"دمج" الدعم السريع في الجيش… هل يمثل العقبة الرئيسية أمام السلام في السودان؟

الجيش السوداني
ما أن يقترب السودان خطوة من شاطئ السلام وحل الأزمة السياسية، حتى يبتعد خطوات نحو المجهول؛ فما لبث التوافق بين المكونين المدني والعسكري على خارطة الطريق طويلا، حتى نشبت الخلافات داخل المكون العسكري بشأن ترتيبات دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
Sputnik
تساؤلات كثيرة تُطرح حول القادم في السودان، إذا ما فشل الإتفاق الإطاري المدعوم أمميا وإقليميا ودوليا.
بداية، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور: "كانت هناك جدولة موضوعة لتوقيع الاتفاق النهائي في الأول من نيسان/ أبريل الجاري والسادس من نفس الشهر، من أجل إقرار دستور الفترة الانتقالية، على أن يكون اليوم العاشر من أبريل هو تعيين الحكومة الانتقالية الجديدة، لكن كانت العقبة الكبرى في تلك الخطوات، كانت عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش على وجه الخصوص".
خلافات وتباينات
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "إلا أن عملية الدمج المتفق عليها خلال الفترة الماضية شابها بعض الخلافات والتباينات في وجهات النظر بين الطرفين المعنيين، وعلى رأس تلك التباينات الناحية الفنية، بالإضافة إلى عامل الوقت".
وتابع الخبير العسكري: "ليس الأمر قاصر فقط على عملية الدمج السريع، إنما هناك عوامل سياسية أخرى محيطة بهذا الأمر، أولا الكتلة المركزية لقوى "الحرية والتغيير" انغلقت في مجموعة صغيرة، من بينها ياسر عرمان، ومريم الصادق، وعمر الدقير، وغيرهم، وانفصل عن الكتلة نفسها الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وامتنع عنها، منى أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، وبالتالي الكتلة المركزية قزّمت نفسها في مجموعة صغيرة، وهذا في حد ذاته مشكلة حتى لو تم الاتفاق بهذه الصورة فهنالك معارضة ومعارضة وشارع رافض لـ"الحرية والتغيير" والعسكر معا.
البرهان: نسعى لبناء جيش سوداني لا يتدخل في السياسة
تعدد العقبات
وأكد تاور أنه
"رغم تنوع العقبات أمام التوقيع النهائي على اتفاق السلام، إلا أنه سوف تظل هناك مشكلة رئيسية وجوهرية وحقيقية، والتي لا تزال حتى الآن ماثلة أمام العيان، وهي تباين وجهات النظر في بنود وتفاصيل وفنيات عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، فلا تزال الاجتماعات مستمرة بين الجيش والدعم، وعلى ما يبدو أن تلك الاجتماعات ستطول لبعض الوقت، فلا أعتقد أنه يمكن حسم الأمر في يوم أو يومين، وإذا ما تم التوافق على الدمج، سوف تظل المشكلة أن الموقعين على الاتفاق عددهم محدود".
محاولة للهروب
من جانبه، يرى أمين مؤتمر الكنابي السوداني، دكتور جعفر محمدين، أن "مسألة دمج الدعم السريع داخل الجيش السوداني هي (كلمة حق يراد بها باطل)، لأن الدعم السريع هو جزء من الجيش وفق قانون القوات المسلحة الذي تمّت إجازته في العام 2013، وبموجب هذا القانون أصبح الدعم السريع يتبع القائد الأعلى للقوات المسلحة بشكل مباشر".
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك":
"مسألة دمج الدعم السريع من وجهة نظري هى عبارة عن شمّاعة يتم اللعب عليها من جانب القائمين على السلطة، من أجل التملّص أو التحلل من الاتفاق الإطاري الذي جرى التوقيع عليه، إذ أن الدعم السريع جاء في وقت صعب جدا، وفشل في حسم التمرد في دارفور وجبال النوبة بكل صراحة".
الدعم السريع
وأضاف محمدين أن "ما قدمه الدعم السريع لا ينكره إلا مكابر، لكن ما لا ننكره أن الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة بشكل عام، جميعها يحتاج إلى الدمج والهيكلة من أجل بناء جيش وطني حقيقي، لكن تلك الخطوات تحتاج لوقت ودعم لوجيستي، وهناك الكثير من الدول مرت بنفس التجربة السودانية، ما يثار في الأيام الماضية عن مسألة الدمج ليست من أجل السلام".
