تونس.. دعوات إلى حل ملف الأحزاب "المتورطة في التمويل الأجنبي" وفي مقدمتها حركة "النهضة"

عاد ملف حلّ الأحزاب السياسية في تونس، المتهمة بالفساد المالي وبتلقي تمويلات خارجية، إلى سطح الأحداث في تونس، حيث طالبت مجموعة من الشخصيات الحزبية ونشطاء في المجتمع المدني بتعجيل النظر في هذا الملف.
Sputnik
ومنذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021، تصاعدت المطالب آنذاك بمحاسبة المنظومة التي تسببت فيما بات يعرف بـ "العشرية السوداء"، والتي سيطر عليها استغلال عدد من الأحزاب لنفوذها السياسي في الحصول على تمويلات أجنبية تم استغلالها في تمويل حملاتها الانتخابية، وفي مقدمتها حركة "النهضة".
وقبل يومين، أصدر القضاء التونسي حكمًا يقضي بسجن رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي، وصهره رفيق عبد السلام 3 سنوات مع النفاذ العاجل، بتهمة "تلقي تمويل أجنبي".
القضاء التونسي يصدر حكما بسجن راشد الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام 3 سنوات
كما تمت تخطئة حركة النهضة بمبلغ قدره مليون و170 ألفًا و470 دولارًا، وذلك على ضوء شكوى تقدم بها السياسي والوزير الأسبق محمد عبو، والتي اتهم خلالها النهضة بالتعاقد مع شركة دعاية أمريكية قبيل انتخابات 2019.
وأثار هذا الحكم تساؤلات بشأن مصير الأحزاب السياسية المتهمة بالفساد المالي وبتلقي تمويلات أجنبية، خاصة في ظل وجود تحقيقات قضائية شملت أحزاب "النهضة"، و"قلب تونس"، و"عيش تونسي" بناء على وجود معطيات تفيد بتلقيها لتمويلات أجنبية، وثقها التقرير الأخير لدائرة المحاسبات.
وكانت مديرة ديوان رئيس الحكومة، سامية الشرفي، قد أعلنت خلال جلسة استماع لها في البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن صدور قرارات قضائية تقضي بحل 15 حزبًا سياسيًا وتجميد نشاط 97 منها، بسبب قضايا تتعلق بـ"الشفافية المالية ومصادر التمويل"، دون تحديد هويتها.
خطوة مهمة لتنقية المناخ السياسي
وشدّد الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية"، محمود بن مبروك، في تصريح لـ "سبوتنيك"، على ضرورة تنقية المناخ السياسي قبل الذهاب إلى أي انتخابات مقبلة، سواء كانت محلية أو برلمانية أو رئاسية.
وأضاف: "لقد بات من الضروري القطع مع الأحزاب التي تعلّقت بها تمويلات أجنبية مشبوهة ولها علاقات خارجية تصبّ في مصلحة أجندة معينة وليس في مصلحة الشعب التونسي".
إيقاف القيادي البارز في حركة النهضة التونسية عبد الكريم الهاروني
وقال بن مبروك إن المقصود هي الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد في العشرية التي تلت الثورة، وهي بالأساس "حركة النهضة" و"الدستوري الحر" و"ائتلاف الكرامة" و"التيار الديمقراطي"، التي تلقت تمويلات من دول أجنبية على غرار قطر والإمارات، وفقا لتأكيده.
ولفت بن مبروك إلى أن القضاء التونسي بدأ في البت في عدد من القضايا التي تهم شخصيات سياسية تنتمي إلى تلك الأحزاب، بعضهم في حالة إيقاف، مؤكدًا أنه سيتم إثارة قضايا أخرى تتعلق بالتمويل الأجنبي في الفترة القليلة المقبلة، تشمل رؤساء أحزاب.
وشدد على أن "الرئيس التونسي ومسار 25 يوليو لا يبحثان عن ضرب الأحزاب السياسية، والدليل هو استمرار نشاط عدد من الأحزاب السياسية التي نشطت في العشرية الأخيرة وشاركت في الانتخابات الأخيرة على غرار حركة الشعب".
وأوضح بن مبروك أن هذه الخطوات ضرورية لتنقية المناخ السياسي ولضمان عدم عودة المنظومة السابقة، التي أثبتت فشلها في خدمة مصالح الشعب، إلى سدة الحكم مجددًا.
