بعد أن رفض رئيسها الانصياع لإملاءات صندوق النقد... ما هي خيارات تونس التمويلية

فتح رفض الرئيس التونسي قيس سعيد، إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، التساؤلات بشأن البدائل التمويلية المطروحة أمام بلد يعاني من فجوة هائلة في الموازنة ومن حاجته إلى سداد ديون مستعجلة.
Sputnik
وقال قيس سعيد، في أول رد واضح على برنامج الإصلاحات الذي يفرضه صندوق النقد الدولي كشرط أساسي للإمضاء على اتفاق تمويل نهائي مع تونس بقيمة 1.9 مليار دولار، إنه يرفض "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد تفقير الشعب"، وأن البديل يجب أن يكون تونسيا وذلك بالتعويل على النفس.
وشدد سعيّد على أن "السلم الأهلي ليس أمرا هيّنا"، في إشارة إلى الاضطرابات الشعبية التي ستنجم عن تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي الذي يتضمن رفع الدعم والتفويت في المؤسسات العمومية والتقليص من كتلة الأجور.

فأي طريق ستسلكها تونس لتأمين حاجيات تمويلية تقدر بـ 25 مليار دينار (8.1 مليار دولار) بشكل عاجل؟

تونس تشارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي لمتابعة اتفاقها المالي المعلق

البريكس من بين الحلول

وحول الخيارات البديلة المطروحة أمام تونس في المرحلة القادمة، يقول رئيس المكتب السياسي لحركة شباب تونس الوطني عبد الرزاق الخلولي في تصريح لـ "سبوتنيك" إن تونس تدرس بجدية مسألة انضمامها إلى مجموعة "البريكس".
وأضاف "هذه المسألة هي حاليا موضوع نقاش لدى السلطات الرسمية في تونس وخاصة على مستوى رئاستيْ الحكومة والجمهورية، وهو مقترح ينسجم مع توجه تونس إلى تنويع علاقاتها وعدم الاقتصار على المعاملات التقليدية التي كان يقودها الغرب".
وأكد الخلولي أن تونس ستتجه قريبا إلى بناء علاقات أخرى مع أعضاء مجموعة البريكس خاصة بعد أن تبين أن الشقيقة الجزائر تخطو في نفس الاتجاه وتهيؤ للانضمام إلى هذه المجموعة قبل موفى سنة 2023.
وقال "هذه المجموعة التي تقودها روسيا والصين بالأساس بإمكانها أن تشكل تكتلا اقتصاديا قويا وأن تخلق قطبا ثنائيا. وانضمام تونس إلى هذه المجموعة سيسمح لها بتنويع علاقاتها ومبادلاتها التجارية وسيفتح لها الباب لتعاون اقتصادي جديد مع الشرق".
وبيّن الخلولي أن تونس تبحث بالجدية عن بناء علاقات جديدة مع دول مثل روسيا والبرازيل والصين، في إطار بحثها عن من يساعدها على الخروج من أزمتها الاقتصادية ومن وضعية التداين المستمر.
مصادر لـ "سبوتنيك": تونس تدرس الانضمام إلى مجموعة "بريكس"
ويرى الخلولي أن علاقة تونس مع دول الغرب وبالأساس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كانت مبنية على التبعية والهيمنة والتسلط، مشيرا إلى أن هذه العلاقات تتسم بعدم التكافؤ والاعتداء على ثروات البلاد، بشكل أضر بمصالح تونس.
وأشار الخلولي إلى أن انضمام تونس لمجموعة البريكس سيخلصها من هيمنة النظام الاقتصادي المالي العالمي الحالي، نحو نظام آخر يقوم على تكافئ الفرص واحترام حقوق الدول.
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم حراك مسار 25 جويلية (يوليو) محمود بن مبروك لـ "سبوتنيك"، أن تصريحات الرئيس قيس سعيد هي "إعلان عن قطع العلاقات مع صندوق النقد الدولي الذي لا يقدم إصلاحات تتناسب مع الظرفية الاجتماعية في تونس، وإنما شروطا وإملاءات مجحفة تصب في مصلحة الغرب".
وحول الخيارات البديلة المطروحة أمام تونس في المرحلة القادمة، قال بن مبروك: "في الوقت الراهن ستلجأ تونس إلى الجزائر التي التزم رئيسها عبد المجيد تبون مؤخرا بأنه لن يترك تونس تفلس"، مشيرًا إلى وجود ضمانات أخرى للاقتراض قدمتها كل من الإمارات والسعودية.
السندات التونسية تسجل أكبر انخفاض في العالم بعد تصريح رئيس البلاد عن صندوق النقد
وإلى جانب هذه الضمانات، يؤكد بن مبروك أن تونس تطرح بجدية مسألة الانضمام إلى مجموعة "بريكس" خاصة وهي التي أمضت على مذكرة تفاهم للانضمام إلى مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" منذ يوليو/تموز 2018.
وتابع: "الموضوع ليس مجرد فكرة، وإنما تم طرحه على طاولة السلطة التنفيذية في تونس، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن انضمام تونس لهذه المجموعة في أي وقت".
ويشير بن مبروك إلى أن السلطات التونسية تبحث عن خيارات توفر لها ضمانات تمويلية أوسع دون تقييدها بشروط سياسية ودون التدخل في سياستها الداخلية وفي خياراتها الوطنية.
ولفت إلى أن تونس تُبدي رغبة واضحة في التخلص من شركائها التقليديين (أمريكا والاتحاد الأوروبي) وتسعى إلى الانخراط في تحالفات جديدة، مشيرا إلى أن انضمامها إلى مجموعة البريكس لن يضمن لها تسهيلات مالية فقط وإنما سيفتح لها الباب أيضا لعقد تحالفات جديدة وتنويع أسواقها التجارية خاصة مع دول الشرق وفي مقدمتها روسيا والصين.
وفي أول تعليق من أعضاء مجموعة بريكس، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين، خلال إحاطة إعلامية اليوم، إن الصين "تتمسك بروح الانفتاح والشمولية والعمل مع شركاء بريكس لتعزيز التعاون مع الأسواق الناشئة والدول النامية"، وذلك ردا على سؤال وكالة "سبوتنيك" بشأن انضمام تونس إلى هذه المجموعة.