وأعلنت قوى إعلان "الحرية والتغيير" في السودان، مساء الأربعاء الماضي، إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية، الذي كان مقررا الخميس الموافق 6 أبريل الجاري، حتى انتهاء المباحثات بين اللجان الفنية العسكرية من صياغة التوصيات النهائية من أعمال الإصلاحات الأمنية والعسكرية.
هكذا تطور المشهد في السودان على مدار 5 سنوات مضت
وقالت قوى "الحرية والتغيير" في بيان إن "العملية السياسية الطويلة تمضي صوب نهاياتها بعد الانتهاء من الورش والمؤتمرات الخمسة المنصوص عليها في الاتفاق السياسي (الإطاري)"، بالإضافة إلى "استكمال صياغة الاتفاق السياسي النهائي الذي تأجل التوقيع عليه بسبب استئناف المباحثات المشتركة بين الأطراف العسكرية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري فيما يتصل بالجوانب الفنية الخاصة بإجراءات الإصلاح الأمني والعسكري".
وأضاف البيان أن "تأجيل توقيع الاتفاق السياسي النهائي حتى الانتهاء من المباحثات الفنية العسكرية سيؤكد حرصنا على استكمال كافة الملفات المتفق عليها في الاتفاق الإطاري، وضمان تحقيق ما يصبو إليه الشعب السوداني من تحول ديمقراطي وإصلاحات مؤسسية".
وأشار البيان إلى أن "مسار المفاوضات بين العسكريين شهد تقدما في عدة ملفات، وتبقى أمام إنهائها الاتفاق على القضية الأخيرة"
وهذا هو التأجيل الثاني لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي، الذي كانت الأطراف اتفقت على توقيعه في 6 أبريل الجاري، بعد أن كان مقررا في الأول من الشهر نفسه، بسبب خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
يُذكر أن أطراف العملية السياسية السودانية (المكونان العسكري والمدني) وقّعت على اتفاق إطاري في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2022، وتمهيدا للتوقيع على اتفاق سياسي يكون بمثابة اتفاق ينهي الأزمة السياسية بالبلاد، والمستمرة منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بحل الحكومة التنفيذية في 25 من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي كان يقودها رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك.
من ناحيته، أعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السبت الماضي، عن قلقه من تصاعد التوتر في السودان، وخروج آلاف المواطنين للتظاهر في أم درمان.
وذكرت قناة "فرانس 24"، مساء السبت الماضي، أن فولكر تورك دعا جميع الأطراف السودانيين إلى تكثيف جهودهم بهدف عودة حكومة المدنيين، ومحاولة التهدئة والامتناع عن اللجوء إلى العنف.
بعد خروج مظاهرات السادس من أبريل.. الأمم المتحدة تحذر من تصاعد التوتر في السودان
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن البلد يقف عند منعطف حاسم، وتم إنجاز الكثير من العمل، وتم اتخاذ العديد من الخطوات الإيجابية نحو التوقيع على اتفاق نهائي، ويجب بذل كل الجهود الآن لإعادة الانتقال السياسي إلى مساره الصحيح.
وطالب المفوض الأممي السلطات السودانية، بتجنّب مزيد من التأخير في توقيع اتفاق للانتقال إلى حكومة مدنية في البلاد، بينما دعا الأطراف غير الموقعين للانضمام إلى العملية السياسية..
وحث تورك السلطات السودانية على ضمان الاحترام الكامل لحقوق الناس في حرية التعبير والتجمع السلمي، سواء من خلال الاحتجاجات أو التظاهرات، وأن يتم توجيه قوات الأمن بوضوح للرد على التظاهرات، بما يتماشى مع قوانين ومعايير حقوق الإنسان حول العالم.
وفي وقت سابق من شهر مارس/ آذار الماضي، أعلن الناطق باسم العملية السياسية أنه سيتم التوقيع على الاتفاق السياسي في الأول من شهر أبريل الحالي، إضافة إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية في 6 من أبريل، وهذا لم يحدث بسبب خلافات في الرؤى بين قادة القوات المسلحة وقادة قوات الدعم السريع، فيما يتصل بتحديد جداول زمنية لدمج قوات الدعم السريع داخل الجيش.
مناقشة