياه الإقليمية الليبية، مضيفًا: "كان من الممكن أن تصبح تونس من الدول البترولية الكبرى لو تقاسمت هذه الحقول مع الدولة الليبية".
ولفت مأمون إلى أن حقل البوري الذي تستغله ليبيا حاليًا استنزف، وتدنت طاقة إنتاجه إلى 23 برميلا في اليوم، وبالتالي فهو لا يعتبر مطمعًا لأي دولة، مشيرًا إلى أن ليبيا لا تزال إلى اليوم تمد يدها للتعاون مع تونس في حقول أخرى.
تونس ترفع وارداتها من النفط الروسي إثر تراجع إنتاجها المحلي
وتابع: "لقد عرض الجانب الليبي على تونس كل الامتيازات، ولكن تونس لم تلب الطلب ولم تتخذ إلى اليوم خطوات عملية للمشاركة في استغلال هذه الحقول، بل إن تونس لم تحسن حتى استغلال ثرواتها خاصة في خليج قابس".

خطأ غير مقصود

بدوره، قال الخبير التونسي في مجال الطاقة والمحروقات، غازي بن جميع، لـ "سبوتنيك"، إنه من الطبيعي أن تضع السلطات الليبية نقطة استفهام حول تصريحات الرئيس قيس سعيد.
واستطرد: "لكن أعتقد أن تصريحات سعيد كانت خطأ غير مقصود ناجمًا ربما عن معلومات خاطئة قدمت له، لأن النزاع القديم بين البلدين لم يكن بشأن حقل البوري وإنما كان بشأن الجرف القاري". وقال :

"الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عرض على تونس تقاسم حقل البوري، ولكن هذا العرض كان بمبادرة شخصية من القذافي وانتهى بانتهاء مشروع الوحدة بين الدولتين".

ورجح الخبير التونسي أن يكون المقصود من تصريحات سعيد هو الجرف القاري الذي تتشارك فيه تونس وليبيا بناءً على اتفاقية تم بمقتضاها إنشاء شركة "جوينت أويل" سنة 1988 لتقاسم الثروات بين الدولتين، مؤكدًا أن رخصة الاستكشاف المشتركة لم يتم استغلالها إلى اليوم.
وأضاف: "طاقة إنتاج هذه المنطقة تناهز 20 ألف برميل، ولكن تطوير الاستكشاف بها يتطلب استثمارات كبرى تتراوح بين مليار وملياريْ دولار، لذلك بقي الاستغلال معطلًا في انتظار توفر مستثمر يمتلك هذه الإمكانات".
وبالعودة إلى قرار محكمة العدل الدولية التي حسمت نزاع الجرف القاري لصالح ليبيا قبل نحو 4 عقود، قال ابن جميع: "تقسيم الحدود يستند إلى مبدأ أساسي وهو اتباع خط عمودي يربط الحدود البرية بين الدولتين، ولكن أحيانًا يتغير هذا المعطى في حال وجود جزر بينهما، كما هو الحال بالنسبة لتونس وليبيا اللتان تحدهما جزيرتا قرقنة وجربة".
خبير: زيادة الإنتاج النفطي في ليبيا لأكثر من مليون برميل يوميا لن يكون قبل 2023
وبيّن الخبير التونسي أن محكمة لاهاي أخذت بالاعتبار جزيرة قرقنة عند إسناد حكمها، ورسمت الخط الحدودي البحري بشكل منعرج باتجاه الشمال الشرقي، ولكنها تجاهلت جزيرة جربة.
وتابع: "أعتقد أن الجانب التونسي لم يقدم ملفه بطريقة مُحكمة، ولكن هذا المعطى لن يغير من واقع الحال لأن قرار محكمة لاهاي كان نهائيا ولم تعد تونس اليوم قادرة على الطعن فيه أو طرح ملفها مجددا".

أزمة مستبعدة بين البلدين

وفي خضم الانتقادات الحكومية والبرلمانية الليبية لتصريحات الرئيس قيس سعيد بشأن حقل البوري والجرف القاري، أثارت هذه المسألة مخاوف من خلق أزمة بين البلدين.
غير أن الخبير في الشؤون الليبية غازي معلا، استبعد أن تذهب ردة الفعل الليبية إلى أكثر من التعبير عن الانزعاج والتوضيح.
وقال في تصريح لـ "سبوتنيك": "تصريحات الرئيس قيس سعيد كانت ضبابية، ولم يفهم منها ما إذا كان المقصود هو التذكير بمسار تاريخي وما آلت إليه هذه القضية قبل 40 سنة، أم أنه يلوم السلطات التونسية على عدم التعاطي بجدية مع هذه المسألة، أم أنه يعتبر أن القضية لم تحسم بطريقة شفافة وعادلة، وبالتالي من حق تونس أن تطالب بنصيبها في هذا الحقل".
وزير الخارجية التونسي: قيس سعيد حريص على دعم مسار المصالحة في ليبيا
ولفت معلا إلى أن هذه الضبابية قادت الأطراف الليبية الرسمية إلى فهم تصريحات الرئيس قيس سعيّد على أنها تلويح بالمطالبة بنصيب تونس من هذا الحقل، وهو ما أنتج ردود فعل قوية وتأكيدا برلمانيا بعدم السماح بالمساس بثروات ليبيا.
وتابع: "رغم ذلك، لا أعتقد أن هذه التصريحات ستأخذ منحىً تصعيديا من الجانب الليبي، ولن تتعدى مرحلة التوضيح، ولكن الجانب التونسي مطالب في المقابل بتقديم توضيحات لتلافي هذا اللبس".
مناقشة