وتابع: "بعد الثورة تشكل ما يزيد عن 250 حزبا سياسيا في تونس، بعضها توقف عن النشاط وطلب حلها بنفسها، والبعض الآخر لم تقدم تقاريرها المالية السنوية منذ 2018، وهو أمر مخالف للقانون، والبعض الآخر تورطت في قضايا فساد مالي وتلقي تمويلات أجنبية، والقضاء هو من سيقول كلمته فيها".
ملف على غاية من الحساسية
وقال الأمين العام المساعد لحركة شباب تونس الوطني حسام بن أحمد، لـ "سبوتنيك"، إن حلّ ملف الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد المالي والتمويل الأجنبي المشبوه، يجب أن يكون بالتوازي مع بقية الأولويات التي رسمت مسار 25 يوليو.
وأوضح بن أحمد أن هذا الملف على غاية من الحساسية، على اعتبار تأثيره المباشر على استقرار المناخ السياسي في البلاد وعلى الاستحقاقات الانتخابية التي ستعيشها تونس خلال الفترة المقبلة.
القضاء التونسي يفتح تحقيقات ضد شخصيات بشبهة التآمر على أمن الدولة... من بينهم يوسف الشاهد
وأضاف: "من حق الشعب التونسي أن يذهب إلى الانتخابات في ظل مناخ نقي من الشوائب كما هو متعارف عليه إقليميا ودوليا، والمطلوب هو أن تكون هناك شفافية مطلقة وأن تبادر الدولة بأجهزتها الرسمية إلى التدقيق في حسابات الأحزاب والجمعيات التي تعلقت بها شبهات التمويل الأجنبي".
ويرى بن أحمد أن تأخر البت في هذا الملف بشكل نهائي يعود إلى إيلاء الدولة الأهمية القصوى لمكافحة الفساد، وتنظيف الإدارة من الشوائب التي علقت بها على امتداد أكثر من 3 عقود، وإنهاء سيطرة العائلات النافذة على الاقتصاد التونسي.
مبادرة تشريعية في الصدد
وتؤكد النائبة في البرلمان، فاطمة المسدي، أن مجلس نواب الشعب يدرس مسألة تقديم مبادرة تشريعية لتنظيم نشاط الأحزاب والجمعيات في تونس، بشكل يقطع مع التمويلات الأجنبية المشبوهة ويُسهم في تنقية المشهد السياسي، سيتم الكشف عن تفاصيلها قريبا.
وترى المسدي أن "ما يتعلق بحزب حركة النهضة وقياداتها، من قضايا تسفير وتلقي تمويلات أجنبية وتخابر مع جهات خارجية، يستوجب حلها وعدم الاكتفاء بغلق مقرها وتتبع قياداتها قضائيا".
وفي أبريل/ نيسان 2023، أغلقت قوات الأمن التونسي المقر المركزي لحزب حركة النهضة وجميع مكاتبها في البلاد ومنعت الاجتماع فيها، وذلك بعد يوم من إيقاف رئيس الحركة راشد الغنوشي، على خلفية قضايا "إرهاب".
تونس.. المجلس الأعلى للقضاء يبت اليوم في طلب رفع الحصانة عن 13 قاضيا
ويرى الناشط السياسي محسن النوري، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن قضايا الفساد والتخابر والتمويل الأجنبي أدت إلى فقدان الأحزاب لثقلها الشعبي، مشيرًا إلى أن الأحزاب البارزة في تونس لم تعد قادرة على تحريك الشارع.
وقال النوري: "بعد الثورة، علّق التونسيون آمالا على الأحزاب التي اكتوت بنار النظام الاستبدادي على غرار حركة النهضة وصنّفوها كحزب نضالي، غير أن الوقائع والسنوات أثبتت أن همّها الوحيد هو مسك السلطة وخدمة مصالحها الضيّقة، وهو ما يفسّر اليوم القطيعة شبه النهائية بينها وبين الشعب".
وشدد النوري على أن القانون التونسي يسمح بحلّ الأحزاب التي ثبت تلقيها لتمويلات أجنبية، وحلّ الجمعيات التي ثبت أنها أساءت التصرف في تمويلات أجنبية أو وجّهتها في غير محلّها، مشيرًا إلى أن المسألة بسيطة ولا تتطلب الكثير من التعقيدات، وأنه ما على الدولة سوى تفعيل دورها الرقابي.
مناقشة