حلول تونسية على الطاولة

ويشدد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، على ضرورة مباشرة الحكومة التونسية في تنفيذ مخطط بديل لتمويلات صندوق النقد الدولي ينبع عن إصلاحات داخلية.
تونس تحتاج إلى 750 متبرعا بالدم يوميا و270 ألف سنويا
وأشار إلى أن هذا البديل يجب أن يكون مبنيا على أربعة إجراءات أساسية، أولها تحقيق زيادة في إنتاج الفسفاط وتأمين نقله إلى المجمع الكيميائي بقابس مع تأمين إنتاج المواد الكيميائية وتصديرها إلى الخارج عبر ميناء رادس.
ولفت إلى أن هذه العملية يجب أن تكون تحت إشراف الجيش الوطني، حتى وإن تطلب الأمر اقتطاع 10 في المئة من مداخيل الفسفاط لتمويل التنمية في منطقة الحوض المنجمي (بالجنوب التونسي) التي تفتقر إلى المواطن الرزق باستثناء ما توفره شركة فسفاط قفصة.
وأضاف: "الإجراء الثاني يتعلق بتشجيع التونسيين بالخارج على فتح حسابات خاصة بالعملة الصعبة بالبنوك التونسية بنسبة فائدة مهمة تجعلهم يقدمون على هذه العملية، خاصة وأن تحويلات التونسيين بالخارج فاقت في السنوات الأخيرة مداخيل السياحة".
وبحسب أرقام البنك المركزي التونسي، بلغت تحويلات العاملين في الخارج 8.4 مليار دينار سنة 2023، في الوقت الذي حققت فيه السياحة التونسية عائدات بنحو 4.2 مليار دينار.
ويرى الشكندالي أن الإجراء الثالث يجب أن يشمل التخفيف، ولو ظرفيا، في نسبة الأداء على مرابيح الشركات المصدرة كليا والتي تراجعت صادراتها في السنوات الأخيرة نتيجة الترفيع المستمر في نسبة الأداء على مرابيحها.
وتابع: "الإجراء الرابع يتعلق بالأموال التي تتداول في السوق السوداء بالعملة الصعبة وهي مبالغ كبيرة جدا. لا بد من عفو جبائي تام على هذه الأموال حتى وإن اقتضى الأمر أن تقع مشاكل مع الاتحاد الأوروبي على مستوى إدراج القائمات السوداء".
وفي وقت سابق، كشف محافظ البنك المركزي مروان العباسي أن حجم الأموال المتداولة في السوق الموازية بلغ 4 مليار دينار سنة 2019، نصفها يتم تداوله في المناطق الحدودية.
"بريكس"... قوة صاعدة تواجه مجموعة "السبع" وتحطم أرقامها الاقتصادية

حاجيات تمويلية ضخمة

ويحذّر الخبير الاقتصادي معز حديدان، من أن تونس ستكون في مأزق مالي حقيقي إذا لم تجد حلولا بديلة عن صندوق النقد الدولي الذي ترتهن إليه بعض الدول في قرارها المتعلق بمد المساعدات المالية لتونس.
وقال حديدان في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن غياب البديل سيعرض تونس لمشاكل حقيقية، خاصة وهي الملزمة بسداد قروض خارجية بقيمة 15 مليار دينار قبل موفى سنة 2023، وتأمين شراءاتها من المواد المستوردة كالطاقة والحبوب وغير ذلك.
وأضاف: "حسب ميزانية الدولة لسنة 2023، تحتاج تونس إلى تمويلات بقيمة 25 مليار دينار، من بينها أكثر من 8 مليار دينار لسد عجز الموازنة و15 مليار دينار لسداد ديونها".
وأوضح حديدان أن الحلول التي تنتهجها الحكومة التونسية حاليا تعتمد على الضغط على البنوك التونسية لتأمين بعض الاحتياجات، ولكن ذلك لا يمنع حاجتها الملحة إلى تمويلات بالعملة الصعبة تقدر بنحو 5 مليار دولار، لم تتحصل على أي جزء منها إلى حد اليوم.
وبيّن حديدان أن انعكاس ذلك على أرض الواقع سيكون بتواتر فقدان المواد الأساسية التي تستوردها تونس وعجز الدولة عن سداد الديون التي ستحل آجالها.
ويراهن الرئيس التونسي قيس سعيد على تأمين اعتمادات مالية بقيمة 13 مليار دينار ستتأتى من مشروع الصلح الجزائي الذي يقوم على تفعيل مصالحة جزائية مع من نهبوا أموال الشعب التونسي في فترات الحكم السابقة مقابل إرجاعهم لهذه الأموال. غير أن بعض الخبراء ومن بينهم حديدان يؤكدون أن المسألة ليست بالهينة وتتطلب مسارا قضائيا طويلا.
مناقشة